رائدات الفضاء الأميركيات، كريستينيا كوخ ونيك هيغ وأن ماكلاين في بزات الفضاء قبل توجههن برحلتهن الأولى في الفضاء
رائدات الفضاء الأميركيات، كريستينيا كوخ ونيك هيغ وأن ماكلاين في بزات الفضاء قبل توجههن برحلتهن الأولى في الفضاء

سناء العاجي/

المرأة لا تستطيع أن تتولى شؤون الحكم، لأن لها بعض الفترات في الشهر يتغير فيها مزاجها ولا تستطيع أن تكون بكامل مقدراتها العقلية. كما أنها ناقصة عقل (بحيث تتحكم فيها العاطفة) وناقصة دين (بحيث لا تصلي ولا تصوم خلال فترات الحيض ـ رغم أن هذا الأمر فيه نقاش، لأن هناك روايات لعائشة تقول إن زوجات الرسول كن يصلين ويصمن خلال فترة الحيض).

نفس الذي يكتب هذا الكلام، ستجده يتغنى إعجابا برئيسة كرواتيا أو برئيسة الوزراء النيوزيلاندية أو بالمستشارة الألمانية... علما أن هؤلاء نماذج فقط! آلاف النساء عبر العالم، بمن فيهن نساء في الدول ذات الأغلبية المسلمة، أثبتن جدارتهن السياسية أو المهنية في القضاء وتسيير الشركات والطب والمحاماة والهندسة والإعلام وغيرها. 

لكننا ما زلنا مصرين على التشبث بحديث آحاد مفاده أن لن يفلح قوم ولوا أمرهم لامرأة. علما أن ألمانيا وبريطانيا ونيوزيلاندا وكرواتيا والأرجنتين وتشيلي والبرازيل وأستراليا وفنلندا وغيرها من الدول التي ترأستها أو قادت حكوماتها نساء منتخبات، أفلحت أكثر من معظم دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط التي تؤمن بأن المرأة لا تستطيع القيادة، إذ تغلب عليها العاطفة!

قالت سيمون دوبوفوار ذات زمن: "نحن لا نولد نساء... بل نصير نساء"

​​كما أننا نستطيع أن نتساءل ببساطة كيف كانت خديجة، زوجة الرسول الأولى، تدير أعمالها ومشاريعها كأي امرأة أعمال بلغة اليوم، وكانت تشغل النساء والرجال (حيث شغلت الرسول نفسه عندها، قبل أن تخطبه لنفسها وتتزوجه وقبل أن يصير نبيا).

إحدى مشكلاتنا الأساسية أننا لا نسائل الموروث الثقافي والديني على ضوء تطور المعطيات الديمغرافية والسوسيواقتصادية. اليوم، عبر العالم، هناك نساء كثيرات يسيّرن وزارات وحكومات؛ ونساء أكثر يتقلدن مناصب المسؤولية على رأس مؤسسات حكومية وخصوصية كبيرة؛ أو على رأس مؤسسات دولية (رئيسة مركز النقد الدولي حاليا، كمثال)؛ ونساء بمئات الآلاف يشتغلن كمحاميات وقاضيات وطبيبات ومهندسات مسؤولات عن حيوات الملايين وعن تطبيق العدالة وتصميم المشاريع. كما أن هناك الملايين من النساء عبر العالم ممن يعلن بمفردهن أسرا كاملة... فهل نسمح للواقع بأن يغير شيئا من مسلماتنا؟

ثم، وهذا هو الأساسي، هل نستطيع أن نفرق في يوم من الأيام بين "قوانين الطبيعة" وبين موروثنا الثقافي؟ هل نستطيع أن نزعزع بعض قناعاتنا ومسلماتنا لنفصل بين ما نعتقده "طبيعيا" و"بيولوجيا" وبين الواقع الطبيعي أو الديمغرافي أو العلمي أو الاجتماعي أو الاقتصادي؟

هناك نساء لا تتوفر لديهن الكفاءة المهنية أو الذاتية لتحمل مسؤوليات معينة. هذا صحيح... تماما كما أن هناك رجالا بنفس المواصفات! الأمر لا يتعلق بتكوين بيولوجي، بل بقدرات شخصية لكل فرد؛ ثم بتنشئة اجتماعية تطور مجموعة من التصورات عن قدرات هذا وذاك.

ما زلنا مصرين على التشبث بحديث آحاد مفاده أن لن يفلح قوم ولوا أمرهم لامرأة

​​لهذا بالذات قالت سيمون دوبوفوار ذات زمن: "نحن لا نولد نساء... بل نصير نساء". الكارثة هي حين تترسخ لدى عدد من الأفراد القناعة الدينية (التي تتحول تدريجيا لقناعة يعتقد البعض أنها طبيعية وبيولوجية) بأن "ما أفلح قوم ولوا أمرهم لامرأة"، وهو نفسه معجب بحاكمات غربيات يحققن الإنجاز تلو الإنجاز. وكأن "حقيقته الطبيعية والبيولوجية" بخصوص النساء تنطبق حصريا على عالمه ذي الأغلبية المسلمة! فأين قوانين الطبيعة والبيولوجيا هنا، وهو يصفق لميركل وغيرها؟

ببساطة لأن التنشئة الاجتماعية تساهم في بلورة تصوراتنا عن "الدور الطبيعي" للمرأة وقدراتها و"تأثير العاطفة عليها". تنشئة اجتماعية نتناقلها عبر الخطاب الديني، لكن أيضا عبر الإعلام والمقررات المدرسية وخطاب الأهالي وغيرها... فتترسخ لدينا قناعات معينة تصير مع تعاقب الأجيال مسلمات و"حقائق". حتى حين تعاكس المعطيات العلمية والواقعية تلك التصورات، تصعب علينا مساءلتها.

الحقيقة أننا نحتاج اليوم لتطوير خطاب جديد مفاده أن لن يفلح قوم لا يزعزعون قناعاتهم ومسلماتهم بالأسئلة المستفزة وبتحديات المعرفة!

اقرأ للكاتبة أيضا: في المثلية والبيدوفيليا والاغتصاب الزوجي

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.