شحنة من الكبتاغون صادرتها السلطات اليونانية (أرشيف)
شحنة من الكبتاغون صادرتها السلطات اليونانية (أرشيف)

د. عماد بوظو/

في الخامس من شهر يوليو الحالي ضبط خفر السواحل اليوناني ثلاث حاويات قادمة من سوريا تحتوي على 33 مليون من حبوب الكبتاغون وهي أكبر شحنة في العالم تتم مصادرتها من هذا العقار المخدر، وتبلغ قيمتها 660 مليون دولار. وقبل شهر من هذا التاريخ أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن ضبط حاويتين بميناء بورسعيد تحتويان على أكثر من أربع ملايين من حبات الكبتاغون في صناديق تفاح قادمة من سوريا، كما أعلن الأردن نهاية العام الماضي عن مصادرة أربع ملايين حبة كبتاغون في علب شوكولاتة قادمة عبر معبر نصيب من سوريا أيضا.

وفي دول الخليج، الوجهة الرئيسية للكبتاغون يتم كل فترة مصادرة كميات كبيرة منه؛ قبل أشهر ضبطت سلطات جمارك دبي 5.7 مليون حبة في حاويتي مواد غذائية قادمة من سوريا إلى مركزي جبل علي وتيكوم. وكانت الكويت عام 2016 قد صادرت عشرة ملايين حبة كبتاغون مخبأة ضمن جهاز يشبه مرجل أو حرّاق كبير. وفي نهاية عام 2015 ألقت السلطات اللبنانية القبض على أمير سعودي حاول تهريب 2 طن كبتاغون في طائرته الخاصة، وبنفس الوقت أعلنت السلطات التركية مصادرة أكثر من عشر ملايين حبة قرب الحدود السورية، بحيث تتواصل عمليات تحطيم الأرقام القياسية لكميات الكبتاغون المصادرة ولوسائل تهريبها المبتكرة.

هامش الربح الكبير يدفع أعدادا متزايدة لتحمّل مخاطر تهريب الكبتاغون للخليج

​​الكبتاغون، واسمه العلمي "فينيثيلين" هو عقار منشط من مشتقات الأمفيتامين، أدرجته منظمة الصحة العالمية كدواء ممنوع في ثمانينيات القرن الماضي. 

في بداية السبعينيات، أثناء دراستي للطب كان الكبتاغون متوفرا في الصيدليات وكان بعض الطلاب يلجؤون إليه أثناء الامتحانات، لأنه يعطي شعورا قويا بالنشاط يستمر لساعات ويقلل الحاجة للنوم ويرفع القدرة على الاستيعاب ويجلب شعورا بالرضى. سرعان ما تبدأ الأعراض غير المرغوبة بالظهور مثل ارتفاع حدة ضربات القلب أو الرجفان والتوتر وقلة التركيز، وبعدها تأتي مرحلة عدم القدرة على النوم رغم الشعور بالإعياء، تخف استجابة الجسم لهذا المركب مع تكرار تناوله نتيجة التعوّد.

يعتبر هذا العقار مخادعا حيث لا يؤدي مباشرة إلى الإدمان، ولكن الخمول وكثرة النوم والاكتئاب الذي ينجم عن التوقف عنه يدفع باتجاه الاستمرار في تعاطيه، بالإضافة إلى أنه ينعكس إيجابا على قدرة من يتناوله الجنسية في البداية، ثم قد ينتهي إلى الإصابة بالضعف الجنسي. 

وربما يقود استعماله إلى سلوكيات عدوانية وميل للعنف، ومثل بقية الأدوية المحظورة يتطلب الحصول عليه الاختلاط بشريحة من المجتمع تعيش خارج القانون، مما قد يدفع باتجاه تعاطي أنواع أكثر خطرا من المخدرات، هذا بالإضافة إلى أن تعاطي الكبتاغون قد يؤدي إلى مضاعفات قلبية ودماغية خطيرة قد تقود للوفاة.

يقترن الكبتاغون في المراجع العالمية بسوريا ولبنان كمناطق إنتاج، والجزيرة العربية كسوق الاستهلاك الرئيسية، حيث يدور الكبتاغون ضمن حلقة معظم أطرافها من العرب. 

تأكد ذلك مؤخرا بعد دخوله بقوة للسوق المصرية حيث وجد بيئة مناسبة وتفوق على سوق حشيشة الكيف في مصر، وقال موقع بوابة فيتو الإلكتروني المصري، "انتشار كبير للمخدر الجديد، الكبتاغون ينهي عصر الحشيش والحبوب". 

وساعد على انتشار تعاطيه في بعض البلاد مثل مصر وسوريا، الفقر والبطالة وانسداد الأفق أمام الشباب؛ وفي بلاد أخرى كالسعودية، الفراغ العاطفي وغياب السعادة وانعدام الأمل والمشاكل العائلية. كما ساعد على انتشار هذا العقار في الأوساط المحافظة أنها لا تعتبره محرّما دينيا، لعدم وجود نص ديني حوله ولكونه منشّط أي "لا يذهب العقل".

يحاول إعلام النظام السوري وحزب الله الإيحاء بأن الكبتاغون من نتائج الثورة السورية، رغم أنه كان واسع الانتشار قبلها بسنوات طويلة، وقد أتاح لي عملي في المجال الطبي في سوريا لأكثر من ثلاثة عقود، قبل عام 2011، مشاهدة كثير من حالات تعاطي الكبتاغون والاطلاع على بعض حالات الإتجار به. 

في بداية السبعينيات، كان الكبتاغون متوفرا في الصيدليات

​​وفي تلك الفترة، كان الكبتاغون يأتي دائما من لبنان، حيث تعاون في إنشاء كثير من معامله تجار لبنانيين وضباط سوريين، وكانت كميات كبيرة منه تدخل سوريا عبر الخط العسكري للقوات السورية المتمركزة في لبنان لحساب هؤلاء الضباط. بدأ تعاطيه في سوريا من قبل الذين يتطلب عملهم السهر المتواصل مثل السائقين على الخطوط الخارجية أو الذين يعملون ليلا أو لمناوبات طويلة، ثم انتشر سريعا عند الشباب المحبطة واليائسة.

كانت سوريا وقتها معبر باتجاه السوق الخليجي وتحديدا السعودية؛ وسبق أن صرح الأمين العام للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في السعودية عبد الإله محمد الشريف أن 60 في المئة من متعاطي المخدرات في السعودية يتناولون الكبتاغون، ويعتبر الشباب بين عمر 20 و30 عاما في جدة والرياض أكبر مستهلكي هذه المادة. وقالت إحصائيات المديرية العامة لمكافحة المخدرات السعودية إنها تضبط 100 مليون حبة سنويا، أي 11 ألف وخمسمئة حبة في الساعة الواحدة. وحسب الإحصائيات العالمية فإن ما تتم مصادرته عادة يشكل 10 في المئة فقط من المخدرات التي يتم تهريبها، وبذلك يمكن تصوّر كمية الكبتاغون الهائلة التي تدخل السعودية سنويا.

تكلفة حبة الكبتاغون في مناطق الإنتاج إذا تم احتسابها بالدولار تعادل بضع سنتات، وتكفي ورشة ضمن كراج أو مقطورة سيارة لإنتاجها. ولكن هذه الطريقة البدائية في التصنيع غير موثوقة من ناحية كمية المادة الفعالة ضمن الحبة أو دخول مركبات سامة إليها، ورغم النوعية الرديئة للكثير من هذه الحبوب فإنها تباع في السعودية للموزع بحدود عشرة ريالات "ثلاث دولارات"، وقد يصل سعرها للمستهلك إلى 5 حتى 20 دولار.

هامش الربح الكبير هذا يدفع أعدادا متزايدة لتحمّل مخاطر تهريب الكبتاغون للخليج لأنها قد تكون بالنسبة لهم ضربة العمر، كما دفع ذلك المنتجين والمهربين لكي يبتكروا عشرات الوسائل التي لا تخطر على بال لتهريب هذه المادة، من إخفائها داخل حبّات الخضار والفواكه أو تحت جلود الحيوانات أو ضمن الأدوات المنزلية والمفروشات وألعاب الأطفال.

حزب الله حصل على مئات ملايين الدولارات من تجارة المخدرات

​​تدل ضخامة عمليات التهريب الأخيرة التي كشفتها اليونان والأردن ومصر ودبي، على أن أجهزة شبه رسمية تسيطر على إنتاج وتهريب الكبتاغون في سوريا ولبنان، خصوصا لأنها خرجت من منافذ رسمية تابعة للحكومة السورية، وكانت سبقتها تقارير إعلامية تحدثت عن ضلوع حزب الله في هذه التجارة، منها فضيحة الكشف عن شبكة كان يديرها هاشم وجهاد، شقيقي النائب عن حزب الله حسين الموسوي.

بالإضافة إلى تقارير أخرى تحدثت عن معامل بالضاحية الجنوبية لإنتاج الكبتاغون، ضمن تجارة أوسع لأصناف أخرى من المخدرات يديرها الحزب، والتي زادت حاجته لها مع تفاقم أزمته الاقتصادية. وقد أشار قال المتحدث الإعلامي باسم إدارة مكافحة المخدرات الأميركية لورانس باين إلى أن حزب الله حصل على مئات ملايين الدولارات من تجارة المخدرات.

كما أنها تشير إلى أن مركز الإنتاج الرئيسي للكبتاغون قد انتقل إلى سوريا تحت إشراف ميليشيات مرتبطة بالنظام السوري، وهذا يجعل مهمة مكافحة المخدرات في دول الخليج أكثر صعوبة، لأن الأطراف التي تقوم بعمليات التهريب حاليا لديها إمكانيات دولة، ولذلك فإن الحل الحقيقي والجذري لمكافحة وباء الكبتاغون هو تركيز الجهود في دول الخليج وخاصة السعودية على متابعة سياسة الانفتاح الاجتماعي التي تسير باتجاهها حاليا، لأنه بذلك ستقلّ الحاجة للبحث عن السعادة المصطنعة المؤقتة في أمثال هذه المواد، وهذا سيحمي شباب الخليج من المخدرات وسيحرم النظام السوري وحزب الله من أحد أهم مواردهم التي يحققونها على حساب تدمير الإنسان العربي.

اقرأ للكاتب أيضا: التلاقي والتشابه في الإعلام المصري والقطري

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.