اعتصام أمام المجلس الشيعي الأعلى تضامنا مع ريتا في آذار/مارس 2017
اعتصام أمام المجلس الشيعي الأعلى في بيروت في مارس 2017

مصطفى فحص/

كسرت النائبة في البرلماني اللبناني عناية عزالدين الصمت الرسمي الشيعي عن قانون الأحوال الشخصية للمسلمين الشيعة الذي تطبقه المحاكم الشرعية الجعفرية في لبنان. 

عزالدين التي تنتمي لكتلة حركة أمل النيابية، تناولت بشجاعة ودقة أكثر القضية التي أثارت الجدل وسط البيئة الاجتماعية الشيعية، لما لهذا القانون من إجحاف بحق المرأة خصوصا في أمور الطلاق والنفقة والحضانة، والتي بدأت تثير سخطا حقوقيا واجتماعيا وحتى جدلا فقهيا ومطالب بضرورة إعادة النظر في بعض الاجتهادات الفقهية التي تطبقها المحاكم الشرعية.

فقد استغلت النائبة عزالدين جلسة البرلمان المخصصة لمناقشة مشروع الموازنة للدعوة إلى إجراء إصلاحات وتعديلات في قوانين الأحوال الشخصية، وأكدت أنها لا تقصد الاصطدام بالأديان أو التشكيك بها، بل على العكس من ذلك، ترى أن إجراء هذه التعديلات يصون الروح الإيمانية ويعزز علاقة الإنسان بعقائده ودينه. 

ففي بداية كلامها أكدت عزالدين أنها " فخورة بإيماني والتزامي، والآتية من مدرسة اعتقادها راسخ وبالدليل والفهم الصحيح بأن كافة الأديان السماوية الإلهية أتت لتعزيز كرامة الإنسان وحقوقه، وأن الكثير من الالتباسات والارتباكات إنما تحدث بسبب التطبيقات الخاطئة والممارسات الملتبسة لدى بعض العاملين في هذا المجال، حالهم في ذلك كحال بعض القضاة الآخرين في المحاكم المدنية".

عمليا نجحت عزالدين التي لم تَلق اعتراضا من زملائها في الكتلة أو من الجهة السياسية الشيعية التي تنتمي إليها في عرض هذه القضية لأول مرة في مجلس النواب وبشكل رسمي على عكس ما جرى مع النائب السابق نواف الموسوي الذي لم يلق أذان صاغية من كتلته وخسر معركته التنظيمية لصالح التيار العقائدي المتنفذ داخل حزب الله، الذي نجح في إقصائه وفرْض الاستقالة عليه. 

ومما لا شك فيه هنا، أن موقف قيادة الحزب القاسي من نواف الموسوي ليس فقط لأنه أحرج هذه القيادة أمام الرأي العام اللبناني، بل في عمقه هو مراعاة للتيار الأصولي في الحزب وللحساسيات الفقهية التي تحرج المؤسسة الدينية الشيعية التي يرفض بعض الفقهاء فيها المساس بصلاحياتها ودورها وهيبتها، بالرغم من أن الحوزة الدينية في النجف وقم تغضان الطرف عن قوانين الأحوال الشخصية المعتمدة في إيران والعراق حيث لا يوجد أصلا قضاء شرعي.

ففي العراق، الذي تلعب فيه حوزة النجف ومراجعها الكبار دورا رعويا ومؤثرا منذ 2003 لم يسجل لها أي اعتراض على قانون الأحوال الشخصية العراقي الموحد لكافة الأديان السماوية الذي أقر عام 1959 والذي ينص مثلا في الفقرة الأولى والثانية، من المادة السابعة والخمسون على أن "الأم أحق في حضانة الولد وتربيته، حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك"؛ ويشترط أن تكون "الحاضنة بالغة عاقلة وأمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته ولا تسقط حضانة الأم المطلقة في زواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم أو الأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون".

أما في إيران التي تتبنى نظام ولاية الفقيه، التي تسمح للمرجع الديني التدخل بالسلطة السياسية والسلطة الدينية والتدخل المباشر في شؤون الدولة ومؤسساتها، إلا أن المادة 1169 من القانون المدني الإيراني التي تتناول موضوع الأحوال الشخصية حول موضوع الحضانة والتي تنص على "الأولوية في الحضانة للأم حتى سن السابعة، مع حصول الاختلاف بين الوالدين في الحضانة، فالمحكمة تبت فيمن له الحق بالحضانة وفقا لتشخيصها لمصلحة الطفل". وقد صدق مجلس تشخيص مصلحة النظام على الإصلاحات في قانون الأحوال الشخصية وفقا للقوانين المدنية المطبقة في إيران سنة 2003 التي أدخلت بعض التعديلات حول شروط عقد الزواج والطلاق والمهر والحضانة والنفقة. 

والمفارقة أن المحكمة الشرعية الجعفرية في لبنان ما تزال متمسكة باجتهادات فقهية يمكن تعديلها وخصوصا في أمور النفقة والحضانة والتي تقرّ حق الأم في حضانة الابن حتى عمر السنتين فقط والبنت إلى سبع سنوات دون النظر في المصلحة الإنسانية والنفسية للطفل الذي من الممكن أن ينتزع من أمه ويسلم لجده إذا كان الأب متوفيا تحت بند ولاية الجد أو العم الجبرية التي تبرر حرمانه من حضانة والدته.

بين حساسية الحوزة التي لا تقبل بسهولة المساس بصلاحياتها، وبين ضرورة تعديل بعض الاجتهادات الفقهية، يقول رجل الدين اللبناني السيد مهدي الأمين إن هناك إمكانية تخليص للحوزة والفقهاء من حرجهم ومراعاة البعد الإنساني في قانون الأحوال الشخصية، في أن تعتمد المحاكم الشرعية قبل عقد القران على نوع من الاتفاقية الملزمة للطرفين بما أن العقد شريعة المتعاقدين طالما أنه لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال، ويتم فيه الاتفاق على أساسيات العلاقة بينهما وخصوصا في حال تم الانفصال.

في العراق وإيران حيث المدارس الدينية والعدد الأكبر من الفقهاء والمراجع لا يوجد محاكم شرعية، بينما في لبنان يطلق بعض قضاة المحاكم الشرعية الجعفرية أحكاما تسيء لكل تاريخ الحوزة الفقه الجعفري.

اقرأ للكاتب أيضا: نواف الموسوي ومعايير القضاء الجعفري

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.