يبدو الوضع بعد حادثة الجبل وكأنه عاد إلى ما قبل التسوية التاريخية بين البطريرك مار نصرالله صفير والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.. حتى أن امتدادات الشرخ الذي برز تمتد إلى أسس لبنان الكبير،وإلى الوجود الدرزي المؤسس نفسه.
ويبدو أن الجمهورية ستعيش من الآن وصاعدا، وأكثر من قبل، على وقع تحركات وزير خارجيتنا وتصريحاته!
هذه عينة من عناوين الصحف:
زيارة باسيل فجرت توترا في مصالحة الجبل
انفجار التأزم السياسي في الجبل لمناسبة زيارة الوزير باسيل: توتر وقطع طرق وقتيلين..
أخطر اهتزاز للسلم الأهلي خلال زيارة باسيل للجبل
زيارة باسيل تشعل الجبل
باسيل تلقى إشارات سلبية لماذا لم يلغها؟
زيارة باسيل والتصدي لها ينكآن الجراح... ويوتران الجبل
أما العناوين بعد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، وبعد الجدل الذي شغل الأوساط السياسية والشعبية حول تهديده للوزيرة الحسن"
هل هدّد باسيل وزيرة الداخلية فعلا؟
باسيل لم يُهدّد الحسن... وهذه وقائع "الحوار"
ريفي: التحية والتضامن مع ريا الحسن
وبالرغم من أن الوزير يظن أن خطابه خطاب محبة وتعايش وقبول للآخر وتطبيق للقوانين ونبذ للعصبيات والطائفية... إلا أن معظم المرجعيات السياسية والشعبية تجمع على وصفه "بالفتنة المتنقلة". فلقد أثار الاستياء في زيارته إلى كل من البقاع وبشري وزغرتا؛ وكان قد نكأ الجراح سابقا في قداس التوبة والغفران في دير القمر بما أثار انزعاج الحضور الدرزي. وذكّر في جولته بمعارك سوق الغرب و"دحرجة الرؤوس فيها" والشحار وضهر الوحش وبحادثة الكحالة؛ الأمر الذي استفز أهالي المنطقة ما جعلهم يصرحون: "لو جاء جبران باسيل مع وليد جنبلاط إلى كفرمتى والشحار لن نسمح لهما بالدخول". ودفعهم إلى قطع الطرقات رفضا للزيارة.
والغريب أن هذه الجولات الانتخابية العجراء (الفجة وقبل أوانها) في سباقه للهيمنة بهدف الوصول إلى رئاسة الجمهورية، تسابق الغرق إذا ما استعدنا تصريح رئيس الجمهورية عن أن وضعنا شبيه بوضع سفينة تايتانيك التي غرقت في المحيط الأطلسي فيما ركابها يتراقصون.
وما دام الأمر كذلك، أليس من الأجدى العمل على إنقاذ السفينة بدل التعجيل بإغراقها؟
لكن الوزير النشط يبدو من أتباع قول الإمام علي: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل للآخرة كأنك تموت غدا". أو أنه يراهن بنجاته كونه في الطابق العلوي!
لذا يتفقد: "التيار الموجود في كل المناطق وفي كل الطوائف. وهذا من جملة التنوع الذي نعيشه في تيارنا. ونحن سعداء بالقدرة على توسعنا بالقرى والطوائف"، ويشدد على أن "السؤال الأساسي هو لماذا تزعج جولات التيار الوطني الحر البعض؟ وبالنسبة لنا المناطق اللبنانية هي لنا جميعا... ألا يحق لنا زيارة مراكزنا المنتشرة في جميع أنحاء الجمهورية؟ هل يمنع علينا أن نعمل لإقامة الدولة المدنية؟ هل منعنا أحد من التجول في مناطقنا؟".
متجاهلا فضيحة لم يمر عليها الزمن، عندما منع رئيس بلدية الحدث، جوزف عون المنتمي إلى التيار الوطني الحر، بموجب قانونه الخاص بيع واستئجار مسلمين في منطقته!
إضافة إلى سؤال أي دركي، هل يمكنه أن يدخل الضاحية دون إذن الحزب؟ وهل يمكن مثلا لجعجع أن يزورها لملاقاة مؤيدين له، هل يتجرأ هؤلاء على كشف أنفسهم؟
هذا مع العلم، وبحسب تصريح الوزير نفسه: "بدأت تردنا معلومات قبل يومين من زيارتنا إلى عاليه حول قنابل مع كلام سياسي عالي النبرة، ما دفع بالجيش والقوى الأمنية لاتخاذ تدابير".
فما هو هذا الهاجس القهري الذي يدفع بالوزير إلى الإصرار على جولته بالرغم من التحذيرات؟ ما الذي يدعوه كمسؤول إلى المغامرة بالسلم الأهلي من أجل الترويج لحزبه؟ أليس وزيرا ونائبا عن جميع اللبنانيين؟ أم أنه يمثل فئة أو حزبا حصرا؟
ألم يعلن لنا: "أنا مش مهم، أنا ثانوي لكن كان هاممني (يهمني) سلامة الناس اللي كانوا معي في الجبل!". وأنه باستلامه مهامه استعد لأن يضحي بنفسه! ما الداعي إذن لموكب يقال إنه مكون من عشرات السيارات المصفحة وتجندت من أجله 6 سرايا من الجيش (600 عسكري) لحمايته؟! أليس من الأجدى أن يوفر على الدولة المفلسة ويحد من نفقاته وتنقلاته؟
لكن يبدو وكما صرح أن ما يريده "مصالحة عميقة، مش فايشة"! المصالحة الموجودة إذن فايشة، سيفصّل لنا مصالحة "عميقة" على مقاسه.
يبدو أن دولة القانون التي نعيش فيها صارت دويلة الازدواجية بامتياز: فتطبيق القوانين استنسابي؛ وفيما يُستنكر قطع طريق على فئة، يسمح لأخرى أن تشعل الدواليب وتقطع الطرقات في خلدة وفي ضهر البيدر كردة فعل دون تعليق! وفي دولة القانون أيضا يتكفل وزير في موكب مسلح بإطلاق النار على مواطنين يعترضون على زيارة مسؤول، على ما رود في فيديو انتشر!
أما أكثر من يحرص على القانون فهو وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي، المنتمي إلى حزب الله الذي يضرب بالدولة اللبنانية بأمها وأبيها عرض الحائط، وبعد أن أقرّ زميله النائب الموسوي بأنه تم انتخاب الرئيس عون بسلاح المقاومة، فيقول لنا: "ما حصل كبير جدا وخطير جدا وما يهمنا هو الاستقرار، والعودة عن الأعمال الميليشياوية التي تشكل خرقا للتوافق اللبناني بحيث كدنا نفقد وزيرا من وزرائنا وندعو لتوقيف الجناة فورا، ولا يجوز العودة إلى خرق الأمن". ولفت إلى "أن ما حصل غير مقبول ومدان بشكل كامل ونحن نقول إنه لا يجوز ولا نقبل أن تكون هناك منطقة مغلقة على أي مواطن وحرية التعبير مصانة بالدستور". وأضاف أن عصر الميليشيات قد ولى! أجل فهو ينتمي إلى جمعية خيرية عابرة للحدود.
قيل لنا إن التسوية هي المنقذ وإنها ستجلب الاستقرار الأمني والسياسي والرفاه الاقتصادي. كل الدلائل تشير إلى أننا في عز انهيار وتفكك الدولة. إن ما يتحكم بالسياسات اللبنانية منطق العصبيات التي استعادت زخمها في سيرورة تبدو لا عودة عنها إذا ظلت الممارسات من قبل بعض أركان السلطة على ما هي عليه.
المطلوب القضاء على كل من يهدد مستقبل الصهر الرئاسي. فالجميع يعلم أن المقصود تحجيم النفوذ الجنبلاطي و"كسر بيضة القبان" التي لعبها الأخير منذ انفصاله الموصوف عن قوى "14 آذار" في العام 2011. لذا تتدرج محاولات إضعافه في بيئته وتشجيع الزعامات الفرعية من أجل تقسيم الدروز تمهيدا لإلغاء وجوده. فيضعف الجميع وتسلم الثنائية الشيعية بفضل اللاصق الإيراني.
ويبدو أن هذا يشكل نقطة التقاء المصالح بين النظام السوري و"حزب الله" و"التيار". وتستخدم لذلك جميع الأسلحة، بما فيها استخدام الثلث المعطل الذي أصر العهد على امتلاكه، بما يهدد التسوية أو يؤدي إلى المزيد من الخنوع.
أختم بتعليق الصديق "الفيسبوكي" غازي بنجك: "زعماء وقادة على 1073 مكب زبالة ومجرور أوساخ، وبلد عايش بالعتمة والعجقة والقواص ودين 100 مليار وقطعان من 4 مليون".
اقرأ للكاتبة أيضا: هل يمكن إنقاذ لبنان؟
ـــــــــــــــــــــ الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).