ترامب مصافحا كيم عند المنطقة الحدودية
ترامب مصافحا كيم عند المنطقة الحدودية

جويس كرم/

مصافحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونع أون ودخوله إلى المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، ليكون أول رئيس أميركي يخطو هذه الخطوة، فيها رسائل للجوار الآسيوي، بقدر ما هي تحاكي إيران البعيدة ستة آلاف كيلومتر من بيونغ يانغ إنما القريبة منها ببرنامجها النووي وعسكرتها في الحكم.

قال ترامب من كوريا الشمالية لإيران إن العناق والمصافحة والدعوة إلى البيت الأبيض ممكنة، وبدل كيم والمنطقة الحدودية، يمكن أن يكون الرئيس الإيراني حسن روحاني وقد تجمع أي عاصمة أوروبية أو أروقة الأمم المتحدة الرجلين. فاليوم، ترامب أقرب بعقيدته الخارجية إلى الرئيس السابق ريتشارد نيكسون الذي التقى حافظ الأسد وماو زيدونغ قبل أن يتم عزله من السلطة على إثر فضيحة "ووترغيت".

ورغم رفضه للخيار العسكري ترامب متمسك بخط أحمر يمنع إيران من امتلاك السلاح النووي

​​الرئيس الأميركي رغم أنه محاط بصقور مثل جون بولتون ومايك بنس ومايك بومبيو، يأتي من خلفية الاقتصاد والأعمال وصنع الصفقات ويدرك أن قاعدته اليمينية الشعبوية تعارض التدخلات العسكرية وقد تهجره في عام انتخابي وتكلفه الولاية الثانية. لذلك، ومن دون أن يقدم كيم جونغ أون أي تنازل يذكر في الملف النووي، وافق ترامب على لقائه ليرسخ هذا النهج السياسي وليحصد بعض النجومية بالصورة والابتسامات والتي أعطت الشرعية لأكثر الأنظمة تسلطا ووحشية في الجوار الآسيوي.

ماذا تعني هذه المقاربة لإيران وهي على أبواب رفع تخصيب اليورانيوم إلى مستوى قد يصل إلى20في المئة؟

أولا، ترامب مستعد للذهاب بعيدا مع إيران في حال اختارت التفاوض شرط تغيير تصرفها الإقليمي. المعضلة مع كوريا الشمالية ليست حصرا ملفها النووي بل في تجاربها الصاروخية وأنشطتها الإقليمية، وتجميد إطلاق الصواريخ والحوار مع سيول دفع ترامب إلى المفاوضات وليس العكس. تصرفات إيران الإقليمية هي أكثر إشكالية وتعقيدا من نظام كيم جونغ أون ونظرا لتمدد الحرس الثوري ونفوذه من اليمن إلى لبنان، لذلك فإن البدء بمفاوضات إقليمية حول أمن الخليج أو الحرب في اليمن قد تكون مدخلا لمحادثات تشمل الأميركيين.

ثانيا، ترامب أقرب للنخبة العسكرية منه إلى جون بولتون. فالرئيس الأميركي حسم الموقف ضد ضربة عسكرية على إيران منذ أسبوعين رغم اعتراض بولتون وبومبيو، وتشجيع الجنرال جوزيف دانفورد. ومع كوريا الشمالية يطال البحث تجميد برنامجها النووي وليس تفكيكه، وهو ما نفاه بداية بولتون، وعاد وأكده مبعوثه ستيف بايغون. وبذلك يوظف ترامب التناقضات داخل فريقه ليوجه رسائل مختلفة لأطراف في الداخل والخارج.

ثالثا، ترامب لا يأتي من خلفية أيديولوجية بل يبحث عن صفقات تفيده انتخابيا واقتصاديا، من دون التنازل عن الضغوط الاقتصادية والتفوق الأمني والعسكري للولايات المتحدة. مع كوريا الشمالية، فإن هذا يعني إبقاء العقوبات حتى الساعة رغم العناق والصور الإعلامية، ومع إيران فالعقوبات تتزايد على وقع التصعيد في الخليج والمفتاح الوحيد لتخفيضها هو المفاوضات.

حتى الساعة، طهران وواشنطن تنفيان وجود قنوات تفاوضية واتصال بينهما لكن اللقاءات والخطاب الإعلامي يرجحان العكس. فالقنوات الخلفية من العراق إلى اليابان وسلطنة عمان وفرنسا وسويسرا كلها فاعلة اليوم لتخفيض التصعيد وتفادي خطوات إيرانية برفع التخصيب قد تكون كارثية على المنطقة.

ترامب مستعد للذهاب بعيدا مع إيران في حال اختارت التفاوض شرط تغيير تصرفها الإقليمي

​​ورغم رفضه للخيار العسكري، كما كل الرؤساء الأميركيين السابقين، ترامب متمسك بخط أحمر يمنع إيران من امتلاك السلاح النووي. وفي حال رفعت طهران منسوب التخصيب إلى 20 في المئة يوم الأحد، فهذا يضعها على بعد عام من تطوير سلاح نووي بحسب الخبراء. رفع التخصيب إلى هكذا مستوى سيحتم تصعيدا أميركيا وأوروبيا وحتى من روسيا والصين، لكن الأخطر من ذلك هو أنه سيفتح الباب أمام تحرك عسكري إسرائيلي لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي.

فأميركا التي تأخرت في مفاوضاتها مع كوريا الشمالية لا تريد تكرار الخطأ نفسه مع إيران والانتظار إلى حين الوصول إلى نقطة اللاعودة المتمثلة بتطوير السلاح النووي. هذا سيفتح سباق تسلح نووي كارثي في الشرق الأوسط وسيمنح اسرائيل إمكانية التحرك عسكريا قبل الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020. إيران لا يمكنها أن تكون بهذه السذاجة إلا في حال اختارت أيضا خط المواجهة ونقطة اللاعودة، وبذلك قد تهدر مكاسب الاتفاق النووي ونافذة المفاوضات مع واشنطن مع ترامب أو غيره.

اقرأ للكاتبة أيضا: ترامب وخامنئي: من يتراجع أولا؟

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.