صورة مركبة لشري وصفا ورعد
صورة مركبة لشري وصفا ورعد

جويس كرم/

إدراج واشنطن لنائبين من حزب الله ورئيس ذراع الحزب الأمني على اللائحة 13224لتمويل الإرهاب ليس بالمفاجئ ولو أنه قنبلة سياسية من العيار الثقيل رمتها الولايات المتحدة باتجاه لبنان وتحمل تداعيات ورسائل للداخل والخارج.

الخطوة نوعية كونها هي المرة الأولى التي تدرج فيها واشنطن نوابا للحزب في البرلمان اللبناني أي محمد رعد (رئيس كتلة حزب الله) وأمين شري كما تستهدف الدينامو الأمني للحزب، أي رئيس لجنة التنسيق والارتباط وفيق صفا أو كما يحلو له مناداته "الحاج وفيق".

علق أحد المراقبين الغربيين للشأن اللبناني على القرار وسأل "لماذا استغرق أميركا كل هذا الوقت لإدراج صفا؟"، وهو الشخصية التي راقبتها واشنطن منذ بداية الثمانينيات في العمل خلف الكواليس مع حزب الله وخروجه إلى العلن في 1987.

لا استثناء ولا حصانة في مناقشات واشنطن لعقوبات محتملة على حلفاء حزب الله

​​صفا، الذي يكبر زعيم حزب الله حسن نصرالله بيوم واحد والمفاوض الحذق في ملفات الأسرى وفي هندسة عدة عمليات أمنية، هو أهم من طالته العقوبات الجديدة. إنما الرسائل الأبعد من إدراج رعد وشري وصفا تطال لبنان، والأوروبيين ومعهم حلفاء حزب الله وجسورهم التجارية والأمنية مع الحزب.

الرسالة الأولى التي أرادت واشنطن توجيهها هي للبنان ولحلفاء حزب الله قبل الحزب نفسه، بإنذارهم بأن الغطاء السياسي فقد صلاحيته وأن المنطقة الرمادية التي تحيط علاقة حزب الله بالدولة والأجهزة الأمنية اللبنانية مرفوضة من إدارة دونالد ترامب. بيان الخزانة الأميركية أسهب وتحدث بالصور والتواريخ عن ماضي وحاضر عناصر حزب الله الثلاثة، لتأكيد ما تعرفه السلطات اللبنانية بأن واشنطن لديها المعلومات وتراقب "الشاردة والواردة" فيه.

فتهديد شري للمصارف اللبنانية وصل الأميركيين، ونفوذ صفا من مطار رفيق الحريري في بيروت إلى الحدود البرية معروف في الدوائر الأميركية. أما الرسالة للبنان فهي بالارتباطات التي يحظى بها هؤلاء الأشخاص وأن أي تعاملات معهم ستكون تحت المجهر.

لبنان، رغم تحييده أمنيا عن دائرة الصراع بين واشنطن وطهران، حاضر بقوة عبر نفوذ حزب الله وفي محيط التصعيد. ورغم أن واشنطن لا تريد زعزعة الاستقرار في لبنان، فإن لديها النية والإرادة لحشر حزب الله بشكل لم يكن موجودا على الطاولة خلال السنوات الثمانية الأخيرة، خصوصا منذ بدء المفاوضات السرية مع إيران في 2011.

أسئلة كثيرة يطرحها المسؤولون الأميركيون المعنيون بالملف اللبناني اليوم. بعضها يطال حلفاء حزب الله بغض النظر عن انتمائهم المذهبي وما قد يحصل في حال إدراج وزراء نافذين أو رجال أعمال يسهلون تحركات الحزب على لائحة الإرهاب؟ لا استثناء ولا حصانة في مناقشات واشنطن لعقوبات محتملة على حلفاء حزب الله، والحسابات معظمها ترتبط بالاستقرار في لبنان وليس بشأن هؤلاء أو ثرواتهم المالية، وسط حديث عن زيارة قريبة لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل إلى واشنطن، لبحث العقوبات وتداعيات التأزم الحالي. 

الرسالة الثانية هي للأوروبيين، لجهة أن لا تمايز في قراءة واشنطن بين الجناحين العسكري والسياسي لحزب الله وأن رعد وشري يوازيان بدورهما صفا وأدهم طباجة بنظر الإدارة الأميركية. فبعد قرار بريطانيا بإلغاء هذا التمايز، تأمل واشنطن من دول الاتحاد الأوروبي ركوب هذا القطار وإدراج حزب الله بأكمله كمنظمة إرهابية.

المنطقة الرمادية التي تحيط علاقة حزب الله بالدولة والأجهزة الأمنية اللبنانية مرفوضة

​​أما الرسالة الثالثة فهي لإيران، بأن رفع التخصيب وتحريك أذرع الحرس الثوري الإيراني لن يوقف العقوبات بل سيضاعفها. عقوبات ترامب ضد حزب الله تبني على قلق الأوروبيين من إيران وعلى مؤشرات روسية للتعاون تحت الطاولة في سوريا بهدف كبح طهران.

طبعا، فعالية سلاح العقوبات محدودة عندما يكون الحديث عن عملاق عسكري ميليشياوي مثل حزب الله. فلا حسابات محمد رعد المصرفية في كاليفورنيا، ولا سيارات صفا من ميشيغن.

مع ذلك، فإن استهداف نائبين لحزب الله و"وزير داخليته" يرسم منعطفا لأميركا وطريقة تعاملها مع الحزب وداعميه وفيه تحذير للمحيط اللبناني بأن لا خطوط حمراء ولا محسوبيات في تطبيق العقوبات.

اقرأ للكاتبة أيضا: إيران: سباق المفاوضات والضربة الإسرائيلية

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.