صحف مصرية قديمة
صحف مصرية قديمة

د. عماد بوظو/

قضية تطابق طريقة تعاطي الإعلام القطري مع الإعلام المصري في كثير من القضايا الإقليمية والدولية، أثارها ديبلوماسي أميركي قضى سنوات طويلة في الشرق الأوسط أتقن خلالها اللغة العربية وأصبح من أهم خبراء هذه المنطقة من العالم خلال ندوة قبل بضعة أسابيع في واشنطن، ولفت إلى أن هذا يبدو مستغربا من بلدين تبدو توجهاتهما السياسية مختلفة أو حتى متناقضة ورغم الحرب الإعلامية التي تدور بينهما.

يظهر الأمر في طريقة معالجة الأخبار السياسية، ولها جذورا عميقة في العقل الإعلامي في الدولتين، لجهة الرغبة في تناول القضايا التي تثير "الحمية" الشعبية والانتشار الجماهيري لتمرير الرسائل الدعائية.

قبل بضعة أيام تأكد ذلك في طريقة تغطية حادثة إسقاط إيران للطائرة الأميركية بدون طيار في منطقة الخليج، فكما التزم الإعلام القطري بوجهة النظر الإيرانية، الذي عبرت عنه ماجدة العرامي في صحيفة العرب القطرية بمقالها: إيران تبعثر طائرة أميركا ورئيسها: "يلوّح دونالد ترامب بإصبعه في وجه طهران مهددا فتخر طائرته على وجهها بفعل صاروخ إيراني موجّه... وها هي طهران التي صمتت لأيام على تهديدات ترامب الشفهية تبادر إلى صفع قوات الزعيمة القطبية".

تنمية مشاعر الغضب، هي التربة الخصبة التي تنمو فيها الأصولية والتطرف

​​كذلك في موقف مشابه تبنّى الإعلام المصري الرواية الإيرانية حول ملابسات إسقاط الطائرة الأميركية، وكانت تصريحات حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني هي المصدر الذي اختارته بوابة الأهرام لنقل خبر الحادثة لقرائها: "إن قيام إيران بإسقاط الطائرة يحمل رسالة واضحة وقاطعة لأميركا بأن حدودنا خط أحمر وأي عدو يعتدي على حدودنا سيتم تدميره".

وهذا ليس سوى مثال لنهج طويل وثابت يتفوق فيه الإعلام القطري والمصري حتى على إعلام المحور الإيراني في مهاجمة الولايات المتحدة وإسرائيل، رغم العلاقات المميزة التي تجمع مصر وقطر مع هذين البلدين.

فقبل أسابيع كتبت توجان الفيصل في صحيفة الراية القطرية: "أما حمامة السلام الإسرائيلية شمعون بيريز الذي قاد كل مشاريع السلام مع العرب، فهو مهندس العدوان الثلاثي على مصر وهو من أمر بمجزرة قانا... وبيريز هذا خطط لسلسلة مؤتمرات اقتصادية في العالم العربي، وها نحن الآن نجد إسرائيل في كل مؤتمر اقتصادي ونطلب نحن تطمينها بجزء كبير من الكعكة التي لن تمولها أميركا، بل العرب الأثرياء وتقتسم أرباحها بين إسرائيل وصهر الرئيس الأميركي وكلاهما ليس ذكيا ولا مثقفا".

وضمن نفس التوجه قال الكاتب المصري حسين خيري في بوابة الأهرام: "من أجل عيون إسرائيل يمهد ترامب لإتمام صفقته التي أبرمها مع جماعات الضغط اليهودية قبل دخوله إلى البيت الأبيض، وقد قال بومبيو إن ترامب مبعوث العناية الإلهية المرسل لإنقاذ إسرائيل ولبقاء الدولة اليهودية... وليثبت للعالم أن النظام الأميركي الحالي يحتل بجدارة المركز الأول للعنصرية كما تنتهجه حليفته الاستراتيجية ويعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لتتخطى كل الحدود والأعراف الدولية"، ويرد في مقال آخر لنفس الكاتب، "ويعدّ النموذج الأكبر في حياكة خيوط الأزمات وهو الولايات المتحدة، الذي مارسته عقب الحرب العالمية الثانية وبعد إلقاء قنبلتها الذرية على هيروشيما وناغازاكي... وتمارس هذا الفن على دول العالم بدون استئثناء لتفرض هيمنتها واقتصادها وثقافتها".

كما يتسابق الإعلام المصري والقطري بالترويج لنظرية المؤامرة التي تستهدف العرب والمسلمين؛ فقد كتب محمد قيراط في بوابة الشرق القطرية، "جاء مصطلح الإسلاموفوبيا للتعبير عن الهيستيريا التي أصيب بها الغرب ضد الإسلام بعد انهيار الشيوعية، حيث أصبح يتصدر قائمة أعداء أوروبا وأميركا وأكدت دراسات أن كتب التاريخ والاجتماعيات في المدارس الأميركية أسهمت في إيجاد فكر باطني معادي لكل ما هو إسلام وعرب". ويؤكد على هذه المؤامرة الإعلام المصري، ففي مقالة لمحمود دياب في بوابة الأهرام: "أن أميركا والدول الغربية دول شيطانية تريد تدمير الوطن العربي وتحويله إلى دويلات مفتتة، لنهب ثرواته وإذلال شعبه". وضمن نفس التصور مع مزيد من الخيال قال أحد ضيوف برنامج من الآخر مع تامر أمين، إن هناك حكومة خفية اسمها المجلس الأعلى للعالم، الذي يجتمع فيه مندوبون من الدول الغربية الأشرار ويستعملون التكنولوجيا لإحداث الزلازل والبراكين، في الدول التي يتآمرون عليها وفي مقدمتها مصر.

وقد وصف أحمد وائل بطريقة ساخرة أجواء المؤامرة التي يعيش ضمنها الإنسان المصري في مقال تحت عنوان "مصر تغرق في مستنقع نظرية المؤامرة"، ومما جاء فيه" "لا نعرف على وجه التحديد من وضع البذرة الأولى ولا السبب، لكننا تربينا على هذه الحكايات، كانوا يقولون لنا ونحن صغار إن الإسلام مستهدف بل الجينات العربية مستهدفة من قنبلة إسرائيلية تصيب العرب ليبقى الإسرائيليون أصحاء، قصص خرافية أتذكرها الآن وأجدها لا تختلف في الكثير عن سياسات الأمن القومي الحالية، بأن مصر مستهدفة من الإرهاب في الداخل والخارج ومن المعارضة والنقد ومن كتابة الرأي ومن السياح وبريطانيا وأميركا كذلك".

في أنظمة الحكم الفردية تعتبر الآراء التي تنقلها وسائل الإعلام انعكاسا للسياسة الرسمية للبلد، لأن من الصعب ادعاء وجود صحافة حرة عندما لا توجّه هذه الصحافة أي انتقاد بسيط للحاكم. وفعلا، الإعلام القطري يعكس التوجهات السياسية لدولة قطر، فهذا الإعلام موجّه بشكل رئيسي للخارج، ويعبّر عن موقف الإسلام السياسي أو التنظيم العالمي للإخوان المسلمين مما يحدث في المنطقة والعالم، كما أن قطر بلد صغير عدد مواطنيه الأصليين بحدود 300 ألف نسمة، 16 في المئة منهم تتجاوز ثروتهم المليون دولار، ولذلك حتى لو أدى هذا الإعلام إلى انتشار الفكر الديني أو الأصولي داخل قطر نفسها فستقتصر آثاره على ارتفاع في حجم التبرعات للجمعيات الخيرية وللتنظيمات والمنظمات الإسلامية الدولية، وعلى تخصيص مزيد من الأموال لبناء المساجد.

في أنظمة الحكم الفردية تعتبر الآراء التي تنقلها وسائل الإعلام انعكاسا للسياسة الرسمية للبلد

​​بينما الوضع في مصر مختلف جوهريا، فالإعلام المصري موجّه بشكل رئيسي إلى الداخل، إلى بلد عدد سكانه مئة مليون إنسان يعيش ثلثهم على الأقل تحت خط الفقر، وقيام هذا الإعلام بالترويج لثقافة الكراهية تجاه الآخر المختلف، وبشكل خاص ضد الغرب ومفاهيمه وثقافته التي تقوم على حرية التفكير والمعتقد والديمقراطية واعتبارها مفاهيم غريبة يعمل الغرب على نشرها رغم أنها لا تناسب مجتمعات المنطقة، والحديث المتواصل عن المؤامرة العالمية التي تستهدف العرب والمسلمين وخاصة المصريين، لن يؤدي سوى إلى خلق وتنمية مشاعر الغضب، وهي التربة الخصبة التي تنمو فيها الأصولية والتطرف والتي من المفترض أنها الخصم الرئيسي للنظام السياسي في مصر.

وإذا أضيف إلى ذلك ما تشهده مصر حاليا من زيادة في دور رجال الدين في مختلف نواحي الحياة، وحصولهم على مساحة أكبر في وسائل الإعلام بشكل لم تشهده مصر في تاريخها، بالإضافة إلى النشاط الواسع للجمعيات الخيرية الإسلامية التي تستغل الأزمة المعيشية للمواطن المصري في سبيل نشر ثقافتها وأسلوب حياتها، مع ازدياد نشاط المراكز الدينية وما يتبع لها من مدارس ومعاهد وجامعات والتي لا تختلف مناهجها كثيرا عن فكر الحركات الإسلامية، فستكون النتيجة دفع المجتمع المصري نحو المزيد من الانغلاق والتزمت، ورغم أن هذه التوجهات المتشددة تقتصر حاليا على المجال الاجتماعي وتتجنب الخوض في المواضيع السياسية، ولكنها في وقت ما ستحاول أن تعبر عن نفسها سياسيا، والإعلام المصري من خلال خطابه الذي يتطابق مع إعلام الإسلام السياسي يقوم بمساعدة الحركات الإسلامية على تحقيق أهدافها.

اقرأ للكاتب أيضا: لعنة حوادث الغواصات تلاحق بوتين

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.