تظاهرة لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن
تظاهرة لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن

عمران سلمان/

توقفت مليا عند مقال الزميل مالك العثامنة الأسبوع الماضي "مشاتل التطرف" التي تحدث فيها عن ظهور جماعة "داعشية" جديدة في الأردن تحت مسمى "أردنيون ضد العلمانية ـ درع" والتي أخذت على عاتقها، إضافة إلى مكافحة "العلمانية"، نشر "الفضيلة" في المجتمع، ولا أستطيع سوى أن أشارك الزميل العزيز مخاوفه وهواجسه.

الأردنيون لا تنقصهم الفضيلة

لكني أيضا أتساءل وأعتقد أن كثيرين غيري يتساءلون، لماذا هذا الإصرار من بعض الجماعات أو الأفراد في مجتمعاتنا العربية على السير في اتجاه نكوصي وابتكار كل طريقة ممكنة لشد هذه المجتمعات إلى الوراء وإشغالها في قضايا أقل ما يقال عنها أنها منبتة الصلة بالواقع؟ فلا الأردنيون تنقصهم الفضيلة، إلا بقدر ما تنقص غيرهم، ولا العلمانية ناشبة بأظافرها في الأردن.

ثم لماذا هذا الهوس بقضية "الأخلاق" وتوظيف الدين وإعادة توظيفه من أجل خدمة أغراض وأهداف ليست لها علاقة بالدين نفسه، وإنما بتصورات وأكاد أقول مصالح شخصية وسياسية؟

السلطة، وهي مرض بشري عام، هي أيضا مرض عربي بامتياز

​​ولنفترض أن هؤلاء قد تم لهم ما أرادوا ونشروا "الفضيلة" في المجتمع كما يدعون، فهل ستحل مشاكله أو مشاكلهم؟

الأردن، كما يعرف الجميع، بلد لا ماء فيه ولا موارد طبيعية، وأرقامه في البطالة مخيفة، واقتصاده بالكاد يقف على رجليه بفضل المعونات والمساعدات الخارجية، ومع ذلك يجد بعض الناس الوقت والجهد لمحاربة العلمانية!

لو كنت مكان الحكومة الأردنية لأرسلت آلاف الشبان والفتيات كل عام إلى الخارج كي يدرسوا ويتعلموا من خبرات الدول المتقدمة، لإيجاد حلول لمشاكل الأردن. بل ولنصحت القائمين على جمعية "أردنيون ضد العلمانية ـ درع" بترك هذا العبث واللهو والانكباب على تأسيس جمعيات تفكر وتجرب وتبتكر الحلول لمعالجة مشكلة المياه وغيرها من المشاكل الملحة، ولنصحتهم أيضا بأن يتعلموا من جيرانهم الإسرائيليين، الذين يعيشون في ظروف مشابهة، كيفية الاستفادة من الطاقات والعقول لإيجاد موارد جديدة.

السلطة هدف والباقي تفاصيل

أعلم بأن مثل هذه النصائح لا تفيد كثيرا، لأن هدف هذه الجماعة وغيرها هو ليس إصلاح المجتمعات ولكن الوصول إلى السلطة والاستئثار بالثروة، أو ما تبقى منها.

والسلطة، وهي مرض بشري عام، هي أيضا مرض عربي بامتياز. معظم الحركات السياسية أو الأيديولوجية لا تفكر في تغيير الثقافة أو الناس أو المجتمع كي يصبحوا أفضل، ولكن كي يساعدوها في الوصول إلى السلطة. والسؤال هو، إذا تغيرت السلطة هل يصبح المجتمع بالضرورة أفضل؟ 

جماعة "أردنيون ضد العلمانية ـ درع"، ليست سوى محاولة أخرى لتحقيق نفس الهدف، وهو السلطة

​​التاريخ العربي الحديث يجيب على ذلك. وما شهدناه خلال ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي يجيب أيضا. فالثورات التي حدثت لم تكن في معظمها ثورات بالمعنى الحقيقي، وإنما كانت حراك جماهيري، يستبطن محاولة من الأطراف المهيمنة عليه أو البارزة فيه، لنقل السلطة من يد إلى يد أخرى فحسب.

لهذا كان الصراع السياسي والعسكري، في معظمه، هو بين من يمسكون بالسلطة وبين من يسعون للحصول عليها، ولم يكن هناك شيء له علاقة بأية مشاريع أو أفكار جديدة تتعلق بتطوير الثقافة السائدة أو تغيير المجتمع نحو الأفضل أو نشر أفكار تساهم في تجاوز الواقع التي ثار عليه الناس.

بل إنه في بعض الحالات كانت هناك محاولات للإيهام بأن ما يجري هو لمواجهة الاستبداد وتحقيق الديمقراطية والحرية. ولكن ما وجدناه، هو مجرد جماعات مستبدة تدعمها دول لا تؤمن بالديمقراطية أو الحرية أصلا، وليست لديها دساتير أو قوانين، أو دول تتطلع لإحياء الخلافة الإسلامية الغابرة.

نظام حسبة جديد؟

والحال أن جماعة "أردنيون ضد العلمانية ـ درع"، ليست سوى محاولة أخرى لتحقيق نفس الهدف، وهو السلطة، بعد أن سدت الطرق الأخرى أمامها، بما في ذلك العمل المسلح، فجاؤوا هذه المرة من باب نشر "الفضيلة" بعد أن ادعوا أو صوروا أن المجتمع الأردني بات وكرا لانتشار الرذيلة!

والمسألة ليست في الرذيلة أو الفضيلة نفسها، فهذه مفاهيم يختلف الناس ويتفقون حول ماهيتها وحدودها وأشكالها.. إلخ، ولكن المسألة هي، أولا، من أعطى جماعة من الناس الحق كي تقرر أو تصدر حكما على مجتمع أو أفراد فيه بأنهم باتوا موضوعا للرذيلة؟ وثانيا، من أعطى نفس الجماعة الحق بأن تقوم هي بالدعوة إلى مكافحة الرذيلة؟ هل نحن أمام نظام "حسبة" جديد؟

في الحقيقة لسنا سوى أمام نسخة جديدة من "داعش"

​​بمعنى آخر، فإن الإنسان يملك نفسه فقط وهو معني بإصلاحها، وهو حر في أن يتبع ما يشاء من قيم الفضيلة أو خلافها. أما إذا تعلق الأمر بالمجتمع، فالأمر هنا يعود إلى الدولة والدستور والقوانين وإلى نواب البرلمان الذين يشرعون هذه القوانين، وليس إلى أي جماعة من الناس ترى في نفسها أنها أصبحت حارسة لقيم الفضيلة!

ولو دققنا النظر في أدبيات هذه الجماعة وما تدعو إليه وما تنشره على وسائل التواصل الاجتماعي، فلن يطول بنا المقام قبل أن نستخلص بأننا في الحقيقة لسنا سوى أمام نسخة جديدة من "داعش"، ولكن في صيغة "مستأنسة" ومغلفة بالدعوة إلى "الفضيلة"!

اقرأ للكاتب أيضا: الشعبوية تزدهر ولا عزاء للاجئين

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.