عودة أميركا بقواتها ومعداتها إلى قاعدة الأمير سلطان الجوية في السعودية وبعد أكثر من عقد ونصف على المغادرة في 2003، هو محطة أمنية وجيو-استراتيجية هامة في العلاقة بين واشنطن والرياض ولو أنها ليست مفاجئة بتوقيتها والظروف الإقليمية والدولية التي أحاطتها.
هناك من يحصر القرار بالملف الإيراني وبالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلا أن القرار السياسي والأمني يتخطى الاثنين، ويرتبط بإطار دفاعي للبلدين ومكاسب نوعية كانت لتتم مع أو من دون التشنج الإيراني، وبغض النظر عن اسم الرئيس الأميركي الموجود في البيت الأبيض.
بداية، المفاوضات الأميركية ـ السعودية حول قرار إعادة استقبال الأميركيين في القاعدة الجوية عمرها شهور وليست نتاجا مباشرا للتطورات الأخيرة بين واشنطن وطهران. فالوجود الأميركي بدأت ملامحه في القاعدة الشهر الفائت مع وصول طاقم مهندسين والاستعداد لإرسال الـ 500 جندي وبطاريات صواريخ باتريوت. فالقرار يرتبط أكثر بتحول في الاستراتيجية السعودية الأمنية والإقليمية، وبمعطيات دولية بينها نفوذ الصين وروسيا، جعلت الولايات المتحدة أكثر من راغبة بالعودة.
سعوديا، تعكس خطوة الملك سلمان وقرار إعادة فتح القاعدة أمام الأميركيين تحولا للرياض من السياسة الحذرة والنهج الخافت الذي اعتمده الملك عبدالله بن عبد العزيز وطلبه من الأميركيين المغادرة إبان حرب العراق إلى أخرى أكثر مقدامية. هنا، تتضح ثلاث متغيرات في الأسلوب السعودي.
أولا، داخليا، لم يعد تهديد القاعدة المحرك الأمني الأول لصانعي القرار في السعودية، وهناك نقلة نوعية في اتخاذ قرارات اجتماعية وأمنية تردد في اتخاذها الملك عبدالله ومضت بها القيادة اليوم. طبعا، هناك أيضا سلطوية وتفرد أكبر في صنع القرار والتعامل مع شتى القضايا، وهو ما أعطى نوعا من الثقة للقيادة بأنها قادرة على أن تأخذ قرارات لم تكن متاحة قبلا.
ثانيا، إقليميا، كانت قطر الرابح الأول من إغلاق قاعدة سلطان أمام الأميركيين وانتقال الجيش الأميركي والعتاد يومها إلى قاعدة العديد التي تحوي أكثر من عشرة آلاف جندي اليوم وطائرات B 52 ومركز القيادة الوسطى من دون أن أي تكلفة على واشنطن. لا بل فإن قطر تغطي الأعباء النفطية للطائرات ولا تتدخل ولا تسأل عن طلعاتهم الجوية وخططهم العسكرية. السعودية، خصوصا بعد القطيعة مع قطر في 2017، سعت لتعميق التعاون الأمني مع واشنطن وضمان عودة الأميركيين إلى القاعدة الجوية كمكسب دفاعي وسياسي.
ثالثا، الوجود الأميركي عسكريا على بعد 50 كيلومتر من الرياض يعطي حصانة للقيادة السعودية وقد يلعب دور الرادع ضد توجيه طائرات مسيرة أو صواريخ كروز من اليمن باتجاه العاصمة السعودية.
أميركيا، قرار العودة إلى قاعدة سلطان والتواجد في عمق السعودية هو مكسب لا يستهان به للجيش الأميركي، نظرا للموقع الاستراتيجي بين البحر الأحمر وخليج عمان، وكنقطة لتعزيز نفوذ وحضور واشنطن الإقليمي. فالتواجد في القاعدة الجوية السعودية ليس بديلا عن التواجد في قاعدة العديد في قطر أو للأسطول الخامس في البحرين، بل هو إضافة للحضور الأميركي في نقطة حيوية في الخليج.
عسكريا، يتماشى القرار مع العقيدة الجديدة للجيش الأميركي بالانتشار بعدة أماكن ولو بأعداد قليلة بدل تأسيس قواعد جبارة وإرسال قوات ضخمة إلى قواعد قليلة. وهو يأتي في وقت تخشى فيه واشنطن من ازدياد نفوذ الصين وروسيا الدفاعي في الخليج، وتطلعهم لإنشاء قواعد دائمة هناك. وفي حين فشلت جهود أميركا حتى الساعة في تشكيل حلف "الناتو العربي" أو ما يعرف بـ"ميسا" (تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي)، فإن التفاهمات الأمنية الثنائية مع دول الخليج لتثبيت التعاون الأمني وإغلاق الباب أمام روسيا والصين هي الخيار الأفضل أمام الأميركيين.
لذلك، فإن حصر النقاش حول قاعدة سلطان الجوية بالتشنج مع إيران يتجاهل واقع العلاقة السعودية ـ الأميركية والحسابات الاستراتيجية والدفاعية للبلدين. فلا ترامب على وشك أن يضرب إيران، ولا الرياض تسعى للخيار العسكري، وهناك أولويات وحسابات عسكرية أميركية تتخطى الملف الإيراني وترتبط بتهديدات مستقبلية وتواجد أوسع في الشرق الأوسط حتمت العودة إلى قاعدة سلطان الجوية بعد 16 عاما على الرحيل.
اقرأ للكاتبة أيضا: تركيا تختار روسيا… والعقوبات
ـــــــــــــــــــــ الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).