من السهل جدا على كل ناقد لولي العهد السعودي أن يصف أنصاره والمدافعون عن سياساته بأنهم إما مكرهون على الدفاع عنه أو خائفون من أن يلقوا مصير من انتقدوه أو رفضوا الانصياع للأوامر قتلا وسجنا وتعذيبا، أو طامعون في وظيفة أو منصب يقربهم منه زلفا ويملأ حساباتهم البنكية.
وبنفس القدر، من السهل أيضا على أنصار محمد بن سلمان اتهام كل النقاد والمعارضين بأنهم حاقدون وعملاء مأجورون من قبل الأعداء ويسعون لتأجيج نيران الفتن أو سطحيون يجهلون ما يحاك من مؤامرات ضد المملكة من أجل زعزعة الأمن والاستقرار فيها.
وفي أغلب الحالات ينحدر المستوى في المقابلات والمناقشات على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي إلى هذين المسارين سواء من أحد الطرفين أو كليهما ويضيع وقت المشاهدين والمتابعين والقراء بين الاتهامات والمزايدات والمهاترات.
وككاتب مهتم بالأوضاع السياسية والحقوقية في السعودية، تطالني اتهامات العمالة والتخوين من قبل أنصار بن سلمان والمدافعين عنه في اللقاءات التلفزيونية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أذكر منها ادعاء الكاتب سالم اليامي على شاشة قناة "الحرة" بأنني أتلقى أموالا من جهات لم يحددها لانتقاد السعودية. لكن اليامي لا يخفي معارضته لحق الشعب في تقرير مصيره واختيار ممثليه بطريقة ديمقراطية ويرى إمكانية الإصلاح بدون ديمقراطية كما كتب في مقال حمل عنوان "أحلام محمد بن سلمان" قال فيه: "إن الاصلاح في هذه البلاد والذي تراه وترعاه حكومة المملكة العربية السعودية ليس من المستحيل السعي لتحقيقه في غياب ما يسمى ديمقراطية على النموذج الغربي، لأن النية على الإصلاح تحتاج عملا وجدية ومتابعة ولعل في دروس التاريخ الاسلامي في هذا الميدان الكثير من التجارب المضيئة التي انتشر فيها العدل واستتب فيها الأمن وقويت فيها شوكة الدولة دون وجود كل المفاهيم التي يتحدثون عنها اليوم".
ولتفنيد هذا الرأي أقول أولا بأن حق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار ممثليها حق أصيل ليس لأحد الحق في مصادرته وسجن المطالبين بنظام سياسي معمول به عالميا وأثبت فعاليته ويوفر الحد الأدنى للحقوق والحريات والعدالة بذريعة استجرار تجارب من التاريخ الإسلامي ثبت فشلها وقصورها على مدى العصور ودون تقديم أي نموذج يمكن الاحتذاء به كبديل عن الديمقراطية التي يرفضها.
ثانيا، إن التجربة الديمقراطية تنمو وتزدهر في المجتمعات بمرور الوقت ووعي الناخبين يتطور بالتجربة والممارسة في اختيار الممثلين واختبار مصداقيتهم في تنفيذ وعودهم وبمحاسبتهم وليس بالتشكيك في قدراتهم والوصاية عليهم وقمع المطالبين بالتغيير.
ويبرر أنصار بن سلمان الحرب على اليمن بأنها ضرورية لاستعادة الشرعية هناك ومواجهة تمدد نفوذ إيران على حدودهم الجنوبية رغم الفشل الواضح والمستمر لعدة سنوات في تحقيق أي من الأهداف المعلنة. والحقيقة هي أن الحرب على اليمن حرب عبثية تزهق فيها أرواح الأبرياء وتثقل كاهل الخزانة السعودية وتعطي الجماعات الجهادية الفرصة لالتقاط أنفاسها والاستعداد لشن الهجمات الإرهابية فضلا عن كون الصراع في اليمن شأنا داخليا خاصا مستمر منذ أمد بعيد بين القوى المختلفة لن يزيده التدخل العسكري إلا تعقيدا.
أما الحصار المفروض على قطر الذي يراه أنصار بن سلمان ضروريا لوضع حد لسياسات قطر المعادية للمملكة والمؤيدة لأجندات تنظيم الإخوان المسلمين، فقد ثبت عدم جدواه في تحقيق الأهداف المرجوة منه بل إنه أضعف منظومة مجلس التعاون الخليجي وزرع الفرقة بين شعوب الخليج وساهم في كشف تجاوزات السلطات السعودية أمام العالم حيث ركزت قناة الجزيرة القطرية على كل ما من شأنه تشويه صورة المملكة بعد أن كانت تغض الطرف بناء على تفاهمات بين السلطات في البلدين وهذا إن دل فإنما يدل على قصر نظر بن سلمان وقلة خبرته في توقع تبعات قرارته.
ويدرك المتابعون للشأن السعودي مدى القمع الذي ينتهجه بن سلمان ضد كل الأصوات التي لا تتفق مع سياساته وما خلو الساحة الداخلية السعودية والصحف ووسائل الإعلام من أصوات النقاد إلا دليلا واضحا على خطورة حتى مجرد التفكير في تقييم سياسات بن سلمان بصورة موضوعية.
كما لا يخفى على متابعي الشأن السعودي في وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة "الذباب الإلكتروني" وهم مجموعة من آلاف الموظفين التابعيين للمؤسسات الأمنية في السعودية الذين أوكل إليهم مهمة شن الحملات الإلكترونية المغرضة ونشر الشائعات وتهم العمالة والخيانة ضد النشطاء والحقوقيين والكتاب والصحفيين وكل من ينتقدون سياسات محمد بن سلمان ويطالبون بالإصلاح في السعودية.
وسواء كان المدافعون عن بن سلمان مكرهين أو خائفين أو طامعين فإن عليهم تقديم الحجج والبراهين لإثبات صحة ما يزعمون من دهاء وحنكة ونظرة ثاقبة للأمير الشاب والرد على الحقائق التي تثبت عكس مزاعمهم بلا مزايدات وبعيدا عن تهم العمالة والخيانة.
اقرأ للكاتب أيضا: مؤامرة الجماعات الجهادية ضد الثورة السودانية
ـــــــــــــــــــــ الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).