تظاهرة لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن

نضال منصور/

قدمت جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن أوراق اعتمادها من جديد للحكم بعد سنوات من الجفاء، تعرض خلالها "الإخوان" للتهميش، والاستبعاد، وتهديدات وصلت حد الإلغاء.

أوراق الاعتماد ـ إن صحت التسمية ـ جاءت بإشهار "الإخوان المسلمين" أو ما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم "الحركة الإسلامية" الوثيقة السياسية والتي أبرزت فيها نبذ الأفكار المتشددة وممارسات العنف، والالتزام بنهج الوسطية والاعتدال ومواجهة التطرف.

وتحدثت الوثيقة السياسية "للإخوان" عن تبني نهج المشاركة الفاعلة والانفتاح على مؤسسات الدولة العامة، واحترام التنوع والتعددية، ونوهت بمعارضتها الإيجابية البناءة، والابتعاد عن المعارضة العدمية.

"الوثيقة السياسية" محاولة من "الإخوان المسلمين" لطي صفحة السنوات العجاف مع نظام الحكم في الأردن ومد يد المصالحة بعد أن أظهرت السلطة إيجابية في التعاطي معهم، وأغلقت الباب على محاولات تصنيفهم كحركة إرهابية.

هل الحملة التي أطلقها العرموطي ضد "اتفاقية الغاز" تجد قبولا عند الحكومة؟

​​ما إن استُقبلت هذه الوثيقة السياسية بالترحيب حتى كان النائب صالح العرموطي المنتمي لـ "كتلة الإصلاح" التابعة لـحزب "جبهة العمل الإسلامي" يفتح معركة شرسة مع الحكومة عنوانها "اتفاقية الغاز مع إسرائيل" ويعلن في مؤتمر صحفي عن حصوله على الاتفاقية التي ظلت سرا، ويفند المخالفات الدستورية والقانونية التي ارتكبتها حكومة الدكتور هاني الملقي التي وقعتها، ويطالب بإلغائها وحجب الثقة عن الحكومة الحالية إن لم تقم بذلك.

لا جديد في مطالبات النائب العرموطي بإلغاء الاتفاقية وإسقاطها، فمنذ توقيعها والإعلان عنها منذ سنوات والشارع يرفع شعار "غاز العدو احتلال"، لكن المفارقة في التوقيت ودلالاته في وقت تشتد معركة "عض الأصابع" بين الأردن وإسرائيل، وتستمر الضغوط على عمان للموافقة على تمرير ما بات يعرف بـ"صفقة القرن".

السؤال بعد رسالة التقارب بين الحكم في الأردن و"الإخوان المسلمين": هل هذه الحملة التي أطلقها العرموطي وإلى جانبه "الإخوان المسلمين" تجد قبولا عند الحكومة الأردنية وتغض النظر عنها، وتسعفها لتعضيد موقفها وتقويته في مواجهة الضغوط، أم إنها "عزف منفرد"، وسعي لاستقطاب الشعبية بما يتواءم مع اتجاهات الشارع لا أكثر منذ ذلك؟

لم تكذّب حكومة الدكتور عمر الرزاز الاتهامات التي وجهها لها العرموطي، وفضلت التزام الصمت رسميا، وإن تسربت معلومات نُسبت لمصادر حكومية أن لا جديد فيما قاله، وأن حديثه لا يتسم بالدقة.

النقطة الرئيسية التي أثارها العرموطي في حديثه للإعلام أن اتفاقية الغاز مخالفة للدستور لأنها لم تعرض على البرلمان لإقرارها لأنها ترتب التزامات مالية على الدولة، مبينا أن من حق الحكومة أن تلغي الاتفاقية إذا لم تتمكن من استكمال خط الغاز دون الالتزام بالشرط الجزائي والبالغ مليار ونصف المليار دولار.

كلام العرموطي يتقاطع مع دعوات شعبية لرفض الموافقة على استملاكات حكومية لأراضي مواطنين لغايات مد خط الغاز، وتوكلت نقابة المحامين تطوعا بإقامة دعاوى قضائية ضد الحكومة لمحاولتها إجبار الناس على قبول "الاستملاك لمنفعة عامة"، وهم يرون أن رفض الاستملاكات يعيق ويُفشل المشروع.

المثير والخارج عن التوقعات ليس ما قاله العرموطي في مؤتمره الصحفي، بل دعوة النائب طارق خوري إلى "توقيع ميثاق شرف لتفجير خط الغاز داخل الأراضي الأردنية داعيا جميع الأحرار إلى أن يكونوا مشروع شهداء".

كلام خوري أحدث صدمة، وانتشر كالنار في الهشيم على "السوشيل ميديا"، وتعرض لانتقادات قاسية أولها مطالبته أن يكون أول الشهداء، وأن يقوم شخصيا بتفجير نفسه عوضا عن الزج بالشباب، في حين استرجع الكاتب عريب الرنتاوي في مقالة له مقاربة ما حدث في خط الغاز المصري قبل سنوات، حين تعرض للتفجير بشكل متكرر من جماعات إرهابية، وتسبب بأزمة طاقة للأردن كانت كلفتها 6 مليارات دولار ديون على شركة الكهرباء.

دعوة خوري قد تُستخدم لسرقة الشعبية، وقد تجد من يطرب لها ويناصرها لعدائها لإسرائيل، ولكنها في البداية والنهاية دعوة لاستخدام العنف، وهي مخالفة للقانون، ومن يقوم بها يرتكب أفعالا مجرمة.

يتذاكى بعض النواب في اللجوء للشارع للاستقواء على الحكومة وهم يمتلكون سلاح "حجب الثقة" عنها إذا لم تلتزم بتوصياتهم وفي مقدمتها إلغاء اتفاقية الغاز، غير أنهم يستسهلون الهروب، والقفز في الهواء، والتنصل من مسؤولياتهم حتى لو ذهبوا للتحريض على العنف، وهو ما دفع الإعلامية البارزة لميس أندوني لتسأل خوري ساخرة "هل أنت مستعد للذهاب للسجن بدلا من الشباب الذين سيتجاوبون مع دعوتك؟".

وهو ما دفع أيضا مؤيد ربابعة في تغريدة له لمطالبة وزير الداخلية سلامة حماد باعتقال النائب طارق خوري.

سيستمر الرفض الشعبي لاتفاقية الغاز مع إسرائيل، التي يُتوقع أن يبدأ تنفيذها العام المقبل 2020 لمدة 15 عاما؛ كذلك اجماع مجلس النواب على رفضها، ودعوة رئيس البرلمان عاطف الطراونة الحكومة لإلغائها مهما كانت نتيجة وقرار المحكمة الدستورية التي وعدت حكومة الرزاز بإحالة الاتفاقية إليها للنظر بدستوريتها؛ والمؤكد أيضا أن الأردن سيستخدم التلويح والتلميح باللجوء لإلغاء الاتفاقية كورقة ضغط في معركته الدائرة لمواجهة ما بات يعرف "صفقة القرن" كأمر واقع وتهديد لمصالحه بشكل مباشر.

جريدة الشرق الأوسط كشفت عن مصادر سياسية أردنية رفيعة "أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أوعز للحكومة رسميا بمراجعة بنود الاتفاقية مع الجانب الإسرائيلي وتقديم تقرير فني يحدد المصلحة الوطنية المتأتية من استمرار العمل بالاتفاقية أو تجميدها".

الضغط الشعبي الأردني توجته "الحملة الوطنية لإلغاء اتفاقية الغاز" بالدعوة لتسجيل إنذارات عدلية قضائية ضد الحكومة، وطالب منسقها هشام البستاني ليس بإسقاط الاتفاقية فقط، وإنما بمحاسبة وسجن كل من ساهم في توقيعها أو يسهل تنفيذها لأنه تسبب في إهدار أموال الدولة وتهديد أمنها.

دعوة خوري هي دعوة لاستخدام العنف وهي مخالفة للقانون

​​منذ توقيع اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية في عام 1994 لم يجد التطبيع بابا له في الأردن، وباءت كل محاولات دفع الشارع للتعامل مع استحقاقات السلام بالفشل، وبات تسويق السلام أمرا مستحيلا بعد الإخفاقات المتتالية، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على السيادة الأردنية وآخرها قتل مواطنين في السفارة الإسرائيلية بعمان، ولهذا يرفض الأردنيون بإصرار رهن مستقبلهم لإسرائيل لتتحكم استراتيجيا بمصادر الطاقة والمياه، ويرون أن هذا يهدد أمنهم الوطني.

دون الغرق في التفاصيل الفنية لاتفاقية الغاز، واتهام الحكومة الأردنية بأنها خدعت الناس، وأخفت بنود الاتفاقية، وقبلت بشروط جزائية، وامتثلت لـ "عقد إذعان" مع إسرائيل، فإن الرهانات الشعبية مستمرة على أن ينقلب الحكم على هذه الاتفاقية ويأمر بإلغائها مثلما رفض تجديد تأجير أراضي الباقورة والغمر لإسرائيل.

في الواقع، يشي الشارع الأردني بأنه غير قابل حاليا للارتباط بـ"حبل سري"، مع إسرائيل، حتى لو قبلت كل حكوماتهم ذلك. وأتذكر أن وزير الخارجية الأردني الأسبق ورئيس الوزراء لاحقا الدكتور عبدالله النسور قال في لقاء مع الصحفيين قبل أكثر من عقدين "المعاهدات والاتفاقيات وُجدت لتداس بالأقدام"، وأن يقول وزير خارجية هذا الكلام، فهو يختصر الكثير عن أحوال ومواقف الأردنيين.

اقرأ للكاتب أيضا: ماذا لو عاد وصفي التل للحكم في الأردن؟

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.