• لا للعنف ضد النساء...
• وماذا عن أشكال العنف ضد الرجال؟
• لا للتحرش الجنسي ضد النساء...
• وماذا عن تحرش النساء بالرجال؟
في العديد من النقاشات عن التحرش وعن العنف الذي تعاني منه النساء عبر العالم، يحدث كثيرا أن يخرج أحد المشاركين في النقاش ليطرح الاعتراضات أعلاه.
لنتفق بداية على أمر مبدئي: كل أشكال العنف والتحرش مرفوضة (علما أن التحرش هو في حد ذاته أحد أشكال العنف)، سواء كان الضحية رجلا أو امرأة؛ طفلا أو راشدا.
لكن في الوقت نفسه، فنحن سنكون بعيدين جدا عن الموضوعية إذا وضعنا على المستوى عينه، أشكال العنف التي تعاني منها النساء، مع تلك التي يعاني منها الرجال.
في بلجيكا، بين سنتي 2017 و2018، كان عدد النساء المقتولات بسبب العنف من طرف الأزواج أكثر من عدد القتلى ضحايا الإرهاب! في فرنسا، 12 في المئة من حالات العنف يكون ضحيتها رجال، مقابل 88 في المئة من الحالات التي تكون ضحيتها امرأة تعرضت للعنف من طرف أحد أقاربها الذكور! هذا في بلدان توجد فيها العديد من الضمانات الحقوقية والقانونية ومؤسسات الحماية لصالح النساء ضحايا العنف، فهل يمكننا أن نتخيل الواقع في المغرب ومصر والسعودية واليمن وغيرها من بلدان المنطقة؟
لنعد إلى مثال فرنسا، حيث 12 في المئة من حالات العنف، تعود للرجال ضحايا العنف. من المؤكد أن هذه النسبة مدانة، إذ ليس من المعقول أن نقبل بأي شكل من أشكال العنف. لكن في الوقت نفسه، هل من الموضوعية أن نضع على نفس المستوى ظاهرة العنف ضد النساء التي، في هذه الحالة، 88 في المئة من حالات العنف، مع ظاهرة العنف ضد الرجال، والتي تمثل نسبة 12 في المئة؟
في الأسابيع الأخيرة، انتشرت على المواقع المغربية قرابة عشرة مقاطع فيديو تصور أشكالا من العنف والسادية ضد النساء والأطفال، من حالات قتل واغتصاب وتعذيب... بغض النظر عن نقاش نشر المحتوى العنيف على الإنترنيت وحاجتنا الملحة اليوم لمناقشته لما له من تداعيات، علينا أن ننتبه إلى أن معظم ضحايا هذه الحالات من العنف والسادية، كانت من الأطفال والنساء.
هذا الحالات، على مأساويتها، هي في حد ذاتها رد على كثيرين، في المغرب وخارجه، ممن يبخسون ظاهرة العنف ضد النساء ويعتبرونها مجرد مبالغة من طرف "حركات نسوية متطرفة".
من جهة أخرى، علينا أن نتوقف عن الاعتراض على التطرق لظاهرة معينة، بحجة وجود ظواهر أخرى سلبية. لا يمكننا أن نلوم شخصا يختار الكتابة أو النضال ميدانيا من أجل قضية معينة (العنف ضد النساء، مطلب المساواة في الإرث، العلمانية، الاعتداءات الجنسية على الأطفال، الحريات الدينية، إلخ) بحجة وجود ظواهر أخرى.
من حق أي فاعل (ناشط) أن يختار الميدان الذي يود أن يركز اهتمامه عليه. هل مثلا نسأل مشجع فريق كرة قدم معين، لماذا يركز على هذا الفريق وينسى كرة السلة والبولينغ والتزحلق على الجليد؟
كذلك، فالدفاع مثلا عن مواجهة ظاهرة العنف ضد النساء، لا يعني تشجيع العنف ضد الرجال، لأن كل أشكال العنف مرفوضة.
من العبث والظلم أن نلوم شخصا يتحدث عن العنف ضد النساء، بحجة أنه لم يتطرق في نفس الوقت للعنف ضد الرجال أو لظاهرة التصحر وتلوث المياه والغابات والفقر والبطالة والأنظمة المستبدة و... و...
يمكننا، والحالة هذه، أن نلومه في نفس الوقت، مثلا، على كونه لم يتطرق للإبادة التي تتعرض لها حاليا أشجار غابة الأمازون ولخطر انقراض طيور البطريق في القطب المتجمد الجنوبي (وهي ظواهر حقيقة، للأسف)!
ببساطة، لأن لكل شخص ميادين اهتمامه التي يختارها لأسباب تخصه. يمكننا أن نتابع تلك المواضيع أو أن نشتغل بدورنا على قضايا أخرى تبدو لنا، من وجهة نظرنا، أكثر أهمية...
هذا علما أن شخصا معينا أو منبرا إعلاميا ما، قد يكون رافضا لاجتثاث أشجار غابة الأمازون وللعنف ضد النساء ولتزويج القاصرات ولختان البنات ولتزوير الانتخابات وغيرها من الظواهر السلبية، لكنه ببساطة يخصص كل مداخلة (مقال، بوست، تغريدة، مشاركة تلفزيونية...) لموضوع معين.
لكنه، في النهاية، يعبر عن موقف واضح اتجاه ظاهرة أو غيرها... بينما البعض الآخر يكتفي بالتبخيس من مجهوداته بحجة أن هناك مواضيع أخرى لم يتطرق لها!
اقرأ للكاتبة أيضا: ما أفلح قوم...
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).