رئيس بلدية نيويورك بيل دي بلازيو مشاركا في مسيرة المثليين نيويورك
رئيس بلدية نيويورك بيل دي بلازيو مشاركا في مسيرة المثليين نيويورك

منصور الحاج/

"الحب أكبر" شعار جريء رفعه أعضاء جمعية "المسلمون السابقون بأميركا الشمالية" أثناء مشاركتهم في مسيرة للمثليين في مدينة نيويورك أواخر يونيو الماضي للتعبير عن تضامنهم مع هذه الشريحة، التي يعاني المنتمين إليها من التمييز والاضطهاد في كثير من دول العالم بسبب ميولهم الجنسية.

في الوقت الذي لا يخفي كثير من المؤمنين بغضهم للمثليين وإن كانوا أولوا قربى واستعدادهم لإزهاق أرواحهم اعتقادا منهم بأن في ذلك طاعة لله وتنفيذا لتعاليمه، يعلن أنصار الحب تأييدهم للمثليين ويساعدونهم في تجاوز أزماتهم ويقدمون الدعم والحب لكل من تم نبذه ومقاطعته أو تعرض للعنف الجسدي أو المعنوي من قبل الأهل أو الأقارب أو المجتمع.

الحب أكبر وأقوى من كل دعاة الكراهية والإقصاء

​​ومرد اهتمامي بشعار "الحب أكبر" يعود إلى كون من رفعوه في المسيرة مسلمون سابقون أغلبهم من المهاجرين من دول عربية وإسلامية ممن عانوا من تغير نظرة الأهل والأقارب والمجتمع إليهم بعد تركهم الإسلام فتحول الحب والتقدير الذي كانوا يحظون به إلى كراهية ومقت وتهديد بالقتل، ولذلك فهم يدركون تماما المصاعب والتحديات التي يواجهها المثليون وغيرهم من الأقليات في الولايات المتحدة وحول العالم ومدى أهمية أن يشعروا بحب الآخرين لهم واستعدادهم للدفاع عن حقهم في التعبير عن ميولهم الجنسية دون التعرض للأقصاء أو التمييز.

مشاركة مجموعة من المسلمين السابقين في المسيرة لم تكن الأمر الوحيد الذي لفت انتباهي، فقد سررت أيضا بمشاركة عشرات من المسلمين المثليين والمؤيدين لهم أغلبهم ينتمي إلى جمعية "مسلمون بقيم معاصرة" الأميركية حملوا لوحات كتب عليها "الله يحبنا جميعا" وهي عبارة لا تختلف كثيرا في فحواها ودلالاتها عن شعار "الحب أكبر".

وقدم المشاركون في المسيرة آراء مستنيرة ومنطقية عن الأسباب التي دفعتهم إلى إظهار تأييدهم، كما أعرب المثليون منهم عن سعادتهم بالمشاركة والتعبير عن هويتهم المثلية والإسلامية في آن واحد.

إحدى المشاركات وتدعى بشرى، قالت في تصريح نشره موقع "Now This" الأميركي بأنها لم تكن تتوقع أن ترى مسلمون غيرها يشاركون في المسيرة وأنها لم تكن تعلم بوجود مسلمين يشاركونها نفس الرؤى والأفكار، وذكرت بأن النبي محمد اهتم بحقوق الإنسان وأنه لو كان حيا اليوم لما وسعه إلا تأييد حراك المثليين من أجل نيل حقوقهم الإنسانية.

أما مايا ليقاد وهي مثلية مسلمة فقد أشارت إلى أنه ليس من السهل أن يكون المرء مسلما ومثليا في آن واحد وذكرت أنها واجهت صعوبات لكي تجد مكانا لها في أوساط المجتمعات الإسلامية لانعدام الحوار في تلك الأوساط ليس فقط على المستوى الديني بل على المستوى الثقافي أيضا.

وأفادت ليقاد أن بعض المثليين المسلمين، وفي سبيل الدفاع عن ميولهم الجنسية ضد من يستندون إلى آيات قرآنية للتمييز ضدهم، بدأوا في حفظ آيات قرآنية للتأكيد أن الإسلام يقبل بهم ويعترف بهويتهم الجنسية، وترى أن من المحزن أن يضطر أي شخص إلى فعل ذلك ولكن للضرورة أحكام في بعض الأحيان. وبحسب ليقاد فإن البشر خلقوا مختلفين حتى يتسنى لهم التعرف على بعضهم البعض بصورة أفضل وأن من يفسرون الإسلام على نمط معين ويجبرون الآخرين على اتباعه يضعون أنفسهم في منزلة الرب.

وتدرك ليقاد أن ملايين المثليين حول العالم وخاصة المسلمين لا يجدون الدعم الذي تحظى به، لأن غالبية الدول الإسلامية تجرم المثلية الجنسية وأن من يعلن عن مثليته قد يعرض نفسه للخطر.

"في بعض الأحيان"، تقول ليقاد، "على المثلي أن يكون بعيدا عن الأنظار وأن لا يعلن عن ميوله كما عليه أن يختبئ فيما لو دعت الضرورة لكن في الوقت نفسه ينبغي عليه البحث عن أشخاص ومجتمعات لتقدم له المساعدة والدعم وعن أصدقاء يمكنه الاعتماد عليهم في حال لم تسر الأمور على الوجه المطلوب مع الأسرة".

والمثليون هنا في الولايات المتحدة وإن اختلفت معاناتهم نوعا ودرجة عن معاناة نظرائهم في دول أخرى إلا أنهم يشتركون مع غيرهم من الشرائح والأقليات المضطهدة في الحاجة إلى الحب والمناصرة والتأييد.

ومن أجمل المواقف التي تثبت أهمية المشاركة في مسيرات التأييد ما قام به أحد الآباء ويدعى سكوت ديتمان بارتدائه قميصا كتب عليه "عناق أبوي مجاني" في مسيرة بمدينة بيتسبيرغ بولاية بنسلفانيا فارتمى عشرات المشاركين على أحضانه وشاطروه قصص أحزانهم الممزوجة بالابتسامات والضحكات والدموع.

تأثر السيد ديتمان كثيرا بردود أفعال المشاركين، وبحسب مجلة "بيبول" أعرب عن اندهاشه من أن يتخلى آباء عن أبنائهم بسبب ميولهم الجنسية وكتب في صفحته على موقع فيسبوك عن موقفين من المواقف الكثيرة التي مر بها خلال مشاركته في المسيرة إحداهما مع فتاة في أوائل العشرينيات والآخر لرجل في الخمسينيات من عمره.

روى ديتمان أن الفتاة ما أن وقعت عيناها على العبارة المكتوبة على قميصه حتى عبرت الشارع واتجهت نحوه. "عندما استدرت إلى الخلف"، كتب ديتمان، "رأيت شابة تقف أمامي دامعة العينين ثم ارتمت في أحضاني وبدأت تشكرني. في تلك اللحظة، أدركت بأن الأمر أكبر من مجرد القدوم ومعانقة المشاركين والابتسام في وجوههم فالأمر بالنسبة للبعض قد يعني أكثر من ذلك".

الحب هو الخيار الوحيد الذي يملك كل المقومات اللازمة لتتعايش كل مكونات الجنس البشري بسلام

​​أما الخمسيني الذي استجاب لدعوة العناق الأبوي المجاني فقد أخبر ديتمان بعد أن بكى في أحضانه بحرقة بأن والديه طرداه من المنزل حين كان يبلغ من العمر 19 عاما وأنهما منذ أن علما بميوله الجنسية يرفضان التواصل معه منذ قرابة 30 عاما. ديتمان الذي اختتم مشاركته بدعوة متابعيه من الآباء بعدم التخلي عن أبنائهم بسبب ميولهم الجنسية يقول بأن كثيرين تواصلوا معه من ضمنهم آباء قرروا بدء التواصل مع أبنائهم بعد قراءة ما كتبه.

وخلاصة القول فإن حملة شعار "الحب أكبر" ومن يؤمنون بأن "الله يحبنا جميعا" ومرتدي إعلان العناق الأبوي المجاني يتفقون ضمنا بأن الحب أكبر وأقوى من كل دعاة الكراهية والإقصاء وأنه الخيار الوحيد الذي يملك كل المقومات اللازمة لتتعايش كل مكونات الجنس البشري بسلام وتنتصر على الأيدولوجيات والثقافات الإقصائية.

اقرأ للكاتب أيضا: قراءة في ما يقال دفاعا عن محمد بن سلمان

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.