يعد نفوذ الصين المتنامي في دول الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، من أكثر الاتجاهات المهمة في المنطقة، رغم ضعف تناولها إعلاميا. وبالفعل بدأ نفوذ بكين المتنامي بالمساهمة في إعادة تشكيل الأسواق الإقليمية، إذ وجهت الحكومات توجيه اقتصاداتها للاستفادة من الاستثمارات الصينية. لكن، قد يكون لتواجد الصين ثمن سياسي مرتفع في نهاية المطاف، لأن تزايد النفوذ الصيني ـ وانتشار نموذج الرقابة المعززة تقنيا ـ يمكن أن يعزز بعض أسوأ النزعات السياسية للمستبدين في المنطقة.
قبل أقل من عقد من الزمن، اقتصر التعاون الصيني مع الشرق الأوسط على أولويتين فقط: بيع الأسلحة للزبائن الإقليميين المتعطشين للأسلحة، وشراء الطاقة الخليجية لتغذية التوسع الاقتصادي الصيني المستمر. لكن السنوات القليلة الماضية شهدت انفجارا في اهتمام الصين بالمنطقة وفي التشارك معها.
من الناحية السياسية، انعكس هذا في موجة من الاتصالات رفيعة المستوى بين القادة الصينيين ورؤساء دول المنطقة. فخلال زيارته الرفيعة المستوى لبكين عام 2017، وقع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود مذكرة تفاهم مع الرئيس الصيني شي جينبينغ لتنفيذ مشاريع مشتركة بقيمة 65 مليار دولار. وبالمثل، كان الهدف من زيارة الرئيس شي في عام 2016 إلى المملكة العربية السعودية وإيران ومصر، وزيارته اللاحقة إلى الإمارات العربية المتحدة في العام الماضي، هو تعزيز فكرة أن اهتمام قادة الصين بالشرق الأوسط يتزايد.
اقتصاديا أيضا، ينمو الوجود الإقليمي للصين بشكل متسارع. قبل عقد، كان الشرق الأوسط ككل يستقطب مليار دولار سنويا من الاستثمارات الصينية. اليوم، هذا الرقم أكبر بكثير. في اجتماع الصيف الماضي لمنتدى التعاون بين الصيني ـ العربي في بكين، تعهد المسؤولون الصينيون بتقديم 23 مليار دولار كقروض ومساعدات تنموية للمنطقة. وتنخرطالصين حاليا في العديد من مشاريع البناء والبنية التحتية في جميع أنحاء المنطقة، من "مدينة الحرير" المخطط لها في الكويت إلى ميناء الدقم العماني.
من الناحية العسكرية، تلعب الصين دورا مهما في الأمن الإقليمي. منذ عام 2015، عندما فتحت بكين أول قاعدة عسكرية إقليمية لها في جيبوتي، عملت على توسيع تواجدها العسكري في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وشمل ذلك زيارات متكررة لقواتها البحرية إلى موانئ في جنوبي الخليج، ونشر مكثف للسفن العسكرية الصينية في خليج عدن. كما وسعت الصين إلى حد كبير وجودها في قوات حفظ السلام في المنطقة. وفي تقريره السنوي الأخير إلى الكونغرس حول القوة العسكرية للصين، حذر البنتاغون من أن جمهورية الصين الشعبية يمكن أن تستثمر المبادرات قريبا لإنشاء قواعد عسكرية في جميع أنحاء المنطقة.
يبذل المسؤولون في بكين جهودا للتأكيد على أن مشاركة بلادهم تركز على "التنمية" فقط بدلا من إعادة تشكيل المنطقة سياسيا. وفي خطابه الذي ألقاه في جامعة الدول العربية عام 2016، أكد الرئيس شي على أن حكومته لا تحاول بناء "منطقة نفوذ" لها في الشرق الأوسط. في الواقع، فإن النظرة الأولى إلى دور الصين في المنطقة، فإنه يبدو عاديا، لكن كما قال بعض المراقبين، ينطبق عليه الوصف التالي: "أن تتحدث بهدوء وتحمل محفظة كبيرة".
ولكن بعد الفحص الدقيق، أصبح من الواضح تماما أنه على الرغم من هذه التأكيدات، فإن مشاركة بكين في الشرق الأوسط تأتي في الواقع مع بعض الشروط. وهذا بسبب وجود علامات لا لبس فيها على أن استبداد الحكومة الصينية الممكَّن رقميا قد بدأ في الانتشار في بلدان الشرق الأوسط.
إذ ساعدت الشركات الصينية النظام الديني الإيراني، على مدى سنوات، على قمع شعبه. فعلى سبيل المثال، توجهت طهران إلى شركة الاتصالات الصينية العملاقة ZTE بعد "الثورة الخضراء" في عام 2009 لتوفير تكنولوجيا مراقبة متطورة للاستخدام المحلي ـ وهو ما ساعد النظام الإيراني بشكل كبير في مراقبة ومراقبة اتصالات السكان/الأسرى في البلاد في السنوات التالية. وهناك مجموعة تكنولوجية صينية أخرى، هواوي، متورطة أيضا في هذا النوع من التعاون مع طهران.
إن إيران ليست حالة منعزلة. إذ سمحت مصر لجمهورية الصين الشعبية بالحصول على حصة كبيرة في قطاع الاتصالات ـ ونشر التقنيات التي عززت قبضة الرئيس عبد الفتاح السيسي على السلطة على حساب حرية التعبير بين المصريين العاديين. ويمكن أن تتجه دول المنطقة الأخرى قريبا في نفس الاتجاه. وفي لبنان، حيث رسّخت الصين حيث رسخت الصين وجودها في قطاع الاتصالات على مدى العقد والنصف الماضيين، يغازل المسؤولون اللبنانيون الدور والاستثمارات الصينية، مع كل ما ينذر به هذا الأمر. في الوقت نفسه، تقوم شركات صينية مثل هواوي وهيكيفنس بتسويق أنظمة المراقبة الحيوية في جميع أنحاء الخليج الفارسي، حيث تحقق نجاحا تجاريا هائلا.
هذه الاتجاهات يجب أن تزيد المخاوف من أن عمالقة التكنولوجيا في الصين سوف يساعدون في تمكين وتقوية المستبدين في المنطقة. لأنه مع اتساع ارتباطها بالمنطقة، كذلك تتوفر للصين وسائل إضافية للسيطرة بنجاح على سكانها والتعامل معهم.
وهكذا يمكن بسهولة أن يصبح "نموذج الصين" للسيطرة الاجتماعية سلعة تصدير في تعاملات بكين مع الشرق الأوسط ـ مما يضر كثيرا بفرص التعددية والديمقراطية في المنطقة.
اقرأ للكاتب أيضا: المعضلة التي تواجه خطة ترامب للسلام
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).