سلام بين ئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ومستشار الأمني القومي الروسي نيكولاي باتروشيف
سلام بين ئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ومستشار الأمني القومي الروسي نيكولاي باتروشيف

مصطفى فحص/

في اجتماع القدس الثلاثي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ومستشار الأمني القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، أكد باتروشيف التزام بلاده بأمن إسرائيل، واعتباره أولوية لاستقرار الشرق الأوسط، ولكن ربطه باستتباب الأمن في سوريا، الذي "يتحقق الآن على يد النظام السوري وجهود حلفائه"، وفي مقدمتهم روسيا وإيران، التي وصفها بشريك بلاده الأساسي في الحرب على الإرهاب.

في القدس، نجحت موسكو بالإفلات من الكمين الاستراتيجي الذي حاول بولتن ونتانياهو نصبه لها بمحاولة تلزيمها إخراج القوات الإيرانية من سوريا مقابل وعود بغض الطرف عن إعادة تعويم النظام مقدمة إلى إعادة التعامل الدولي معه، بعد إجراء بعض العمليات التجميلية في هيكليته السياسية العسكرية والأمنية، وكررت موسكو مطالبها بخروج جميع القوات الأجنبية من سوريا، منتقدة استمرار تل أبيب استهداف مواقع إيرانية داخل الأراضي السورية، ومجددة تمسكها بمشروع الحل الذي تراه مناسبا لضمان مصالحها في سوريا.

قرار السماح باستخدام قاعدة همدان الجوية، يعتبر تخليا إيرانيا واضحا وصريحا عن القواعد التي حددها الخميني

​​التصريحات المتناقضة بعد الاجتماع، والكلام المبهم عن الاتفاق، تكشف أن الأطراف الثلاثة اعتمدت الحديث بغموض عن نتائج اللقاء كمخرج لعدم اعترافهم بصعوبة التوصل لاتفاق يُرضي الجميع، وهذا ما عاد وكرره المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في رده المختصر على أسئلة الصحفيين عندما أكد أن الاجتماع توصل لاتفاقيات هامة بشأن سوريا لكنه وضعها في سياق التحضير للمحادثات الثنائية المتوقع عقدها ما بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلادمير بوتين على هامش قمة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية، لكن بيشوف لم يحدد بنود الاتفاقيات ولا مضمونها وأنهى لقاؤه مع الصحافة بالقول: "لا يمكنني أن أقول أكثر مما قاله باتروشيف خلال لقائه مع الصحافة".

من القدس أو من أوساكا ليس بإمكان واشنطن وتل أبيب إقناع موسكو بالقفز فوق الثوابت الجيوسياسية والجيوعقائدية التي تفرض شروطها على نظام المصالح الروسية ـ الإيرانية ما بعد الحرب الباردة، وتعززت بعد وصول فلاديمير بوتين لسدة الرئاسة في روسيا سنة 2000 وقابلها مرشد الجمهورية الإيرانية بكثير من الاهتمام باعتبارها باتت ضرورية وسط متغيرات إقليمية ودولية فرضت على الطرفين صياغة استراتيجية مشتركة في مواجهة الأحادية القطبية الأميركية التي أصبحت على حدودهما الجغرافية بعد غزو العراق وأفغانستان ونجاح الثورات الملونة في أوكرانيا وجورجيا وأرمينيا، وتصاعدت المخاطر عندما دقت الثورة السورية ناقوص الخطر وهددت مصالحهما الاستراتيجية وفرضت عليهما تحديات جغرافية وعقائدية وضعتهما في مواجهة المجتمع الدولي.

فمما لا شك فيه أن تطورات الأزمة السورية والهزيمة التي تعرضت لها ميليشيات الأسد وميليشيات الجنرال قاسم سليماني على يد المعارضة المسلحة السورية دفعت طهران إلى طلب النجدة من موسكو، التي أعلنت في 15 أيلول/سبتمبر 2015 عن دخولها المباشر بالحرب السورية، حيث سمحت طهران حينها للقاذفات الاستراتيجية الروسية باستخدام قاعدة همدان الجوية أثناء قيامها بضرب الشعب السوري.

قرار السماح باستخدام قاعدة همدان الجوية، يعتبر تخليا إيرانيا واضحا وصريحا عن القواعد التي حددها مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني في السياسة الخارجية للثورة الإيرانية، وأراد من خلالها إيجاد مكان آمن لبلاده بعيدا عن الاستقطابات التي كانت سائدة خلال الحرب الباردة وعرفت بصراع القطبين الأميركي والسوفياتي؛ فقرار المرشد علي خامنئي ليس فقط مخالفا لرؤية الخميني أولا وللدستور ثانيا، إنما هو في عمقه تطبيقا عملانيا لموقف صناع القرار الإيراني بالانحياز الاستراتيجي إلى جانب روسيا، ورغم كونه انحيازا فرضته الظروف الجيواستراتيجية التي تتقاطع مع الوقائع الجيوسياسية، التي غالبا ما تفرض شروطها على من يحكم إيران منذ مئات السنين، وتستحوذ على خياراته السياسية وتؤثر على تحالفاته الخارجية.

بات هذا الممر الإيراني مكبلا بالشروط الروسية

​​قرار طهران طلب التدخل من موسكو وما تبعه من قرارات استراتيجية وميدانية اتخذتها القيادة الإيرانية يعود إلى خلفية عقائدية تنتمي إليها المجموعة الراديكالية الحاكمة في إيران وفي مقدمتها مرشد الثورة علي خامنئي، المتأثر بالامتداد الجغرافي لإيران التاريخية أو ما يصفه المؤرخون بخرسان الكبرى.

كانت خرسان الكبرى تمتد حتى بلاد جنوب النهر (في آسيا الوسطى حاليا)، وهذا المدى الجغرافي مرتبط ثقافيا وعقائديا واقتصاديا بالجغرافيا السياسية الروسية، بصرف النظر عن هويتها العقائدية أو السياسية، ويمثل حاجة استراتيجية لموسكو باعتباره معبرا إلزاميا لامتدادها القاري وفي وصولها إلى البحر المتوسط.

بات هذا الممر الإيراني مكبلا بالشروط الروسية، التي تستخدمه في مشروع عودتها إلى الساحة الدولية عبر سوريا وأزمات الشرق الأوسط، لكن هناك حرص روسي على استمرار الشراكة مع النظام الإيراني والحفاظ على متلازمة "الثورة والجغرافيا" التي تبرر للنظام خياراته وتؤمن للكرملين الاعتبارات التي يستند إليها في الدفاع عن مصالحة مع إيران فهو يبدو مستعدا لتقليم أظافرها في عدة ملفات ولكنه غير مستعد إلى قطع يدها لا في سوريا ولا في مناطق أخرى... وللحديث صلة.

اقرأ للكاتب أيضا: موسكو ـ طهران ـ واشنطن: ملامح العودة إلى اللعبة الكبرى

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.