الصفحات الأولى لعدد من الصحف المصرية الصادرة في 8 نوفمبر 2015
الصفحات الأولى لعدد من الصحف المصرية الصادرة في 8 نوفمبر 2015

عمران سلمان/

في كل دول العالم تقريبا يوجد زبائن ومستهلكون لنظرية المؤامرة، يقل عددهم أو يزيد، لكن في المنطقة العربية فإن هذه النظرية يبدو أن لها شعبية خاصة، حتى أنها تحولت لدى أقسام لا بأس بها من السكان إلى اتجاه عام في التفكير، أو على الأقل الأساس الذي يقوم عليه التفكير السياسي.

آراء أغرب من الخيال!

وسواء تعلق الأمر بهجمات الحادي عشر من سبتمبر أو ما يجري اليوم من نزاع أميركي ـ إيراني أو حرب اليمن، أو أية أزمة سياسية أخرى، فإن نظرية المؤامرة تطل برأسها دائما، وبإمكان الإنسان أن يسمع حينها آراء وأفكارا تبدو أقرب إلى الخيال أو الكوميديا السوداء، التي لا يلطف منها سوى الحماس والإصرار من جانب المؤمنين بها على أن ما يتحدثون عنه هو في الواقع الحقيقة التي ما بعدها حقيقة.

ولا ريب أن نظريات المؤامرة ليست كلها من دون أساس. فهناك أمثلة على أن عددا منها (رغم قلته) كان صحيحا. ومن الأمثلة الكلاسيكية على ذلك فضيحة "ووتر غيت" التي تورط فيها الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون وأدت إلى الإطاحة به وقضية "إيران كونترا" أو "إيران غيت" خلال عهد الرئيس دونالد ريغان. وربما تكون هناك أحداث في التاريخ لا تزال تشكل لغزا، قد تنسب أيضا إلى مؤامرة، مثل اغتيال الرئيس الأسبق جون كيندي.

الإنسان الذي يؤمن بنظرية المؤامرة، لا يحتاج إلى البحث أو التحليل أو الحصول على معلومات جديدة

​​بيد أن هذه الأمثلة لا تصلح لتدعيم فكرة أن كل ما يجري حولنا هو مؤامرة أو نتاج لمؤامرة أو على الأقل تخطيط وترتيب من قوى أو أفراد، يسعون إلى السيطرة علينا أو اخضاعنا أو الإضرار بنا.

جذور نظرية المؤامرة

والواقع أنه لا أحد منا محصن من الوقوع في أسر نظريات المؤامرة، وخاصة في أوقات الأزمات والاستقطاب الحاد، وفي الأوقات التي يبحث الناس خلالها عن أجوبة لتساؤلات تبدو مستعصية على الفهم أو الحل. فأقرب وأسهل وأريح طريق هو اللجوء إلى نظرية المؤامرة. ولكي يتفادى الإنسان هذا المصير فهو بحاجة إلى بذل قدر من الجهد العقلي والنفسي والمعرفي. وأول خطوة هي فهم طبيعة وآليات عملها.

إن نظرية المؤامرة في الأصل كانت تعني "فكرة أن حدثا ما أو ظاهرة معينة إنما هي نتاج لمؤامرة".

وقد اتسع تعريف نظرية المؤامرة بحيث صار يعني "فكرة أن شخصا ما، أو مجموعة من الأشخاص، تتصرف على نحو سري، بغرض الوصول إلى السلطة أو الثروة أو النفوذ أو تحقيق فوائد أخرى. ويمكنها أن تقتصر على اثنين من البلطجية يتآمران للاستحواذ، دون وجه حق، على ملكية أحد المتاجر، أو مجموعة كبيرة من الثوريين الذين يتآمرون للإطاحة بحكومة بلدهم".

وبحسب موقع "ويكي راشيونال" فإن "واحدا من أسوء الأشياء فيما يتعلق بنظريات المؤامرة هو حقيقة أنها منغلقة على نفسها. فكل محاولة لدحضها وكل دليل ضدها، سوف ينظر إليه باعتباره محاولة (لتضليل الرأي العام)، فيما ينظر إلى غياب الدليل على أنه تستر من جانب الحكومة".

الكسل العقلي

وهناك ما يجمع بين المؤمنين بنظرية المؤامرة، كما يقول بروفيسور علم الاجتماع تيد غورزيل: "هناك نوع مشابه من المنطق لدى كل مجموعات (منظري المؤامرة)، كما أعتقد... وهو أنهم لا يهتمون بإثبات أن وجهة نظرهم صحيحة (بقدر ما) إيجاد عيوب في ما يقوله الجانب الآخر".

أما عن خطورة الظاهرة فتقول عالمة السلوكيات كارولين أور" إن نظريات المؤامرة خطيرة لعدة أسباب. فمن بين أشياء أخرى، هي توفر وسيلة للحد من الضيق العقلي عن طريق تغيير تصورنا للمشكلة، دون فعل أي شيء في الواقع لحل المشكلة. إنها المكافئ العقلي للمهدئات".

لا أحد منا محصن من الوقوع في أسر نظريات المؤامرة، وخاصة في أوقات الأزمات والاستقطاب الحاد

​​ويمكن أن نضيف إلى الجملة الأخيرة أنها المكافئ أيضا للكسل العقلي. فالإنسان الذي يؤمن بنظرية المؤامرة، لا يحتاج إلى البحث أو التحليل أو الحصول على معلومات جديدة. إنه يكتفي، في مواجهة كل قضية، بالحديث عن وجود مؤامرة، أطرافها قد يكونون في حالة صراع فعلي على أرض الواقع، لكنهم بالنسبة له، إنما يقومون بمسرحية لا غير!

فداعش أو القاعدة يمكن أن تكون صناعة إيرانية أو أميركية، والنزاع الأميركي ـ الإيراني الإسرائيلي مجرد تمثيلية هدفها استنزاف دول الخليج، والعالم تديره مجموعة سرية من الأفراد أو المؤسسات القوية المتآمرة (غالبا يهودية أو ماسونية أو رأسمالية) التي ترسم لمختلف الدول أدوارها ووظائفها.. وهكذا.

والأمر الجوهري هنا هو ليس ما إذا كان ما يفكر فيه الناس أو يعتبرونه مؤامرة، هو كذلك أم لا، فذلك يمكن إخضاعه للنقاش العام أو إهماله كلية. المهم هو أن العقلية التي تؤمن بنظرية المؤامرة، تخلق نمطا من التفكير لدى الشخص، يجعله مع الوقت فريسة للأوهام والخيالات. كما يمكن أن يتطور إلى حالة انفصال كامل عن الواقع، وهي حالة مرضية بكل المقاييس. وتصبح المشكلة ملحة وعلى درجة من الخطورة عندما يصل الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة هؤلاء إلى مواقع السلطة والقرار.

اقرأ للكاتب أيضا: أردنيون ضد العلمانية، وماذا بعد؟

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.