يتمتع رئيس الوزراء بفرصة لضمان أن تكون "البيشمركة" مسؤولة أمام حكومته
يتمتع رئيس الوزراء بفرصة لضمان أن تكون "البيشمركة" مسؤولة أمام حكومته

بلال وهاب/

في العاشر من تموز/يونيو، صوّت برلمان "إقليم كردستان" على منح ثقته لحكومة جديدة برئاسة مسرور بارزاني، الابن الأكبر لرئيس "الإقليم" السابق مسعود بارزاني. ويخلف مسرور ابن عمه نيجيرفان بارزاني الذي شغل منصب رئيس وزراء "إقليم كردستان" لفترة طويلة وأدى اليمين الدستورية كرئيس "الإقليم" في الشهر الماضي. وتضم الحكومة حاليا 21 وزيرا، من بينهم ثلاثة وزراء بدون حقيبة وزارية. وتم تخصيص مَقعديْن لممثلي المسيحيين والتركمان، وفازت ثلاث نساء بمقاعد وزارية وهو أعلى معدل للتمثيل النسائي في الحكومة حتى الآن.

لقد استغرق تشكيل الحكومة الجديدة تسعة أشهر في أعقاب الانتخابات البرلمانية في سبتمبر الماضي. ويعود سبب التأخير إلى الانقسامات الحادة بين الأحزاب السياسية الرئيسية في "إقليم كردستان" وداخلها. فلم يستطع "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، الذي فاز بـ 45 مقعدا من أصل 111 مقعدا في البرلمان، تشكيل حكومة بدون "الاتحاد الوطني الكردستاني" (21 مقعدا)؛ ولطالما تأرجح هذان الحزبان ما بين الشراكة والتنافس تبعا للظروف السياسية. أما "حزب غوران" ("حركة التغيير") الذي يُعتبر أكبر حزب معارض في "إقليم كردستان" فقد حلّ في المرتبة الثالثة بحصوله على 12 مقعدا.

جميع المناصب السابقة التي شغلها مسرور كانت في القطاع الأمني، ولم يشغل يوما أي منصب وزاري

​​ومن الناحية الجغرافية، يتنافس "حزب غوران" مع "الاتحاد الوطني الكردستاني" على محافظة السليمانية، بينما يمسك "الحزب الديمقراطي الكردستاني" زمام الأمور في محافظتَي أربيل ودهوك. وقبل الحملة الانتخابية وخلالها وبعدها، تبادلت الأحزاب الثلاثة إلقاء اللوم على بعضها البعض حول استفتاء الاستقلال الفاشل لعام 2017، الذي كلّف "إقليم كردستان" غاليا من النواحي السياسية والاقتصادية والإقليمية. لذا فإن تشكيل الحكومة الجديدة منح هذه الأحزاب على ما يبدو أرضية مشتركة للمصالحة.

وقد عانى "الاتحاد الوطني الكردستاني" و "حركة التغيير" أيضا من انقسامات داخلية منذ وفاة رئيسيْهما (جلال طالباني ونوشيروان مصطفى، على التوالي) في عام 2017. ويتّسم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بوحدة أكبر بفضل زعيمه مسعود بارزاني الذي قاد حملة الضغط لاختيار نيجيرفان رئيسا لـ "الإقليم" ومسرور رئيسا للوزراء، مستهلا بذلك عملية انتقال الحكم إلى جيل القادة القادم في العائلة.

وفي الواقع، أحسن مسرور حتى الآن اختيار أولوياته. فقد تعهّد بأن تركز حكومته على تبسيط علاقات "حكومة إقليم كردستان" مع بغداد حول قضايا الإيرادات والأراضي، والعمل في الوقت نفسه على محاربة الفساد والارتقاء بمستوى الحوكمة والتنوع الاقتصادي داخل "الإقليم". لكنه يواجه تحدييْن رئيسييْن:

يكمن التحدي الأول في الطبيعة الحزبية لحكومته. فبعد عملية اختيار مشحونة سياسيا، تم عموما تهميش التكنوقراطيين لصالح الموالين لمختلف الأحزاب المنافسة، الأمر الذي قد يؤخّر تنفيذ جدول أعماله أو يحرفه عن مساره.

أما التحدي الثاني فهو أن جميع المناصب السابقة التي شغلها مسرور كانت في القطاع الأمني، ولم يشغل يوما أي منصب وزاري. وفي منصبه السابق، كان رئيس "مجلس أمن إقليم كردستان"، وهو دور مهم أشرف بموجبه على جهاز الأمن في "الإقليم" وأثبت مؤهلاته العسكرية القوية. ولكنه كان محاطا في ذلك المنصب بالمقرّبين وكان يرفع تقاريره لوالده فقط. من هنا، فإن قيادة حكومة متعددة الأحزاب على مرأى من الرأي العام، لا سيما وأن معظم وزرائها يتبوؤون مناصبهم للمرة الأولى، لن تكون مماثلة لتجاربه السابقة. ولعل إرشادات نيجيرفان المتمرس ونائب رئيس الوزراء قباد طالباني من "الاتحاد الوطني الكردستاني" قد يساعدان مسرور في تسهيل انتقاله إلى منصبه الجديد.

خطر النفوذ الإيراني قد ازداد منذ عام 2017

​ومع ذلك، يسير مسرور حاليا على درب التغيير بدلا من مواصلة المسار القائم، حيث صرّح في تغريدة بتاريخ 10 تموز/يوليو أن حكومته "تمثل حقبة جديدة لكردستان". وقد يؤشّر ذلك على منافسة ناشئة بين أبناء العم. فأحد المقربين من نيجيرفان الذي شغل منصب وزير الموارد الطبيعية وصاحب النفوذ آشتي هورامي غائب عن الحكومة. أضف إلى ذلك أن الموقع الإلكتروني لـ "حكومة إقليم كردستان" أصبح الآن يحمل اسم نطاق جديد ولا يتضمن أي روابط إلكترونية إلى الحكومات السابقة. وفي ضوء هذه التطورات، أصبح الدور الذي ستلعبه ديناميات عائلة بارزاني في العملية الانتقالية موضوع نقاش كثير في الصحافة ومنصات التواصل الاجتماعي الكردية.

وتدعم واشنطن وجود حكومة قوية لـ "إقليم كردستان" داخل دولة عراقية موحّدة. وهناك عدد من الخطوات التي من شأنها أن تساعد في تسهيل الوصول إلى هذا الهدف، هي:

تحسين العلاقات بين "حكومة إقليم كردستان" وبغداد: من أجل تعزيز هذه الأولوية التي سبق الإعلان عنها، سيحتاج رئيس الوزراء بارزاني إلى بناء علاقات بين الحكومتين الفيدرالية والإقليمية على أسس قانونية ورسمية متينة وليس على مصافحات سياسية محدودة الأجل. فهناك خلافات طويلة الأمد بين بغداد وأربيل حول حقوق إدارة النفط والغاز، ومشاركة العائدات والميزانية، والأراضي، متسببة في انعدام الاستقرار وعدم اليقين، مما أعاق الهدف الأميركي والعراقي المتمثل في تعزيز دولة ذات سيادة، موحدة ومزدهرة. وشهدت العلاقات بين "حكومة إقليم كردستان" والحكومة الاتحادية في بغداد فترة ود وتقارب في عام 2019، ولكن هذا الانفراج غير ثابت. لذلك سترحّب واشنطن بأي التزامات جوهرية يتعهد بها بارزاني لإقامة علاقة منصفة وقائمة على القانون ومفيدة للطرفين مع بغداد.

عانى "الاتحاد الوطني الكردستاني" و "حركة التغيير" أيضا من انقسامات داخلية منذ وفاة رئيسيْهما

​​​إبقاء إيران بعيدة عن التدخل [في الشأن العراقي]: إن طبيعة التعامل السياسي بين "حكومة إقليم كردستان" والحكومة الاتحادية غالبا ما تدعو طهران إلى التدخل كوسيط ومنفّذ. غير أن خطر هذا النفوذ الإيراني قد ازداد منذ عام 2017، عندما عارضت واشنطن استفتاء الاستقلال الذي أجرته "حكومة إقليم كردستان"، مما أدّى إلى تعكر في العلاقات الأميركية ـ الكردية على أثر ذلك. وفي ذلك الوقت، كان مسرور بارزاني المناصر الأكبر للاستفتاء [في مساعي الأكراد] في واشنطن. وبعد أن خاب أمل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" من القرار الأميركي، عمل ـ من جملة خطوات أخرى ـ على إصلاح علاقاته مع إيران. وفي المرحلة القادمة، تستطيع "حكومة إقليم كردستان" أن تنال حظوة في واشنطن إذا تبنّت سياسات تسهم في عدم تبعيّة العراق للتلاعب الإيراني غير المبرّر.

توحيد "البيشمركة": إنّ إضفاء الطابع المؤسسي على قوات الأمن الكردية وتوحيدها لن يساهما في حماية كردستان من فلول تنظيم "الدولة الإسلامية" فحسب، بل سيعززان أيضا المكانة السياسية لـ "حكومة إقليم كردستان" داخل "الإقليم" وخارجه. فعلى غرار ما حدث في مناطق عراقية أخرى، تسبّبت التنظيمات المسلحة غير المنضبطة والخاضعة مباشرة لإمرة الأحزاب السياسية بتقويض شرعية "حكومة إقليم كردستان". لكن بفضل الخلفية الأمنية لبارزاني ومنظوره الجديد، يتمتع رئيس الوزراء بفرصة لضمان أن تكون "البيشمركة" مسؤولة أمام حكومته وليس أمام "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني". كما أن وحدة "البيشمركة" هي مَطْلب شعبي قديم، خاصة وأن الانقسامات داخل قوات الأمن قد زادت من الخسائر التي أعقبت الاستفتاء. ويحظى بارزاني بدعم أجنبي في هذه القضية أيضا، نظرا للضغوط الدولية المتزايدة التي تمارَس على العراق لضبط ميليشياته.

بلال وهاب هو زميل "ناثان واستير ك. واغنر" في معهد واشنطن.

المصدر: منتدى فكرة

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.