ثمة ما يشي بأن الشعبوية في العالم في طريقها للازدهار، وأن قضية اللجوء واللاجئين والمهاجرين سوف تهيمن على سياسات الدول في القادم من الأيام، فيما الحلول المطروحة تكاد تخلو من أية مقاربة حقيقية أو ناجعة للمشكلة.
إشارات متزايدة
خلال الأسابيع القليلة الماضية فقط كانت ثمة إشارات عديدة إلى أن المزيد من الدول تتجه، تحت ضغط قضية اللاجئين، إلى سياسة حمائية على الصعيد الوطني، هي أقرب إلى نظريات الفصل والعزل والتسييج.
من هذه الإشارات حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لصحيفة فايننشال تايمز والذي هاجم فيه الليبرالية، قائلا إنه عفا عليها الزمن، واعتبر قبول اللاجئين في ألمانيا خطأ جسيما.
ومن الإشارات أيضا تفجر الجدل في لبنان بشأن اللاجئين السوريين، وغير اللبنانيين عموما، والحديث المتصاعد عن "لبنان أولا". ولا يبعد عن ذلك الحملة في تركيا ضد اللاجئين السوريين والتي اتخذت أشكالا عنيفة أحيانا ومن المرجح أن تتصاعد على وقع الأزمة الاقتصادية الداخلية، والمناورات التي يقوم بها السياسيون هناك. هذا مع انسداد أية إمكانية منظورة لإعادة اللاجئين إلى بلدهم سوريا.
يضاف إلى كل ذلك ما كشف عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جدول حملته الانتخابية والتي سوف تكون الهجرة والمهاجرين من بين أبرز القضايا الرئيسية فيها.
الهجرة عبر التاريخ
ثمة تدفق كبير للسكان من أجزاء من الأرض إلى أجزاء أخرى وهذه حقيقة، سواء بفعل الحروب والنزاعات أو بفعل الحاجة الاقتصادية والهرب من الجوع والفقر والبطالة. فالجنوب اليوم طارد للسكان، فيما الشمال والغرب يكان يكون الوجهة الطبيعية له.
ولكن، ألم يكن هذا هو الحال عبر التاريخ رغم تغير الأمكنة والأزمنة والسياقات؟ فالناس يتكاثرون، فيما الغذاء والماء والقدرة على الاستفادة من الموارد محدودة في العديد من بقاع الأرض، ولذلك فهم ينزحون إلى أقرب البقاع التي يعتقدون بأنها توفر لهم ما يحتاجونه. والعالم الذي نعرفه اليوم ليس سوى نتاج لموجات من الهجرات المستمرة والمختلفة بين أجناس متعددة من البشر عبر حقب تاريخية مختلفة.
بيد أن الجديد في هذا العصر هو أن الأرض لم تعد مشاعا للراغبين في الانتقال إليها، فثمة دول وحدود وشعوب تقطنها، وبالتالي ثمة قوانين وإجراءات تنظم ذلك كله.
قوانين قديمة
حتى الآن توجد لدى العديد من الدول قوانين تسمح باستيعاب المهاجرين واللاجئين وفق ضوابط وأنظمة وبرامج لتأهيلهم في مجتمعاتهم الجديدة.
ولكن ينبغي الاعتراف بأن هذه القوانين لم تعد قادرة على الاستجابة للحاجات المختلفة للدول أو التعاطي مع الموجات الكبيرة من اللاجئين الذين يتدفقون من كل أنحاء الأرض وبصورة باتت تخلق إشكالات عديدة في هذه المجتمعات.
والسؤال الذي كان دائما ولا يزول مطروحا هو: كيف يمكن حل مشكلة اللجوء واللاجئين، بطريقة تسمح باستقبال الأكثر حاجة منهم والذين تنطبق عليهم الشروط والقوانين، وفي الوقت نفسه أخذ المخاوف الأمنية والاقتصادية والثقافية للدول المضيفة بعين الاعتبار، وبصورة لا تدفع هذه الدول للتخلي عن قيمها ومبادئها الأخلاقية؟
للأسف فإن الكثير من النقاشات التي تدور في الغرب بخصوص هذه المشكلة لا تغادر مطارحها التقليدية، وسرعان ما تقع أسيرة للمنطق الشعبوي والسهل الذي يركز على سياسة إغلاق الأبواب وإقفال الحدود.
مع أنه لم يثبت عبر التاريخ أن الانعزال وبناء الجدران ومنع القادمين الجديد بالقوة قد أثمر عن حلول طويلة الأمد. كانت مثل هذه الإجراءات في الماضي تصلح لوقف الغزاة والطامعين مؤقتا، لكنها لم تستطع أن تصد إلى ما لا نهاية موجات الهجرة المتتالية.
العلاج من المنبع
الحقيقة التي يهرب منها الكثير من ساسة الدول هي أن ثمة مسؤولية سياسية وأخلاقية جماعية عن تفجر قضية الهجرة.
وفي حين أن دول الجنوب مسؤولة دون شك عن العجز في انتهاج خطط تنموية شاملة، واشتغال ساستها بالسلطة والفساد وإهدار الثروات، فإن دول الشمال مسؤولة أيضا عن استدامة هذه الحالة، عبر دعم هؤلاء الساسة وتركيزها على مصالحها الضيقة فقط، وفي حالات معينة تدخلها المباشر لفرض أنظمة أو نماذج حكم غير صالحة، أو التآمر لزعزعة استقرار بعض الدول وتغذية الحروب والنزاعات فيها.
إن أفضل وسيلة لمواجهة قضية اللجوء واللاجئين، هو حلها من المنبع، عبر العمل على مساعدة سكان دول الجنوب على البقاء في مناطقهم وسد الحاجة التي تضطرهم للانتقال إلى مناطق أخرى. ويتمثل ذلك في تقديم المساعدة الاقتصادية المناسبة وتشجيع التنمية المستدامة، وتطوير سياسات تحافظ على الاستقرار والأمن، ودعم إقامة أنظمة حكم رشيدة ومتصالحة مع شعوبها. للأسف فإن سجل الحكومات الغربية في هذا المجال لا يبدو مشجعا.
اقرأ للكاتب أيضا: خيارات الحرب والسلام في المنطقة
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).