مناصر لأحد النواب الفائزين في انتخابات عام 2013 يطلق الرصاص ابتهاجا
مناصر لأحد النواب الفائزين في انتخابات عام 2013 يطلق الرصاص ابتهاجا

 

نضال منصور/

في عام 1995 نشرت جريدة الحدث الأردنية مقالا بعنوان "هل من قاسم مشترك بين حزب العهد الأردني وحزب الكتائب اللبناني؟".

كاتب المقال الإعلامي شاكر الجوهري كان يستحضر المخاوف من ترخيص أول شركة حماية أمنية يملكها الجنرال السابق ومؤسس حزب العهد عبد الهادي المجالي، ويربط بين امتلاكه وسيطرته على شركة أمن تعطي لموظفيها ـ جلهم متقاعدون عسكريون وأمنيون ـ الحق بحمل السلاح، وتأسيسه لحزب سياسي في بواكير عودة الحياة الديمقراطية في الأردن في منتصف التسعينيات من القرن المنصرم.

المقاربة التي طرحها المقال بين حزب أردني وحزب لبناني يمتلك ميليشيات عسكرية واتُهم بالعنصرية، كانت سببا في انتقادات قاسية تعرضت لها الجريدة، ولكنها فتحت نقاشا مبكرا فيمن يحق له امتلاك السلاح.

تداعيات هذه القصة عادت إلى ذاكرتي بعد أن تقدمت الحكومة الأردنية إلى مجلس النواب بمشروع لتعديل "قانون الأسلحة والذخائر"، فتح الجدل حول ظاهرة انتشار الأسلحة بين الناس، خاصة بعد كلام نُسب إلى وزير الداخلية سلامة حماد في البرلمان عن وجود 10 ملايين قطعة سلاح غير مرخصة في البلاد، وهو الحديث الذي عادت ونفته وزارة الداخلية.

سحب الأسلحة يثير غضب أردنيين يتفاخرون بحمل السلاح ويعتبرون هذه التوجهات مخططا سياسيا

​​الشيء المؤكد أن التعديلات المقترحة بسحب كل الأسلحة المرخصة وغير المرخصة، وتغليظ العقوبات على مطلقي الأعيرة النارية تثير الحساسيات والغضب داخل قطاعات واسعة في المجتمع الأردني الذي يتباهى ويتفاخر بحمل السلاح، ويرى العديد من الناس أن توجهات الحكومة تضرب منظومة القيم لديهم، وتجرد الناس من حقهم باقتناء السلاح، والأخطر والأهم أنهم يعتبرون هذه التوجهات في سياق مخطط سياسي يتماهى مع ما يعرف بـ "صفقة القرن".

المعارضون للتعديلات القانونية وسحب الأسلحة من يد الناس يعتقدون أن هناك مبالغة وتهويل مقصود ومتعمد من خطورة وجود أسلحة غير مرخصة، ويذهبون إلى استذكار أن مجتمعات ديمقراطية راسخة مثل "المجتمع الأميركي" تجيز حمل واقتناء الأسلحة، ويشيرون إلى أن ظاهرة حوادث السير أكثر فتكا بالأردنيين من انتشار الأسلحة.

الأرقام المتوفرة وغير المؤكدة تكشف عن وقوع 3 ضحايا بإطلاق العيارات النارية، و48 إصابة خلال عامي 2017 ـ 2018، لكن ليس غريبا أو مفاجئا أن تشعر خلال وجودك في الأعراس والاحتفالات في الأردن أنك في "جبهة حرب" بسبب كثافة إطلاق النيران استعراضا وابتهاجا، وظهرت فيديوهات مرعبة على وسائل التواصل الاجتماعي لشباب يطلقون بكثافة نيران أسلحة أوتوماتيكية خلال احتفالات داخل وخارج عمان.

قبل سنوات قليلة تدخل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بعد مقتل طفلة خلال احتفال أحد النواب بفوزه بالانتخابات ليؤكد لأجهزة الأمن أنه لو كان ابنه من أطلق النار فيجب اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه، وأن هذا الأمر خط أحمر.

في السنوات الماضية اتخذت الأجهزة الأمن تدابير مشددة للحد من إطلاق الرصاص بالاحتفالات من بينها سجن "العريس" إذا لم تُعرف هوية مطلق النار، غير أن هذه الإجراءات لم تنجح في الحد من الظاهرة، وردع من يقومون بهذه الأفعال المخالفة للقانون.

قبيل أن يبدأ مجلس النواب بمناقشة القانون المعدل لقانون الذخائر كتب رئيس الديوان الملكي الأسبق رياض أبو كركي تعليقا على صفحته على "فيسبوك" مثيرا للجدل والهواجس وخارج التوجهات الرسمية التي كان من أبرز أعمدتها.

أبو كركي في تعليقه استدعى الماضي مطالبا بتذكر دور العشائر الأردنية في الحفاظ على الوطن، واستعرض الكثير من القصص التي تعرض فيها الأردن لحوادث، وكان للعشائر الدور الأساسي في صد العدوان وحماية البلد.

أبو كركي استذكر محاولة الانقلاب عام 1957، وقيام عشائر "بني حسن" بالوقوف مع المرحوم الملك الحسين وفرار ضابط الانقلاب إلى سوريا، واستحضر عام 1970 ما أسماها "حوادث الأمن الداخلي" وتحرك عشائر "الحويطات" وانضم لها عشائر حينها معان والكرك والطفيلة و"بني صخر" لمهاجمة منظمة التحرير الفلسطينية دعما للقوات المسلحة الأردنية، واستخلص أبو كركي أن امتلاك العشائر للأسلحة يعني الدفاع عن الأردن معتبرا أنهم رديف الجيش العربي.

وجهة نظر رئيس الديوان الملكي الأسبق تجد أصواتا مؤيدة، وكثير من المثقفين والسياسيين يعطون لقصة سحب الأسلحة أبعادا ولبوسا سياسيا، ويعتبرونها استحقاقا استباقيا لأي حلول سياسية قد تشهدها المنطقة والأردن، ويطرحون آراء تعكس حالة فقدان الثقة بأجهزة الدولة، وفهما مختلفا ومغايرا للرواية الرسمية، فالحكومة تقول "إن تعديل القانون إجراءات تنظيمية لحفظ سيادة القانون ووقف الفوضى في حيازة الأسلحة".

الذاكرة الشعبية لا تنسى نائب يلاحق زميله بـ "كلاشنكوف" في البرلمان

​​رغم تأييدي لتعديل القانون وموقفي أن السلاح يجب أن يظل بيد الدولة فقط، فإن بعض مواد التعديل المقترح تدعو للتندر والتنديد والرفض، خاصة إعطاء الحق للوزراء والنواب والأعيان حيازة وحمل السلاح، فالذاكرة الشعبية في الأردن تحتفظ للعديد من النواب السابقين بقصص ومشاهد لا تحدث ولا تتكرر إلا في الأردن. فمن ينسى ملاحقة النائب الأسبق طلال الشريف لزميله النائب قصي الدميسي بسلاح "كلاشينكوف" داخل مجلس النواب، مما استدعى عقد جلسة طارئة للمجلس بعد غضب ملكي واتخاذ قرار بفصله من عضوية المجلس وسجنه؟ وكيف ستغيب عن أذهاننا صورة النائب الأسبق شادي العدوان وهو يحاول إشهار مسدسه تحت القبة بعد جدال مع زميله خلال مناقشات رفع الأسعار إبان حكومة الرئيس الأسبق عبد الله النسور؟ وهل يمكن أن ننس حين أشهر النائب الأسبق محمد الشوابكة المسدس بوجه زميله النائب الأسبق منصور سيف الدين مراد خلال حوار تلفزيوني على قناة "جوسات"، وسببت صدمة للمشاهدين الذين لم يتوقعوا يوما أن يروا ذلك على الهواء مباشرة.

الأردن ليس اليمن أو لبنان بالتأكيد، ففي اليمن وخلال زياراتي المتكررة قبل الربيع العربي كان يمكن أن تشاهد بيع الأسلحة على الأرصفة، وكان يعرض أصدقاء لي فرصة تجربة "أسلحة ثقيلة" إن رغبت، وليس غريبا أن بعض العشائر كانت تحتفظ بدبابات وأسلحة ثقيلة أكثر من الجيش.

ولبنان قصة أخرى، فالمليشيات المسلحة ظاهرة قديمة جديدة مرتبطة بامتدادات طائفية وتوازي ـ إن لم تتقدم ـ على الجيش وأجهزة الأمن، والأكثر طغيانا وحضورا بعد خروج الفصائل الفلسطينية عام 1982 من لبنان ما أصبح يسمى "سلاح المقاومة" الذي يسيطر عليه ويمتلكه منفردا "حزب الله".

الأردنيون لا يقبلون المساس بالسلم الأهلي ويعتبرونه "خطا أحمرا"

​​الأردن مختلف، ورغم الحديث عن تهريب الأسلحة فإن الدولة تُحكم قبضتها عبر الجيش وأجهزتها الأمنية، وأكثر ما يقلق لا يزيد عن استخدام الأسلحة لإطلاق الرصاص في احتفالات تعرّض أرواح الناس للخطر، أو شجارات ومصادمات مجتمعية بالأسلحة قد يذهب فيها ضحايا، وتظل كل هذه الحوادث المتناثرة والمحدودة بما فيها بعض العمليات الإرهابية التي وقعت تحت السيطرة، وأجهزة الأمن قادرة على تطويقها ومحاصرتها ووأدها كلما تطلب الأمر ذلك، ويبقى الأردن بمؤشرات دولية من أكثر البلدان أمانا واستقرارا.

الحكومة ماضية في تعديل القانون، وحتى الآن لم تتضح مواقف مجلس النواب من المقترحات المقدمة، وبالتأكيد فإن سحب الأسلحة قضية شائكة حتى لو أقرت التعديلات وفُرضت العقوبات، وما يتقدم على كل السجالات ولا يختلف عليه الأردنيون أن السلم الأهلي في بلادهم خط أحمر لا يقبلون المساس به، أو الاقتراب منه سواء اتفقوا أم اختلفوا، وانهيار الدول حولهم ترعبهم، والأمن الذين يعيشونه بين "حرائق" الجوار يدافعون عنه ويتمسكون به ويُحسدون عليه.

"السلاح بيد الدولة فقط" ليس شعارا للمزاودة، بل الخيار الوحيد لضمان أمن المجتمع وسلمه، فالدفاع عن الوطن والدولة متروك للجيش والأجهزة الأمنية، وحين يتطلب الأمر المشاركة الشعبية فإن الناس جاهزون لتلبية نداء الواجب.

اقرأ للكاتب أيضا: الأردن ـ إسرائيل: اتفاقية غاز وحبل سري مقطوع

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.