أين النظام السوري من خطاب الكراهية الذي باشره حلفاؤه اللبنانيون حيال اللاجئين السوريين في لبنان؟ وما سر هذا الصمت حيال قضية من المفترض أنه معني بها أكثر من غيره؟ النظام الذي من المفترض أن العالم بدأ يعيد تأهيله لحكم سوريا، أو على الأقل النظام الذي يطمح إلى ذلك! فبالإضافة إلى حلفائه المنتشرين على مساحة الوجدان اللبناني، لهذا النظام حدود هائلة مع لبنان، وله أيضا سفارة، وسفير يشارك في كل الأنشطة السياسية والاجتماعية والعاطفية، وليس آخرها القبلات الحارة التي تبادلها هذا السفير مع كبير مؤسسي قصيدة النثر العربية أدونيس في الجامعة الأنطونية في بيروت. هذا السفير، وهذا الشاعر، يمارسان صمتا مذهلا حيال خطاب كراهية يتعرض له نحو مليون لاجئ من بلدهما.
وللمناسبة فإن غالبية ضحايا هذا الخطاب ليسوا خصوم النظام في سوريا، وإن كانوا ليسوا من مناصريه. هم أناس هربوا من الحرب، وخسروا منازلهم في أرياف دمشق وحمص ودير الزور. والأشد قسوة في هذه المعادلة هو أن عودتهم المستحيلة إلى بلادهم المدمرة يعوقها أيضا النظام نفسه الذي قالت صحيفة مقربة منه مؤخرا نقلا عنه، أن "لا عودة وشيكة للاجئين من لبنان".
السؤال لا يطمح إلى سجال النظام، ذاك أن سجال آلة قتل قد يستدرجها إلى مزيد من الاشتغال. السؤال قد يرسم تصورا لنوع العلاقة المتخيلة بين النظام العائد وبين رعاياه. النظام غير معني بأكثر من علاقة موت وقتل مع رعاياه. النظام لا يعتبر أن رعاياه، لا بل ضحاياه، هم جزء من كرامته. فالقاتل، حتى القاتل، لطالما راودته حمية ما حيال قتيله إذا ما تعرض الأخير لاستهداف من خارج وجدان القاتل. ذلك السؤال المذهل الذي افتتح فيه الشاعر اللبناني الراحل محمد العبدالله تراجيديا الحرب اللبنانية، حين اختار كل لبناني قتيلا له، وجاء من قتل "قتيل" الشاعر بينما كان الأخير يراقبه من النافذة، فصرخ العبدالله: "من قتل قتيلي"؟ ألا يشعر النظام أن ثمة من ينافسه على قتلاه؟
لنتخيل أن مليون لاجئ سوري عادوا إلى سوريا! فالسؤال هنا هو عن طبيعة علاقة هؤلاء العائدين مع النظام، وهذا يشمل احتمالات موتهم على يده، إلا أنه يشمل أيضا الطبيعة الإذلالية لهذا النظام ومن بين صورها صمته على خطاب الكراهية الذي مارسه حلفاؤه في لبنان حيال "مواطنيه" وقتلاه.
والنظام السوري بقبوله "إذلال" سوريين في لبنان يقبل أيضا بنصيب من هذا الإذلال، ذاك أن للعنصرية مضامين "بيولوجية وجينية" عبر عنها جبران باسيل حين قال إن رفض اللاجئين هو جزء من طبيعة اشتغال "الجينات اللبنانية"، وهذا الاشتغال لن يميز بين عدو وحليف، وحقل عمله الرئيسي في الزمن الباسيلي هو السوريون من دون هوياتهم السياسية.
يكشف هذا القبول بالإذلال قبولا بإذلال أكبر يمارس على النظام في سوريا، هو ذاك الذي تمارسه الدول الراعية لهذا النظام، مثل روسيا وإيران، وليس مشهد بشار الأسد ماشيا خلف فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم مظهره الوحيد، فهدايا موسكو لتل أبيب وكان آخرها رفاة جندي إسرائيلي تم نقله من دمشق إلى تل أبيب كانت امتدادا لمزاج الإذلال هذا.
ولكن أن يصل الأمر بهذا النظام إلى حد يقبل فيه أن ينظم جبران باسيل إلى جوقة المُذِلين، فهذا يطرح تساؤلا حول قدرة النظام على أن يحكم سوريا، حتى لو قتل أكثر من نصف أهلها. فهنا، نحن لا نتحدث عن خطاب كراهية عابر يمكن التغاضي عنه. هو حملة ممنهجة ومتصاعدة وضاغطة. آلاف اللافتات رُفِعت وحملت عبارات شديدة القبح والضيق وقلة الكرم، بما يشبه إعلانا عن زمن جديد تحل فيه الكراهية في موقع متقدم من سلم قيم الجماعة. ثم أن ما ترافق مع هذه الحملة من أخبارٍ عن تسليم الأمن اللبناني لمطلوبين للنظام، وإقدام الأخير على إعدامهم بحسب ما نُقل عن أهلهم، يجعل من تقدم الوظيفة الأمنية لدى النظام على ما لحقه من إذلال لتأمينها، محل تساؤل فعلا! فهل يكفي أن يبذل النظام ماء وجهه مع حلفاء صغار لقاء تسلمه خمسة فارين من الجندية؟
يعيدنا هذا إلى السؤال الأول، وهو أن حكم النظام السوريين بالحديد والنار، وعلى نحو أشد قسوة وفتكا مما كان يمارسه قبل انتفاضتهم عليه، لن يستقيم، وأن "حليفا" من حجم جبران باسيل يمكن أن يسرق منه "قتلاه" وأن يذل له كرامته.
اقرأ للكاتب أيضا: لبنان يبتز أوروبا: الفساد أو اللاجئين
ـــــــــــــــــــــ الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).