"للأسف، هناك البعض في منطقتنا ممن لا يشاركونا موقفنا، وفي العالم المعاصر تجبر الظروف في بعض الأحيان على عقد التحالفات مع شركاء لا بد منهم، فيما هناك حلفاء ليسوا بالضرورة أصدقاء".
استوقفني هذا المقطع من كلمة لأمير قطر أثناء زيارته الأخيرة إلى لولايات المتحدة الأميركية. إذ لقد لخص أهداف زيارة الأمير تميم لواشنطن ببساطة ووضوح.
جاء أمير قطر ليقدم أسبابا مقنعة لحليفه الأميركي عن مغزى علاقاته الوطيدة بألد أعداء الولايات المتحدة، كالنظام الإيراني، وليبرر تقاربه من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرغم من توتر العلاقات الحالي بين تركيا وأميركا. وبالطبع ليدافع عن نظامه، في ظل استمرار الأزمة القطرية ـ الخليجية.
حاولت الدوحة، منذ بداية الأزمة القطرية، أن تجد لها مخرجا، بدون تقديم أي تنازلات للمحور السعودي. ولتحقيق هذا الهدف، قرر النظام القطري أن يوطد علاقاته بثلاث قوى متنافسة في الشرق الأوسط: إيران، وتركيا، بالإضافة إلى حليفه الرئيسي الولايات المتحدة الأميركية.
في البداية، اعتقدت الدوحة أن علاقاتها الثلاثية الأبعاد لن تكون مكلفة أو معقدة، وأن التقارب من إيران وتركيا لن يؤثر سلبا على علاقتها بواشنطن.
الآن ومع ازدياد التوتر بين طهران وواشنطن من ناحية وبين أنقرة وواشنطن من ناحية أخرى، أدرك النظام القطري أن علاقاته الإقليمية أصبحت أكثر تكلفة، وأن عليه أن يغير من أوراقه ويسوق نفسه في واشنطن بطريقه مختلفة. وقد جاءت زيارة العاهل القطري لواشنطن في هذا الإطار، وفي جعبته رسالة بسيطة: "المال والوسيط الحسن".
الواضح من خطاب العاهل القطري، أن الدوحة تحاول أن تقنع واشنطن أن علاقات قطر بإيران وتركيا قد تخدم المصالح الأميركية، وبأن الدوحة قد تنجح فيما فشل فيه الآخرون وتتمكن من الوساطة بين إيران والولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى تسويق نفسها كوسيط يمكن أن يُعتمد عليه بين إيران والولايات المتحدة، تركز قطر على استثماراتها في الولايات المتحدة، التي وصلت حسب الاحصائيات الرسمية القطرية، إلى 180 مليار دولار لتبرهن أنها صديق مخلص للولايات المتحدة.
يهدف كوكتيل "المال والوسيط الحسن" لكسب رضاء القطبين السياسيين في واشنطن، أي الحزبين الديمقراطي والجمهوري. فمعظم الديمقراطيين يريدون التوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين، وأيضا يرحب البعض من كلا الحزبيين بالاستثمارات القطرية. أو كما علق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تجديد قطر لقاعدة العديد الجوية العسكرية: "الحمدلله هذه كانت أموالكم وليس أموالنا".
لاقى هذا الكوكتيل استحسان من بعض المراقبين والمعلقين؛ ولكن هذا الاستحسان ليس في محله. الابتهاج بالسياسة القطرية ليس في مصلحة أميركا وأيضا ليست في مصلحة قطر لأسباب عدة:
أولا: الولايات المتحدة لا تحتاج لوساطة غير حيادية
آخر ما تحتاجه الولايات المتحدة في التعامل مع نظام انتهازي، كالنظام الإيراني، هو وسيط غير حيادي، كالوسيط القطري.
فعلى المؤيدين والمعارضين للرئيس الأميركي ترامب أن ينتبهوا إلى أن النظام القطري، الذي يعتبر أن إيران جار وصديق، لن يدافع عن مصالح الولايات المتحدة في أي مفاوضات سرية أو علنية مع إيران. بل على العكس، من مصلحة الدوحة أن تنتصر إيران في مواجهتها مع الولايات المتحدة لأن أي انتصار لنظام الملالي سيعتبر هزيمة للمحور السعودي وهذا يصب في مصلحة القطريين.
نفس النظام القطري الذي يسوق نفسه الآن كوسيط، سبق له أن دفع أكبر فدية في التاريخ لجماعات وأفراد، ككتائب حزب الله العراق والجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس، ليخلص أمرائه المخطوفين في العراق.
ولذلك فإن الاعتماد على الوساطة القطرية في الملف النووي الإيراني هو ببساطة ضرب من العبث.
ثانيا: المال القطري ليس لوجه الله
يقول المثل الأميركي: "لا يوجد شيء اسمه وجبة مجانية" بمعنى أن هناك دافع وراء أي عرض مالي مغري. في خلال الأعوام العشر الماضية، دفعت الدوحة أكثر من 1.4 مليار دولار إلى العديد عديد من الجامعات الأميركية.
لكن للأسف، وسائل الإعلام الأميركية، التي تسلط الأضواء، بطريقة سلبية، على المال السعودي في الجامعات الأميركية، لا تطرح الأسئلة نفسها عن المال القطري.
قطر لا تضخ المال للجامعات الأميركية لوجه الله، ولكن لتحسين صورتها في المجتمع الأميركي، والأهم والأخطر هو التسويق للإسلام السياسي وترويجه على أنه أيديولوجية غير ضارة ولنفي علاقته بالإرهاب والتطرف.
ثالثا: علاقة قطر المعقدة بجماعات إرهابية
لم تمض أيام بعد زيارة أمير قطر إلى واشنطن حتى طالعتنا المواقع الإخبارية بمعلومات جديدة تكشف علاقات قطر المشبوهة. فمن إعلان القبض على خلية إرهابية تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في دولة الكويت، والتي ثبت أن لها صلات وثيقة بقطر، إلى فضيحة أكبر في إيطاليا، حيث تم ضبط أسلحة وصاروخ يستخدمه الجيش القطري بيد جماعات يمينية متطرفة.
رابعا: اللعب على ثلاثة حبال له مخاطر جسيمة
كما أوضح الكاتب حسين إيبش في مقاله على موقع بلومبيرغ حيث كتب: "إذا انفجر الوضع بين اثنين من حلفاء قطر، قد تواجه قطر سقوطا طويلا وصعبا".
بالفعل، فالرئيس التركي، حليف قطر المفضل، فقد الكثير من بريقه وشعبيته ويواجه صعوبات جمة داخليا وخارجيا، ومن أهمها زيادة الكراهية ضد العرب بوجه عام في تركيا. وهذا سينعكس سلبا، ليس فقط على اللاجئين العرب في تركيا، ولكن حتى على حلفاء أردوغان العرب كقطر.
أما النظام الإيراني، فهو يتهاوى داخليا، ليس فقط بسبب العقوبات الأميركية، بل بسبب سياساته القمعية ضد مواطنيه، فشتاء الملالي قادم لا محالة ولن يوقفه المال القطري.
باختصار، استراتيجيات الدوحة تقوم على تقديرات خاطئة. فالوساطة لن تفلح، والمال لن يجدي، وتهم الإرهاب تتراكم.
قد تعتقد قطر أنها تتقن فن الجمباز السياسي، ولكن كما في الرياضة، كل قفزة عالية يتبعها سقوط مدوي.
اقرأ للكاتبة أيضا: انتخابات اسطنبول والمواطن العربي
ـــــــــــــــــــــ الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).