خيّم عدد كبير من الأشخاص النازحين داخليا في بساتين الزيتون المحلية
خيّم عدد كبير من الأشخاص النازحين داخليا في بساتين الزيتون المحلية

فابريس بالونش/

في 6 أيار/مايو، شنّت قوات النظام السوري هجوما بريا على معقل المتمردين في إدلب. ويتركز القتال حتى الآن في منطقتين صغيرتين نسبيا، وقد أحرز النظام مكاسب إقليمية متواضعة. ولكن، في نهاية المطاف، يهدف كل من بشار الأسد وروسيا إلى القضاء على المتمردين في المحافظة بشكل نهائي (وهي رغبة تشاطرها إيران، على الرغم من أن ميليشياتها الشيعية لم تشارك بعد في هذه المعركة). أما استراتيجيتهما الطويلة الأجل لإعادة استرداد الأراضي فمستوحاة من أساليب مكافحة التمرد الابتكارية التي صمّمها الضابط الفرنسي الراحل ديفيد جالولا، لكن بفارق واحد مهم: إنهما لا يحاولان كسب قلوب سكان إدلب، فهما يحاولان دق أعناقهم.

وفي الوقت نفسه، إن تركيا غير مستعدة بعد لترك ساحة المعركة. فقد عززت مراكز المراقبة في قلب منطقة القتال، وزوّدت فصائل المتمردين الموالية للأتراك بالمزيد من الأسلحة. فهل ستساعد مثل هذه الجهود المتمردين على ردّ الهجوم، أم ستسحب أنقرة دعمها حالما تقوم روسيا بتسليم منظومات الدفاع الجوي إس 400-الموعودة بها إلى تركيا؟ والأهم من ذلك، ماذا سيحدث لمئات الآلاف من الأفراد غير المقاتلين في المحافظة إذا ما تحوّل القتال إلى حالة تشريد مطوّلة كتلك التي شوهدت في حلب؟

مكاسب إقليمية صغيرة، خسائر عسكرية كبيرة

وفقا لـ "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، خسر جيش الأسد ما يزيد عن 600 عنصر منذ 30 نيسان/أبريل، وهو ما يشكل حصيلة كبيرة بالنظر إلى أن الآلاف من الجنود الجرحى أصبحوا غير قادرين على القتال، كما وأن الانشقاقات مستمرة. وينطبق ذلك بشكل خاص على مجندي فصائل "المصالحة" الجدد القادمين من مناطق المتمردين السابقة. فقد كانوا الأكثر تكبدا للخسائر وهو أمر لا يبالي به النظام كثيرا. ومع ذلك، يدفع أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد ثمنا باهظا أيضا: فقد استقبلت اللاذقية أكثر من ثمانين جثمانا في شهر أيار/مايو، وربما استقبلت طرطوس العدد نفسه، مما أثار الغضب ضد النظام.

القنبلة الإنسانية الموقوتة التي نزعت سوريا وروسيا فتيلها توشك على الانفجار

​​وكان استرجاع قلعة المضيق النجاح الحقيقي الوحيد الذي حققه الجيش حتى الآن. ففي شمال غرب إدلب، تقصف المدفعية والطيران جبل كبانة، الذي كانت الجماعة الجهادية "هيئة تحرير الشام" قد حصّنته لحماية جسر الشغور وتهديد المنطقة الساحلية. وعلى الرغم من أن جميع الهجمات المتتالية على الجبل كانت محاولات دموية فاشلة، فمن المرجح أن تستمر موسكو في الضغط لأنها ترغب في توسيع دائرة الحماية المحيطة بقاعدتها الجوية الساحلية في حميميم، التي تقع حاليا ضمن نطاق الهجمات الصاروخية للمتمردين وهجمات الطائرات بدون طيار.

إنّ الخسائر أكبر في صفوف المتمردين، إذ أشار "المرصد السوري لحقوق الإنسان" في تقاريره إلى مقتل أكثر من 800 شخص وجرح الآلاف. ولا يمكن تقديم الدعم إلى المصابين إلى أجل غير مسمى نظرا إلى أنه يتم تدمير المستشفيات المحلية بشكل منتظم بواسطة الطيران. 

الوضع العسكري في شمال غرب سوريا في يونيو 2019 (المصدر: معهد واشنطن)

​​وفي الوقت الحالي، يسمح الهدوء السائد على معظم الجبهات الأخرى للمتمردين بالتركيز على جنوب غرب إدلب. وقد أدت عودة صواريخ "تاو"، التي وفّرتها تركيا لوكلائها "جيش العزة" و"الجبهة الوطنية للتحرير" بإذن من الولايات المتحدة، إلى عرقلة تقدم العربات المدرعة السورية، وذلك بالرغم من تمتعها بغطاء جوي.

وتمكن المتمردون أيضا من شنّ هجوم مضاد ناجح في 6 حزيران/يونيو، اخترقوا فيه خطوط الدفاع الأولى للجيش بين محردة والسقيلبية. والهدف من هذا التوجه هو تطويق محردة ثم تهديد حماة، ممّا قد يجبر النظام على إيقاف هجومه مؤقتا ووقف قصفه الهائل في أجزاء أخرى من جيب المتمردين.

التدمير المنهجي لإدلب

في الأسابيع الأخيرة، تعرّض نحو ثلثي المحافظة لغارات جوية مكثفة. ويقع معظم هذا القصف جنوب الطريق السريع الموصل بين حلب واللاذقية، لكن مدينة إدلب تتعرّض لهجمات منتظمة أيضا. تجدر الإشارة إلى أن الأهداف عسكرية ومدنية على حد سواء. 

ويتمثّل الهدف الرئيسي في حث المدنيين على الفرار إلى الحدود التركية، وبالتالي عزل المقاتلين المتمردين في الجنوب. ومن هذا المنطلق، يتّبع القصف نمطا واضحا: فالموجة الأولى من الضربات تركز عادة على الأهداف العسكرية لتشكل بذلك تحذيرا للمدنيين الذين يعيشون في مكان قريب. والموجة الثانية تتألف من ضربات عشوائية تُشنّ على منطقة معينة، مما يشير إلى أنه سيتم استهداف أيا كان داخل هذا المحيط. أما الموجة الثالثة فيحدث فيها انهمار شديد للقنابل، حيث أن جميع الذين ما زالوا في المنطقة يُعتبرون متمردين.

عندما تقصف القوات السورية والروسية بلدات بعيدة عن خط المواجهة (مثل سراقب وكفر نبل ومعرة النعمان)، فإنها تدّعي أن الهدف من ذلك هو قطع الخطوط اللوجستية للتمرد. وفي الواقع، هدفها هو عرقلة الحياة الطبيعية في منطقة المتمردين. 

يتمثّل الهدف الرئيسي في حث المدنيين على الفرار إلى الحدود التركية

​​وفي هذا السياق، كتب جالولا أنّ المدنيين سيرفضون التمرّد في نهاية المطاف إذا ما عجز عن حمايتهم، ويبدو أن الأسد اعتمد على هذا المبدأ لسنوات حتى الآن. ففي حرب أهلية مثل سوريا، يلتف معظم الناس في النهاية حول الفصيل الذي يغرس الخوف في النفوس، وليس حول من يملك قضية صالحة. وهذا ما يفسر أيضا السبب وراء استبدال المتمردين المعتدلين إلى حد كبير بآخرين من أمثال "هيئة تحرير الشام".

وفي 18 حزيران/يونيو، رفع مارك لوكوك، "وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسّق الإغاثة في حالات الطوارئ"، تقريرا مقلقا إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع الإنساني في إدلب. فمنذ الأول من أيار/مايو، فرّ حوالي 330,000 شخص من منازلهم في المحافظة، معظمهم محشور في 342 مخيما غير رسمي أنشئت على طول الحدود مع تركيا. وهم يتوجهون إلى هذه المخيمات المشبعة أصلا لأنهم يعتقدون أنهم سيكونون أكثر أمانا هناك ـ وهذا صحيح في الوقت الحالي لأن المنطقة لم تتعرض للقصف بعد، ولأن المنظمات غير الحكومية الدولية قادرة على الوصول إليها من تركيا بسهولة، مما يؤدي إلى توفّر قدر كبير من المساعدات. وهذا يولّد مفارقة وهي: أن المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة تشجّع عن غير قصد الاستراتيجية السورية ـ الروسية التي ترمي إلى إخلاء جنوب إدلب.

ويلاحظ "مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وشؤون الإغاثة" أيضا أن 250,000 طفل هم خارج المدرسة لأن المرافق التعليمية الخاصة بهم إما مدمَّرة أو تستخدم كبيوت للمشردين داخليا. وحتى عندما تتوفر المرافق المدرسية، يرفض كثير من الآباء إرسال أطفالهم إليها خوفا من القصف. وقد تم إلغاء جميع الامتحانات النهائية لهذا العام ـ وهو موقف أليم بالنسبة لسكان ملتزمين جدا بالتعليم. وقد سارع النظام إلى استغلال هذه المشاعر، مذكرا عائلات إدلب مرارا وتكرارا بأن أمامها خيارين: استخدام الممرات الإنسانية في مورك وأبو ضهور للاحتماء في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، أو الاستمرار في العيش وسط الفوضى إلى ما لا نهاية.

إعادة تشكيل التركيبة السكانية لإدلب

لكي تكون الاستراتيجية الوحشية التي يتبعها النظام لمكافحة التمرد فعّالة على المدى الطويل، يجب أن تدمر أي إمكانية معارضة لعقود قادمة، وهو هدف يتطلب إعادة الهيكلة الديموغرافية. فقد لجأ مئات الآلاف من معارضي النظام إلى إدلب بعد هزائم المتمردين في حمص وشرق حلب وشرق الغوطة ودرعا والرستن وفي أماكن أخرى. وقد أوضح الأسد أنه يريد إخراجهم جميعا من البلاد. فأولئك الذين يملكون الإمكانيات المالية قد غادروا بالفعل، مثل عشيرة علوش البارزة التي سرعان ما فرّت إلى تركيا وانتقلت لاحقا إلى المملكة العربية السعودية، التي لطالما كانت الراعي لجماعتها المتمردة "جيش الإسلام". كما ولا يَعتبر النظام أن بإمكانه التوافق مع مئات الآلاف من المعارضين النازحين داخليا. والأسوأ من ذلك، يبدو أنه يشعر بالمثل تجاه جزء كبير من السكان المحليين في إدلب، الذين أيّد كثير منهم التمرد.

الوضع العسكري على جبهة حماه ـ حلب في يونيو 2019 (المصدر: معهد واشنطن)

​​ومن الصعب تحديد عدد النازحين المحتملين في المستقبل، لكن إذا ما نجح النظام في فرض إرادته، فقد تخسر إدلب ما بين ربع ونصف سكانها البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة. ومن المرجح أن يقنع هذا الاحتمال بعض المجتمعات المحلية بأن تقف إلى جانب النظام، لا سيّما مع تصاعد خطر العقاب الجماعي.

تجدر الإشارة إلى أن بعض المجتمعات تخشى انتصار النظام أكثر من غيرها. هذا ولا يمثّل خط الجبهة على طول الحدود بين حماة وإدلب موقعا للمواجهة المسلحة فحسب، بل انشقاقا أيضا بين المجتمعات الطائفية. فقد تعرضت المدن المسيحية في محردة والسقيلبية والمناطق العلوية في الشمال والغرب لضربات شديدة من نيران المتمردين السُّنة خلال السنوات القليلة الماضية. 

250,000 طفل هم خارج المدرسة لأن المرافق التعليمية الخاصة بهم إما مدمَّرة أو تستخدم كبيوت للمشردين داخليا

​​ومنذ 6 أيار/مايو قُتل حوالي عشرين مدنيا في محردة وحدها. لذلك، فإن معظم السكان الموالين لا يريدون الاحتكاك بمثل هؤلاء الأعداء بعد انتهاء الحرب. ومن وجهة نظرهم، فحتى المتمردين السابقين الذين تم نزع سلاحهم يشكلون تهديدا وجوديا، ويعزى ذلك إلى النمو السكاني القوي في صفوف العرب السُّنة.

على سبيل المثال، بين عامي 1970 و2004 ـ عندما جرى آخر إحصاء سكاني ـ انخفض عدد السكان المسيحيين في محردة من 50 في المئة إلى أقل من 20 في المئة، في حين نما عدد السكان السُّنة إلى ما يزيد عن 80 في المئة. ويظهر أيضا هذا الفارق الكبير بين العلويين والسُّنة. ففي الفترة بين عامي 1994 و2004، كان النمو السكاني في منطقة معرة النعمان السُّنية 4 في المئة سنويا، مقارنة مع 1.4 في المئة فقط في منطقة مصياف العلوية. لذلك يهدف النظام إلى تغيير التركيبة السكانية في المنطقة لتصب في صالح العلويين، وكذلك المسلمين الإسماعيليين والمسيحيين، الذين ظلوا موالين إلى حد كبير خلال الحرب.

الأشخاص النازحون هم قنبلة موقوتة

حتى الآن، حالت العديد من الضغوط دون إطلاق النظام وحلفائه عملية اجتياح بري واسع النطاق في إدلب، ومع ذلك، قد تكون استراتيجيتهم الحالية كافية لتدمير معقل المتمردين وتشريد سكانه إذا تُركوا بلا رادع. وفي ظل غياب مرافق إيواء إضافية، خيّم عدد كبير من الأشخاص النازحين داخليا في بساتين الزيتون المحلية، غير أنه من المرجح أن يصبح هذا الترتيب شاقا مع اقتراب فصل الشتاء ووصول المزيد من النازحين إلى الحدود. إنّ السابقة التي حدثت في شرق حلب لم تبشّر بالخير ـ فقد قصف الجيش السوري المنطقة لمدة ثلاث سنوات قبل اقتحامها، ممّا قلّص عدد المدنيين من 1.5 مليون نسمة إلى أقل من 100,000 شخص عشية الهجوم البري. ويبدو أنّ دمشق وموسكو عازمتين على تطبيق الاستراتيجية نفسها على إدلب، والقنبلة الإنسانية الموقوتة التي نزعت سوريا وروسيا فتيلها توشك على الانفجار.

فابريس بالونش، هو أستاذ مساعد ومدير الأبحاث في "جامعة ليون 2"، ومؤلف دراسة "معهد واشنطن" لعام 2018 بعنوان "الطائفية في الحرب الأهلية السورية: "دراسة جيوسياسية".

المصدر: منتدى فكرة

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.