47 بالمئة من الأردنيين يعتقدون أن الرئيس الرزاز كان قادرا على تحمل مسؤوليات المرحلة
47 بالمئة من الأردنيين يعتقدون أن الرئيس الرزاز كان قادرا على تحمل مسؤوليات المرحلة

نضال منصور/

في الأردن لا تحفظ الذاكرة الشعبية صورة بهية لرؤساء وزراء عبر العقود الماضية، وربما من يفهم تركيبة الحكم في البلاد يفهم سر ذلك؛ فرؤساء الحكومات الذين تعاقبوا جلهم كان لهم "دور وظيفي" يتلخص بحماية العرش عبر تحمل وزر الإخفاقات، أما قصص النجاح فإن رصيدها وأثرها يذهب إلى القصر.

رغم ذلك فإن بعض رؤساء الحكومات السابقين كانوا استثناء فيذكرهم الناس بالخير، وبعضهم ما زال قصيدة حب على لسانهم، يستذكرونه كلما تعمقت الأزمات وساءت الأوضاع. وأول الحاضرين في الاستذكار الوطني الرئيس الراحل وصفي التل الذي يحظى بتمجيد لا يضاهيه أحد، وقد تكون شخصيته، والزمان الذي كان فيه، واغتياله عوامل ساهمت في بناء صورة قائد يستلهمون سيرته دوما.

قبل وصفي التل كانت صورة هزاع المجالي الرئيس حاضرة بقوة، فقد ذهب ضحية لتفجير دموي، رحل وظل عالقا في ذاكرة الناس. الشهداء عموما لا يرحلون، تحفظهم العقول والقلوب، ورمزيتهم تبقى بالوجدان.

لا يغيب عن المشهد سليمان النابلسي رئيس أول حكومة حزبية بتاريخ الأردن

​​لا يغيب عن المشهد والذكر رئيس أول حكومة حزبية بتاريخ الأردن سليمان النابلسي (1956ـ 1957) الذي حاول أن يغير قواعد اللعبة السياسية فلم يمهلوه، ولم تأخذ التجربة فرصة أو عمرا، لكنها كانت محطة فارقة لا يمكن نسيانها أو تجاهلها.

رحلة الاستذكار تتوقف عند رئيس الحكومة الأسبق عبد الحميد شرف أبرز زعماء الإصلاح، وتمضي إلى أسماء لم تتلوث وحافظت على النقاء والتوازن والحكمة مثل الرئيس أحمد اللوزي، والرئيس أحمد عبيدات الذي خاض معركة ضد الفساد، وتستمر إلى تجربة "النقيضين" في الحكم المدرسة "الزيدية" نسبة إلى زيد الرفاعي، والمدرسة "المضرية" نسبة إلى مضر بدران اللذين تعاقبا على رئاسة الحكومة لمرات عديدة في زمن الراحل الملك الحسين.

سجل رؤساء الحكومات في الأردن يحتاج إلى تدقيق ودراسة تتعدى الانطباعات والصورة المألوفة، والمؤكد أن هناك رؤساء حكومات تركوا بصمة، أو سجلوا موقفا لن ينساه الناس لهم؛ فالرئيس طاهر المصري لا يزال يعتبر ويوصف بأنه أكثر الرؤساء ديمقراطية، إذ فضل أن يستقيل على أن يُحل البرلمان. وعبد الكريم الكباريتي الرئيس القوي صاحب "كاريزما" لا تتكرر، سجل سابقة باستقالة غير مألوفة للملك الحسين، وتلقى رسالة جوابية شديدة اللهجة، ومع ذلك بقي الحسين يحبه، وأوصى الملك عبد الله باختياره رئيسا للديوان الملكي في أول عهده.

بالتأكيد هناك أسماء كثيرة أخرى لرؤساء حكومات مروا بتاريخ الأردن لم يُنصفوا ولا نتذكرهم، وبالعموم فإن الأردن ربما يكون أكثر البلدان إنتاجا "للرؤساء" والأكثر انتقادا وتجاهلا ونسيانا لهم.

♦♦♦

تدفقت هذه الصور الى ذاكرتي وأنا أطالع استطلاع الرأي الذي أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية بمناسبة مرور عام على حكومة الدكتور عمر الرزاز، يتحدث عن شعبية الرزاز تراجعت بشكل كبير، وأن حكومته حصلت على أدنى تقييم بين الحكومات المتعاقبة منذ عام 2001.

عدت إلى لوراء، ولكن ليس كثيرا، عدت فقط 12شهرا حين كلف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عمر الرزاز برئاسة الحكومة بعد إطاحة الشارع بحكومة الرئيس هاني الملقي، ومن وثق تلك اللحظة كان يرى رهانات الناس على رئيس قادم من خارج "نادي الرؤساء" يأملون منه أن يحقق أحلامهم، وينتشل بلادهم من الأزمات، ويعيد لهم الأمل بأن الأردن قادر على النهوض، بعد أن أصبحت حتى "لقمة الخبز" صعبة المنال.

هل يعقل أن يصبح الرجل الذي كان منهم بعد عام فقط محط انتقاد وتندر، وتتحول حكومته لخيبة جديدة؟

قراءة أرقام الاستطلاع الذي يقوم به مركز الدراسات الاستراتيجية في الأردن منذ ما يزيد عن 20 عاما لا تدعو للراحة بل إلى القلق، فـ 58 بالمئة من العينة الوطنية تعتقد أن الأمور تسير بالاتجاه الخاطئ، ويرون أن أهم مشكلتين هما الفقر والبطالة. و41 بالمئة يرون أن الحكومة كانت قادرة على تحمل مسؤوليات المرحلة السابقة، و47 بالمئة يعتقدون أن الرئيس الرزاز كان قادرا على تحمل مسؤوليات المرحلة، ولكن الأكثر دلالة أن 77 بالمئة يرون أن الاقتصاد الوطني يسير في الاتجاه الخاطئ.

"حريق متعمد" التهم صورة الرئيس الرزاز وأودى بشعبية الحكومة إلى غير رجعة

​​بعد أيام قليلة من نتائج هذا الاستطلاع أصدر مركز الحياة / راصد ـ مؤسسة مجتمع مدني أردنية ـ تقريرا لمراقبة أداء حكومة الرزاز بعد عام على تأليفها، أُطلق عليه اسم "رزاز ميتر"، أعاد التأكيد على فشل الأداء الحكومي، مشيرا إلى أن الحكومة أكملت فقط 15.7 بالمئة من 114 التزاما قدمتها خلال نصف عام.

وأشار تقرير "راصد" إلى أن 58 بالمئة من الوزراء بالتشكيلة الأولى للحكومة لم يكملوا العام الأول، وأن 11 وزارة تم تغيير وزرائها مرة واحدة خلال عام، ولا وجود لأسس أو معايير في تصريحات الحكومة حول العمل والتشغيل.

خرج رئيس الحكومة الرزاز في برنامج "60 دقيقة" الذي يُبث على شاشة التلفزيون الأردني ليرد ويوضح ويجيب على حملة الانتقادات، وأصدرت الحكومة تقريرا مفصلا عن إنجازاتها ولكن دون جدوى، والحقيقة أن "حريقا متعمدا" التهم صورة الرئيس الرزاز وأودى بشعبية الحكومة إلى غير رجعة، وبصراحة لم أفهم لمصلحة من، ومن المستفيد من ذلك؟

لا أفهم كيف يصنع الشارع في الأردن أبطاله، وكيف يلقي بهم في "المحرقة" ويكيل لهم الاتهامات؟ ولا أعرف أيضا كيف يختزل الناس الأزمة بالرئيس وفريقه الوزاري، وهم يعرفون أن الحكومات هي الواجهة لـ "حكومات ظل" أخرى تدير المشهد معها وتشاركها الحكم؟

تذكرت رئيس وزراء أسبق في عهد الراحل الحسين كان صريحا حين قال للملك "سيدي نحن منديل يزين جاكيت بدلتك وحين لا تحتاجه تخلص منه فورا".

جاء الرزاز قبل عام والأزمة الاقتصادية مستفحلة، والمديونية عالية، ومؤشرات أرقام الفقر والبطالة تتصاعد، والحصار السياسي والاقتصادي مستمر، ومن كان يتوهم أن الرزاز أو غيره سينجح بعد عام على تحقيق "معجزة" في النجاة بنا من هذه الدوامة والإعصار فهو ساذج حتى لا نصفه بأكثر من ذلك؟

الاستطلاع يكشف عن زاوية أخرى لم تحظ بالاهتمام وسط الاحتفاء بانتهاء شعبية حكومة الرزاز، التدقيق في موقف الشارع وثقته بأداء مجلس النواب والأحزاب السياسية ربما يدفع الحكومة للتباهي والإحساس بنشوة النصر.

الحكومة هي "الشماعة" التي يعلق الأردنيون عليها مآسيهم وإخفاقاتهم

​​إذا كانت الحكومة قد حظيت بنسبة ثقة بلغت 44 بالمئة فإن الثقة بالأحزاب لم تتجاوز 17 بالمئة، ومجلس النواب 14 بالمئة، وبقيت أجهزة الأمن والجيش تحتفظ بثقة عالية بأدائها عند الناس، فالدفاع المدني حاز على 94 بالمئة، والجيش 93 بالمئة، والمخابرات العامة 91 بالمئة، والأمن العام 91 بالمئة، والدرك 92 بالمئة، والنظام القضائي بلغ 56 بالمئة.

الحكومة "الشماعة" التي يعلق عليها الأردنيون مآسيهم واخفاقاتهم، وأسهل ما يمكن أن تفعله في الأردن أن تشتم الحكومة ووزرائها، و"السوشيل ميديا" اليوم مثقلة بكل أنواع "الردح" والسخرية.

لا نعفي الرزاز وحكومته من المسؤولية وواجبهم أن يقدموا حلولا تدفعنا خطوات للأمام أو يستقيلوا ويغادروا، غير أن سيرة الماضي للرؤساء التاريخيين دفعتني لأسأل... لو جاء وصفي التل للحكم الآن، هذا الرئيس الذي يحبه الناس، وترك بصمة حاضرة، ويعتبرونه رمزا للولاية العامة، وصاحب رؤية في الإدارة، وله فهم خاص للهوية الأردنية، ماذا كان سيفعل؟ هل سينقذ البلاد والعباد؟ أم ستغرقه الأزمات ويصبح عرضة مثل غيره للاتهامات ومحاسبة أبطال ونجوم "السوشيل ميديا"؟!

اقرأ للكاتب أيضا: العالم العربي... انزلاق نحو الديكتاتورية وتابوهات محرمة

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.