مؤيدون للمعارضة التركية يحتفلون بفوز إمام أوغلو
مؤيدون للمعارضة التركية يحتفلون بفوز إمام أوغلو

نيرڤانا محمود/

لم تنل أي انتخابات محلية في دولة غير عربية اهتماما واسعا في العالم العربي كانتخابات مدينة اسطنبول التركية.

"اللهم وفق أردوغان وإخوانه لما فيه صلاح تركيا واكتب الفوز والتوفيق لعبدك ابن علي يلدرم في انتخابات اليوم".

تغريدة الدكتور محمد الصغير، مستشار وزير الأوقاف المصري الأسبق هي مثال بسيط من دعوات الإسلامويين العرب لنصرة زعيمهم، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل انتخابات الإعادة في إسطنبول.

جاءت نتيجة الانتخابات بعكس ما يتمناه أردوغان وحلفائه من القطريين والإخوان المسلمين.

انتصر مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو على مرشح أردوغان بن علي يلدرم حتى في أحياء اسطنبول المحافظة، كالفاتح وبايرم باشا وأيوب سلطان وأوسكودار وباهتشلي أوفلار، بالرغم من ولاء سكان هذه الأحياء للرئيس التركي وحزبه الحاكم على مدى 17 عاما.

من السابق لأوانه تقييم تأثير أي انشقاقات في الحزب الحاكم على شعبيه الرئيس التركي

​​هناك عوامل عدة أدت إلى نجاح أكرم إمام أوغلو؛ منها ضعف الاقتصاد، وانخفاض قيمة الليرة التركية، والغضب الشعبي من انفراد أردوغان بالسلطة، ولكن السبب الأهم هو ذكاء إمام أوغلو السياسي.

تفادى إمام أوغلو الهجوم على أردوغان، حتى بعد إلغاء انتخابات الدور الأول في آذار/مارس الماضي، ورفض لعب دور المظلوم.

في المقابل، ركز على كسب ود الشعب واحترام الأقليات، وحوّل العلمانية التركية إلى مظلة كبيرة تغطي الجميع من المحافظين والمتدنين إلى الليبراليين والأقليات. ارتقى إمام أوغلو فوق حالة الاستقطاب السياسي الذي يستغله الرئيس التركي منذ عقود.

اتخذ إمام أوغلو شعارا بسيطا لحملته "كل شيء سيكون جيدا"، وتحلى بالهدوء ورفض اتباع أسلوب شعبوي، فنجح في كسب العقول والقلوب.

ردود فعل حلفاء أردوغان العرب، بعد الانتخابات جاءت إسلاموية كلاسيكية بامتياز: صولات وجولات في مدح الرئيس التركي الذي "صان قلعة الديمقراطية في تركيا".

شكل الإسلامويون العرب "حزب النفاق العربي التركي"، كرس جهوده لتبسيط وتجميل الواقع التركي بهدف خداع المواطن العربي وإقناعه بأن الانتخابات البلدية التركية هي المعيار الحقيقي للديمقراطية، والتجربة التي يجب أن يحتذي بها في عالمنا العربي.

تناسى الإسلامويون العرب أن الانتخابات التركية ليست اختراع أردوغاني، بل إن أول انتخابات حرة فازت فيها المعارضة كانت في العام 1950.

تجاهل الإسلامويون العرب أيضا كيف تفرد أردوغان بالسلطة وغيّر نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي في العام 2014 لكي يستمر في الحكم؛ وحتى الانتخابات المحلية لم يتركها تمر بسهوله وفرض إعادة الانتخابات البلدية في اسطنبول، بل وشيطن مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، حتى شبهه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

مشكلة حلفاء أردوغان العرب أنهم دخلوا معترك السياسة التركية من منطلق أيديولوجي بحت، منفصل تماما عن الواقع التركي.

اعتقد الإسلامويون العرب أن دورهم في تركيا هو التطبيل لأردوغان، ودعم حملاته الانتخابية.

أي تقليل لقوة أردوغان وتأثيره هو ضرب من السذاجة السياسية

​​في المقابل، تفاعل العديد من غير الإسلامويين في العالم العربي مع ظاهرة إمام أوغلو بشيء من التفاؤل المبالغ به وصوروا نجاحه على أنه بداية نهاية حكم أردوغان والعثمانيين الجدد.

​​وهذا أيضا غير دقيق. فالواقع التركي أكثر تعقيدا. فقد بدأ تهميش أكرم إمام أوغلو، عمدة اسطنبول الجديد، حتى قبل أن يستلم السلطة. حيث أعلنت وزارة التجارة التركية عن قرار جديد يقضي بسحب بعض صلاحيات رئيس بلدية اسطنبول الجديد، أكرم إمام أوغلو، وإحالتها لمجلس البلدية.

ومن المهم التذكير بأنه لن تكون هناك أي انتخابات أخرى في تركيا، تشريعية أو رئاسية، إلا في عام 2013. مما يعني أن الرئيس التركي سيظل الحاكم الأوحد المسيطر على كل كبيرة وصغيرة في الدولة التركية لأربعة أعوام أخرى.

صحيح أن الانشقاقات قد بدأت في الظهور في حزب أردوغان الحاكم، إذ أعلن وزير الاقتصاد التركي الأسبق، علي باباكان، مهندس الإصلاح الاقتصادي التركي السابق، تكوين حزب جديد يركز علي تحسين الاقتصاد والوسطية السياسية.

كما يتوقع كثير من المراقبين انشقاق آخرين من الحزب الحاكم كالرئيس السابق عبد الله غول ووزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو.

ولكن من السابق لأوانه تقييم تأثير أي انشقاقات في الحزب الحاكم على شعبيه الرئيس التركي.

اعتقد الإسلامويون العرب أن دورهم في تركيا هو التطبيل لأردوغان

​​أمام الرئيس التركي وقت كاف ليتعافى من صدمة إسطنبول، وأي تقليل لقوة أردوغان وتأثيره هو ضرب من السذاجة السياسية.

من المهم أن يعي العرب، أن إخراج تجربة انتخابات إسطنبول من الواقع السياسي العام في تركيا ومحاولة تسويقها عربيا هو ضرب من العبث. فإن أصر الإسلامويون على تمجيد التجربة فليبدأوا بإقامة انتخابات تعددية ببلدية الدوحة، قبل أن يسخروا من منتقديهم.

أما بقية العرب فربما يحتاجون التعلم من إمام أوغلو أن فن حب الجماهير يبدأ بالعقلانية والهدوء والصبر، والامتناع عن القذف والذم والعاطفية والتشنج.

اقرأ للكاتبة أيضا: مصر وتحدي الهوية

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.