لماذا تكتب(ين) عن الحريات الفردية بينما معتقلو الرأي في السجون؟
لماذا تكتب(ين) عن الحق في عدم صيام رمضان وبلدنا يعاني من مشاكل الفقر والبطالة؟
لماذا تكتب(ين) عن التحرش الجنسي بينما النساء الفقيرات تعانين من التهميش والفقر وهضم الحقوق؟
لماذا تكتب(ين) عن المساواة في الإرث ونحن نعيش في ديكتاتورية؟
لماذا تكتب(ين) عن المثلية الجنسية وهناك مشاكل حقيقية في التعليم والصحة والعدالة والبنيات التحتية؟
لماذا تكتب(ين) عن اختيار الزواج أو عدمه، الإنجاب أو عدمه، بينما المناطق الفقيرة لم يصلها الماء الصالح للشرب؟
لماذا تكتب(ين) عن حرية المعتقد بينما دودة القز تعاني من ارتفاع درجات الحرارة وبينما شرشبيل ما زال يبحث عن السنافر؟
♦♦♦
مُصادرو الحق في التعبير كثيرون. كثيرون جدا! كلما كتبت عن موضوع لم يعجبهم أو بدا لهم ثانويا، سيمطرونك بوابل من الانتقادات، ليس للموضوع نفسه أو لطرحك... بل لمشروعية طرحه أساسا.
هذا الأمر يحدث مع الصحافيين والكتاب، لكن أيضا مع الفاعلين في المجتمع المدني والباحثين: حين يقرر شخص ما الاشتغال في ميدان معين، سيجد دائما من يعتبر أن مجال اشتغاله أقل أهمية من مواضيع أخرى كثيرة؛ علما أن المجال مفتوح للجميع.
البعض يشتغل على الحريات العامة وعلى الدفاع عن معتقلي الرأي، والبعض الآخر يهتم بموضوع الأمهات العازبات. البعض يشتغل على موضوع تعليم الفتاة القروية والبعض الآخر يناضل من أجل الحق في الإجهاض. البعض يناضل من أجل تعليم عمومي بجودة عالية والبعض الآخر يدافع عن إلغاء عقوبة الإعدام. البعض يشتغل في ميدان حماية أطفال الشوارع والبعض الآخر يناضل من أجل تغيير القانون الجنائي...
المجال مفتوح للجميع. وبدل أن تصادر حق الآخر في الكتابة عن موضوع معين، أو في الاشتغال ميدانيا على ملف ما، يمكنك أن تكتب أنت أو أن تشتغل أنت في ذاك الميدان. أو، على الأقل، أن تتابع وتشجع من يشتغلون به، بدل محاصرة غيره ممن يشتغلون في ميدان آخر.
لماذا عليك أن تبخس مجهودات شخص اختار الاشتغال أكاديميا أو ميدانيا أو إعلاميا على موضوع معين، لتختار له أنت المواضيع التي تبدو لك أكثر مشروعية؟ أي مشروعية لك أنت في تحديد ما يجب أن يشتغل عليه الصحافيون وفاعلو المجتمع المدني والباحثون؟
من الطبيعي أن ننتقد أي عمل يقوم به الآخر، فلا شيء ولا أحد فوق النقد. لكن من غير المقبول أن نعطي لأنفسنا حق تقرير أي المواضيع تستحق الطرح وأيها لا. إن كانت بعض المواضيع لا تهمك، فأنت لست مجبرا على متابعة أنشطة الجمعيات التي تشتغل عليها ولا قراءة المقالات التي تكتب عنها أو البحوث التي تنجز بخصوصها.
إن كان هناك صحافي لا تعجبك مقالاته، أو جريدة لا تستسيغ خطها التحرير، أو كاتب لا تستلطف أبحاثه، أو جمعية تشتغل في ميدان لا تتفق معه، فمن حقك الكامل أن لا تتابع كل هؤلاء، بل وأن تنتقد إنجازاتهم (بعد الاطلاع عليها طبعا، لأننا ابتلينا بقوم يقذفون الطوب على مقالات لم يقرؤوها)... لكن، أن تحاصر كل هؤلاء بانتقاداتك، ليس لأعمالهم (فهذا مشروع)، بل لاختياراتهم الإعلامية أو الأكاديمية أو الجمعوية، فهذا منتهى العبث.
في الحقيقة، ليسوا هم من يفتقدون المشروعية لمناقشة موضوع معين، بل أنت من تفتقد المشروعية لإعطائهم الدروس في المواضيع التي تبدو لك أولوية أكثر مما يتطرقون له!
اقرأ للكاتبة أيضا: مجتمع فاسد بطبعه!
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).