فجّر نائب حزب الله السابق نواف الموسوي جدلا مُحرجا للجماعة الحزبية التي ينتمي لها روحيا وفكريا، ما أدى إلى فرض الاستقالة عليه من الندوة البرلمانية، كما لم يعد مستبعدا أن تتخذ قيادة الحزب إجراءات تنظيمية بحقه.
فنواف الأب، لجأ إلى عمل طائش وفقا للمعايير القانونية باقتحامه لمركز شرطة دفاعا عن ابنته بوجه طليقها الذي ربح قضية حضانة ابنته نتيجة حكم صادر عن المحكمة الشرعية الجعفرية.
مما لا شك فيه أن السيد الموسوي أحرج بفعلته حزب الله أمام الرأي العام اللبناني، الذي انقسم بين مؤيد لنواف الأب بالرغم من استخدامه كل ما يملك من قوة ونفوذ من أجل حماية ابنته من جور المحاكم الشرعية الجعفرية المنحازة دون أدنى مبرر أخلاقي أو إنساني لصالح الرجل في أحكامها، أو معترض لأسباب سياسية حيث استغلت الحادثة للتصويب على حزب الله باعتبار أن ما فعله نواف الموسوي يثبت أن حزب الله حالة سياسية وعسكرية تعتبر نفسها فوق المساءلة وغير معنية في مراعاة أو مداراة حرمة الدولة ومؤسساتها أو احترام القانون.
لكن الحرج الأكبر الذي شكله نواف الموسوي كان داخل بيئته العقائدية والسياسية بإعلانه التمرد على قوانين الأحوال الشخصية التي تستنبط أحكامها من الفقه الجعفري، الأمر الذي يصعب على هذه الجماعة الدينية الراديكالية تقبله، وهي ترفض حتى فكرة النقاش في مضمون الأحكام الشرعية أو إعادة النظر في بعضها بما لا يخالف العقيدة ولكن يتناسب مع روح العصر.
فلا يُستبعد أن الموسوي قد واجه خصوما شرسين تمكنوا منه من زاوية حماية العقيدة والفقه الجعفري والدفاع عنها باعتبارها نص مقدسا لا يسمح المساس بأحكامه. إذ تسبب تصرفه بتشجيع الأصوات المعترضة على الأحكام التي تصدرها المحكمة الشرعية الجعفرية والتي في أغلبها مجحفة بحق الأمهات في ما يخص حضانة الأطفال. وهذا أمر لا يتناسب مع التيار الأصولي داخل حزب الله وداخل البيئة الشيعية، كما أنه يعتبر طعنة لدور المؤسسة الدينية الرسمية التي تسيطر عليها الثنائية السياسية الشيعية والتي يتم من خلالها تعيين القضاة الشرعيين، وتعتمد في اختياراتها على المعايير السياسية والولائية قبل المعايير العلمية.
إذ تتبع المحكمة الشرعية الجعفرية إلى رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي يُوكل إليه شكليا اختيار القضاة عبر امتحانات يقول المطلعون على شروطها إنها تعتمد فقط على كرّاس لا يتجاوز الصفحات العشر، يتضمن قوانين الأحوال الشخصية المعتمدة لدى الطائفة الشيعية فقط، إضافة إلى أسئلة فقهيه أخرى.
والجدير ذكره أن رجل الدين الشيعي علي حب الله الذي قام بدراسة هذا الكرّاس وألف كتابا حول أحكامه استغرق العمل عليه قرابة سنة كاملة، لم يحالفه النجاح في مباراة القضاة التي أجراها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى منذ سنوات لأسباب سياسية وليست علمية، نتيجة التدخلات الحزبية في اختيار القضاة الشرعيين.
قلة التحصيل العلمي عند بعض قضاة الشرع وجهلهم بالقوانين المدنية والشرعية ومعرفة استنباط الأحكام، تشوه سمعة المحكمة الشرعية الجعفرية، بحيث تذهب "سمعة الصالح بما يفعله الطالح"، وذلك بسبب مئات الشكاوى على الأحكام التي يطلقها بعض القضاة المشكوك بعدالتها ونزاهتهم خصوصا في أمور الحضانة.
بات الفقه الجعفري يُنعت بالذكورية بسبب أحكام بعض القضاة الذين يغطون قلة معرفتهم العلمية باللجوء إلى أحكام راديكالية تحت حجة التمسك بالنصوص بالرغم من أنها تخضع للتأويل بسبب تعدد الاجتهادات فيها، وهذا ما أقرّ به الفقيه الشيعي اللبناني المُجدد الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه "فقه الإمام جعفر الصادق" إذ رأى مغنية أن كل الأحاديث المروية عن الرسول وعن الأئمة لم تحدد عمرا موحدا لسن الحضانة، مع العلم أن جميعها أحاديث مسندة، لذلك رأى مغنية إلى أنه على القاضي أن يأخذ في اعتباراته مصلحة الطفل قبل إصدار حكمه، وهو ما يمكن اعتباره خطوة ثورية من الشيخ مغنية في أنسنة الأحكام الشرعية.
عودة على بدء، إلى نواف الموسوي الذي لا يمكن لأحد من خارج بيئته السياسية أن يتقبل أو يتحمل خطابه السياسي الاستعلائي الذي تجاوز في بعض الأحيان اللياقات السياسية، وهو ما استخدمه الحزب ذريعة لإدانته وثم إلى إقالته نتيجة تصرفه لحماية ابنته، لكنه من دون شك أكثر دراية ومعرفة بالفقه ومدارسه وتاريخ التشيع من بعض القضاة الذين حكموا ضد ابنته وضد أغلب النساء الذين أجبرن على الاحتكام إلى القضاء الشرعي الجعفري، وعلى هذا علق الكاتب اللبناني وسام سعادة على حسابه في فيسبوك بالقول: "عام 2007 اتصل بي السيد نواف الموسوي ودعاني لجلسة مطولة تحادثنا فيها لساعات طويلة عن هنري كوربان وحيدر آملي والمير داماد والملا صدرا والفلسفة واللاهوت والتصوف وعلوم الباطن والعرفان.. دعك من كل الاختلاف العقائدي والسياسي، لا أظن بأنّ نائبا آخر في البرلمان الحالي بإمكانه أن يفك حرفا واحدا في كل هذا سواه. صحيح في المقابل أن نواف "لم يرنا" شيئا من هذا في ممارسته السياسية، البرلمانية والإكسترا برلمانية".
وعليه، لا أستبعد أن يكون نواف الموسوي المثقف والمرن قبل السلطة قد قرأ رواية شاعر روسيا العظيم بوشكين "ابنة الضابط "وتأثره بصراع "غرينيوف وبوغاتشيف" وما حوته الرواية من مغامرات طائشة مفعمة بالإنسانية تشبه مغامرته في مركز الشرطة في الدامور دفاعا عن ابنته، ولا أدري كيف ستكون ردة فعله لو جلس مكان سيدة فنت عمرها في تربية أبنائها وهي تستمع لقاض شرعي يمسك في يديه سيجارا كوبيا فاخرا.
اقرأ للكاتب أيضا: عراق الآخر والمتنوع... ممكن!
ـــــــــــــــــــــالآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).