ناشطون مغاربة في تحرك في العام 2016 تضامنا مع حقوق مثليي الجنس
ناشطون مغربيون في تحرك في العام 2016 تضامنا مع حقوق مثليي الجنس

سناء العاجي/

"إذا كنتم تعتبرون المثلية الجنسية حرية، فلماذا لا نقبل أيضا بالبيدوفيليا والدعارة".

"ما دمتم تدافعون عن الحريات الجنسية، فيمكننا أن نقبل غدا الاغتصاب والعلاقة الجنسية مع الأطفال بموافقة ولي الأمر".

هناك، للأسف، خلط كبير لدى العديد من الأشخاص بين مفاهيم لها علاقة بالجسد، لكنها تختلف جوهريا عن بعضها البعض.

المثلية الجنسية هي ميول جنسي وعاطفي من طرف شخص لأشخاص آخرين من نفس جنسه. كما شرح ذلك الصديق نجيب المختاري في مقال نشره مؤخرا على صفحته، فالحديث عن المثلية كـ "اختيار" يعني أن الأشخاص غير المثليين توفرت لهم في وقت من الأوقات إمكانية الاختيار بين المثلية الجنسية أو الغيرية، فاختاروا الغيرية. لا أحد منا يتذكر مثلا متى بدأ يميل لأشخاص من الجنس الآخر، ولا رجلا بيننا قرر بكامل وعيه أنه سيميل للنساء بدل الرجال ولا قررت امرأة بكامل وعيها أن تميل عاطفيا وجنسيا للرجال بدل النساء. وهذا بالذات ما يحدث مع المثليين... لذلك، فالحديث عن "اختيار" يشكل مغالطة كبيرة أو سوء فهم عظيم.

ليس لولي الأمر أن يقرر في الحياة العاطفية والجنسية لأطفاله

​​ثم، هل نتخيل أن يختار شخص المثلية بكامل وعيه (بينما ميوله الحقيقي غير ذلك)، ونحن نعلم حجم الاضطهاد والعنف الجسدي والنفسي الذي يعيشه المثليون في مجتمعاتنا؟

هنا طبعا، علينا أن نستحضر "اعتراضا آخر" مفاده أن المثلية "موضة" لأن الغرب يدفع مبالغ مهمة للمثليين!

مشكلة الكثيرين بيننا أنهم يعيشون وَهْمَ مركزيتهم في الكون. الغرب يخطط ليدمر العرب والمسلمين. الغرب يخطط لدعم المثليين بهدف إفساد أخلاق المسلمين (وكأن أخلاق مجتمعاتنا مثالية!). الغرب يدفع للنساء من أجل خلق التصدع الأسري تحت شعار حقوق الإنسان وحقوق المرأة (طبعا، فالإسلام كرم المرأة!). نظرية المؤامرة تعشش في أذهان كثيرين. وطبعا، لم يسمع أحدنا أن الغرب يخطط ليقضي على أخلاق اليابانيين مثلا، ولا سمعنا أنه يدفع للمثليين في سنغافورة أو الصين.

للغرب مصالح يدافع عنها، وأحيانا بطرق غير مشروعة. لكن هذا لا يعني أن نعتبر أنفسنا في مركز الكون ونتخيل أن العالم يتآمر ضدنا. ما الذي نملكه من تقدم علمي أو حضاري ليخطط كل الكون ويتآمر ضدنا؟

ثم، في عودة للمثلية، هل نتخيل أن رجلا يميل عاطفيا للنساء أو امرأة تميل للرجال، سيرتبطان بعلاقة عاطفية وجنسية مع أشخاص من جنسهم لمجرد المال، وقد يعرضان أنفسهما للسجن وللعنف في الشارع والنبذ من طرف محيطهما؟ هل يمكنك، مقابل المال، أن تتخيل(ي) نفسك مع شخص من جنسك؟ اللهم إذا أصبح الشخص مهني جنس، يبيع جسده بمقابل (بل حتى مهنيو الجنس، فهم عادة يبيعون المتعة حسب ميولاتهم الطبيعية). من الصعب، منطقيا، أن نتخيل تحول شخص للمثلية، بينما هو غيري، لاتباع موضة أو مؤامرة غربية.

لكن، هناك ما هو أفظع. أغلب من يرفضون المثلية أو يعتبرونها "اختيارا وانحرافا وشذوذا"، لا يقبلون مفهوم الاغتصاب الزوجي. أن يفرض رجل على زوجته ممارسة الجنس، لأنه يملك عقد زواج (عقد ملكية؟)، هو أمر مقبول. "حقه الشرعي"! لكن، أن يمارس شخصان الجنس رضائيا، فهما فاسدان منحلان. وإن كانا من نفس الجنس، فهما شاذان. بعض الظرفاء يعتبرون أنه، ما دام الزوج ينفق عليها، فمن حقه ممارسة الجنس معها متى شاء. ليس في الأمر أي شذوذ! ما أعظم أخلاقنا وما أروع تصورنا للعلاقة الزوجية!

أغلب من يرفضون المثلية أو يعتبرونها "اختيارا وانحرافا وشذوذا"، لا يقبلون مفهوم الاغتصاب الزوجي

​​الحقيقة أن الشذوذ الحقيقي هو فرض علاقة جنسية على شخص آخر عن طريق الاغتصاب (حتى لو توفر عقد زواج) أو عن طريق الاتجار في البشر عبر الشبكات المنظمة لبيع الجنس.

الشذوذ الحقيقي الآخر هو الاعتداء الجنسي على أطفال غير قادرين على إدراك ميولاتهم ورغباتهم، بما في ذلك عبر تزويج القاصرات. ليس لولي الأمر أن يقرر في الحياة العاطفية والجنسية لأطفاله. كما أن خلط المثلية بالبيدوفيليا هو تخلف وغباء لا تفسير لهما.

حين سنميز فعليا الشذوذ كاعتداء على جسد وكرامة الآخر؛ ونقبل العلاقات الرضائية، المثلية أو الغيرية، بين الراشدين... سنكون قد خطونا خطوة نحو بعض من الإنسانية. بانتظار ذلك، فنحن شعوب متناقضة بطبعها.

اقرأ للكاتبة أيضا: لا تكتب عن كذا... اكتب عن كذا!

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.