ولي العهد السعودي ورئيس السلطة الفلسطينية خلال القمة العربي الـ 29
ولي العهد السعودي ورئيس السلطة الفلسطينية خلال القمة العربي الـ 29

د. نجاة السعيد/

إن استمرار ضياع الفرص في حل القضية الفلسطينية منذ عقود من الزمن والتي كان آخرها مقاطعة مؤتمر البحرين للسلام الاقتصادي في 25 و26 يونيو والتي لم تكلف السلطة الفلسطينية حتى عناء قراءة الخطة يجعلنا نتساءل هل القيادات الفلسطينية فعلا جدية في تحرير وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة أم المصالح الحزبية والشخصية أهم من التحرير؟

كما أن الشتائم المستمرة على دول الخليج وحرق أعلامها وصور حكامها والتخوين المستمر بالرغم من مليارات الدولارات التي صرفتها هذه الدول دعما للفلسطينيين يدفعنا للتفكير: هل التحرير بهذا الوضع المؤدلج العدائي في صالح دول الخليج أم أن ذلك سينتج نظاما بمواصفات صدام جديد أو نظام ملالي أو إخواني يكون حجر عثرة لأمنها؟

تبرر السلطة الفلسطينية وباقي القوى السياسية عدم حضورها مؤتمر البحرين بأنه لا بد من الحديث عن القضايا السياسية أولا ثم يأتي بعد ذلك الحديث عن القضايا الاقتصادية، لكن المتتبع للتاريخ يجد أن هناك مؤتمرات عديدة بادرت بحلول قدمت فيها السياسة على الاقتصاد لكن السلطة الفلسطينية ضيعتها. فالحبيب بورقيبة قدم مشروعا في 21 إبريل 1965 على أساس تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة في 22 نوفمبر 1947 وقد وضح بورقيبة في خطاب ألقاه في أريحا يوم 3 مارس 1965 دعا فيه إلى اتباع سياسة المراحل بالنسبة إلى تحقيق آمال الفلسطينيين وعدم الأخذ بسياسة "الكل أو لا شيء" والأخذ بسياسة "خذ وطالب".

في نفس الوقت الذي تهاجم به السعودية، زار وفد من قيادة حركة "حماس" إيران

​​فاتهم بورقيبة بتصفية القضية الفلسطينية ورد عليه جمال عبد الناصر بأنه "عميل ومهووس". وكعادة العرب، والفلسطينيين تحديدا، يهاجمون كل مقترح عقلاني ويصفقون لأصحاب الشعارات وكان نتيجة ذلك نكسة 1967، أو حرب الأيام الستة، التي خسر فيها العرب قطاع غزة وسيناء من مصر، والضفة الغربية من الأردن، ومرتفعات الجولان من سوريا.

وفي قمة كامب ديفيد عام 2000 جمع الرئيس الأميركي حينها بيل كلينتون رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود براك ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات وقد تضمنت مقترحات القمة قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح في حوالي 92 في المئة من الضفة الغربية و100 في المئة من قطاع غزة مع بعض التعويضات الإقليمية للفلسطينيين من الأراضي الإسرائيلية قبل عام 1967، وتفكيك معظم المستوطنات، وإقامة العاصمة الفلسطينية في القدس الشرقية، وعودة اللاجئين إلى الدولة الفلسطينية المحتملة، وتنظيم المجتمع الدولي لبرنامج مساعدات ضخم لتسهيل إعادة تأهيل اللاجئين، ومع ذلك رفض عرفات كل هذه المقترحات لأن سياسة "الكل أو لا شيء" هي المسيطرة على القيادات الفلسطينية.

إن هذا الرفض المستمر لكل حل للقضية واتباع سياسة "الكل أو لا شيء" على مر العصور بالرغم من كل الهزائم والخسائر يدفعنا لتحليل أيديولوجيات الفصائل الفلسطينية والتي نجدها لا تتعدى التيارين: واحد منتمي إلى التيار الوطني والذي يميل إلى أيديولوجية القومية العربية وبعض فصائلها تتضمن الأفكار اليسارية والشيوعية. والتيار الآخر الإسلاموي المنتمي إلى أيديولوجيات الإسلام السياسي مثل تيار الإخوان المسلمين.

فالفصائل المنتمية للتيار الأول هي حركة فتح، القوة 17 (فلسطين)، التنظيم (فلسطين)، كتائب شهداء الأقصى، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. أما التيار الإسلاموي فيتضمن حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

نجد أن كلا التيارين ثوريين وتوجهما الفكري لا يتفق نهائيا مع توجه دول الخليج البراغماتي والذي يميل إلى التهدئة والتسوية والتنمية. لكن الفرق أن التيار الوطني القومي أكثر مراوغة، فهو يتحدث عن تسوية وأنه متفق مع دول الخليج وصديق لها، لكن في الواقع لا نجده يختلف عن الفصائل الإسلاموية.

فمثلا دعم ياسر عرفات لصدام حسين أثناء غزو الكويت، والسلطة الفلسطينية، وعلى رأسها محمود عباس، لا تحرك ساكنا عندما تحرق أعلام دول الخليج ويشتم الحكام الخليجيين على منابر المساجد وفي الإعلام الفلسطيني وحتى في الأعراس، لكن عباس صرخ بأعلى صوته ضد مؤتمر البحرين واتهمه بأنه "كذبة كبيرة" وأن أي مشارك فلسطيني في هذا المؤتمر يعد جاسوسا، وهذا كلام بعيد عن الدبلوماسية وفيه إهانة للبحرين والدول الخليجية التي شاركت به بصفة رسمية.

كما أن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية طاردت رجال أعمال فلسطينيين شاركوا في المؤتمر مثل أشرف الجعبري، وأشرف غانم، وخلدون الحسيني، وصالح أبو ميالة، ومروان الزبيدي، وجريس الطويل وهو ما دفع البعض للهروب خشية الاعتقال في حال عودتهم إلى المناطق الفلسطينية.

إن الشتائم والسباب بحق دول الخليج سلسلة لا تنتهي وقد شاهدنا مؤخرا أحد فصولها خلال زيارة المدون السعودي للمسجد الأقصى في 22 يوليو. ومع أن الزيارة عمل شخصي لا تعكس وجهة النظر السعودية الرسمية إطلاقا، وبعض الروايات تقول إن الزائر ليس سعوديا، لكن بغض النظر عن هوية الزائر إلا أن انهال الفلسطينيون بوابل من الشتائم والبصاق على الزائر والتعدي على السعودية حتى من الأطفال مما يؤشر إلى التربية المؤدلجة المليئة بالكراهية.

وفي نفس الوقت الذي تهاجم به السعودية، زار وفد من قيادة حركة "حماس" إيران بالرغم من كل التصعيد والاستفزازات التي يقوم بها النظام الإيراني في منطقة الخليج. وهذا ما يقلق كثيرين في الخليج على مصير المسجد الأقصى إذا كان تحت إدارة قيادات متحالفة مع أنظمة معادية داعمة لميليشيات مسلحة.

يجب أن تبحث به دول الخليج عن فئة وطنية نزيهة بعيدة عن الأدلجة والحزبية

​​إن هذه الازدواجية في المعايير والمراوغة والكراهية تجاه دول الخليج هزت الثقة لدى كثير من المثقفين والمسؤولين الخليجيين. وإن اتسمت ردود الفعل الخليجية في الماضي برباطة الجأش وتلمس العذر للفلسطينيين عند كل تعدي، إلا أن الصبر تجاه تلك المعاملة ونكران الجميل بدأ بالنفاذ.

فقد ذكر سامي النصف، وزير الإعلام الكويتي الأسبق، في تغريدة في 22 يوليو، "احتار المرء فهم ما يقوم به البعض كونه يتناقض تماما مع المنطق السليم، فمثلا من يشتكي من الاحتلال يفترض ألا يهلل لاحتلال صدام للكويت وهو احتلال أسوء مليون مرة من احتلالهم، كما يفترض بمن يشتكي من حرمانه أحيانا من زيارة المسجد الأقصى ألا يقوم بحرمان الآخرين من زيارته بل والتعدي عليهم".

وفي تغريدة للصحفي السعودي، محمد آل الشيخ، "لو حرك أبو مازن قضايا على من يشتموننا في غزة والضفة بجدية لفكر هؤلاء الابتزازيون ألف مرة قبل أن ينشروا شتائمهم ولكنها كما يقولون: (لم آمر بها ولم تسؤني)".

إن فصائل مؤدلجة ذات طابع ميليشياوي، سواء كانت ذات ميل قومي أو إسلاموي، لا يهمها تأسيس دولة أو تحرير وطن، بل ما يهمها أن تجد من يدعم أيديولوجياتها ومصالحها. وهذا ربما يفسر توجيه الشتائم وخطاب الكراهية لدول الخليج بالرغم من كل المساعدات المالية التي بلغت مليارات الدولارات للقضية الفلسطينية وعدم قيام أي علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، في حين أن دول مطبعة مع إسرائيل مثل تركيا أو أنظمة لم تقدم للقضية الفلسطينية سوى الشعارات والمتاجرة بالقضية لمصلحتها مثل نظام الملالي في إيران والنظام القومي البعثي لصدام حسين أو بشار الأسد تلاقي الاستحسان والمديح من الفصائل الفلسطينية ومن يتبعها.

​​الدولة الخليجية الوحيدة التي فهمت هذه اللعبة هي قطر، أو بالأصح نظام الحمدين المؤدلج الذي يخدم تلك الفصائل ويدعم توجهها. فقطر تدعم حماس ليس لتحرير فلسطين ونصرة القضية بل تدعم أيديولوجية الإسلام السياسي وعلى وجه الأخص الإخوان المسلمين وهذا ما يرضي حماس لأن أيديولوجيتها أهم من الوطن.

إن لعبة الأيديولوجيات ومصالح الفصائل قد تفسر تساؤل كثير من الخليجيين كيف أن قطر التي تقيم علاقات مع إسرائيل تحت مسميات تجارية علنية وسرية والتي تساهم في بناء المستوطنات تلاقي كل الإشادة من الفصائل الفلسطينية في حين باقي الدول الخليجية المقاطعة لإسرائيل لا ينتابها إلا الشتائم والكراهية مهما دفعت.

ومن هنا يتضح أنه لا يمكن لدول الخليج الاستمرار بدعم القضية الفلسطينية في ظل هذه القيادة الفاسدة والفصائل المؤدلجة ولا بد من أطراف بديلة فلسطينية قد تشمل رجال أعمال وأكاديميين تكون رؤيتهم متوافقة مع رؤية الخليج البراغماتية في بناء دولة.

فأغلب الخليجيين يتساءلون عن مصير المليارات التي صرفت على هذه القضية وسبب دفع السعودية رواتب الدبلوماسيين الفلسطينيين حول العالم والمحصلة شتائم ومكائد. فالاعتذارات الرسمية التي قدمتها مؤخرا السلطة الفلسطينية عن الشتائم والإهانات ضد السعودية تبقى ضمن السياق الدبلوماسي لكن ما يجري على الأرض من مواقف يثبت أن المسألة أكبر من مجرد شتائم، بل هي كراهية نتيجة تربية مؤدلجة كارهة لتوجه دول الخليج من خلال التعليم والإعلام الفلسطيني.

لذلك، فإن أهم ما يجب أن تقوم به دول الخليج هو البحث عن فئة وطنية نزيهة بعيدة عن الأدلجة والحزبية تتعاون معها في وضع استراتيجية دولة. ففلسطين لم تكن في تاريخها دولة مستقلة حتى قبل عام 1948. إذ كانت تحت حكم السلطات العثمانية ومن ثم الانتداب البريطاني، لذلك فإن مفهوم دولة فلسطينية مستقلة وقادة دولة بالمعنى الحقيقي كان غائبا على مدى التاريخ. ومن هنا تأتي أهمية فكرة مؤتمر البحرين ليس فقط للسلام من أجل الازدهار، بل لنزع الفكر الميليشياوي من الشارع الفلسطيني والبداية بتأسيس مؤسسات دولة.

الفصائل المؤدلجة لا تفهم معنى الدولة الوطنية

​​لا يمكن لدول الخليج أن تقوم بمواجهة أيديولوجيات الفصائل والقيادة الفلسطينية والبحث عن بديل بدون تغيير آلية مؤسساتها الإعلامية خاصة فيما يتعلق في القضية الفلسطينية. لا بد عند بث أي نزاع أن تكون وجهة نظر الطرف الفلسطيني والإسرائيلي حاضرة أيضا. فقد استحوذ على الإعلام الخليجي المثلث الفلسطيني ـ اللبناني ـ المصري وكثير منهم ينتمي لأيديولوجيات قومية ناصرية وإسلاموية بعيدة عن التوجه الخليجي، ويظهر هذا بشكل واضح فيما يخص القضية الفلسطينية. إن هذه النظرة قد عفا عنها الزمن ولم تعد تقنع المشاهد الخليجي وخاصة جيل الشباب وهو جيل الإنترنت الذي لم يعاصر عهد القومية والقضية الفلسطينية وهي ليست من أولوياته.

على دول الخليج أن تبحث بجدية عن أطراف بديلة فلسطينية لحل القضية لأن القيادة والفصائل الحالية الحزبية ليس من مصلحتها حلها فهي مستفيدة من ناحية مادية وسلطوية باستمرار هذا الصراع. لقد علمنا التاريخ أن الفصائل المؤدلجة لا تفهم معنى الدولة الوطنية ودائما مصالحها هي الأهم وبالتالي دعم دول الخليج لهذه القضية على هذا الوضع الفاسد لن يكون في صالح أمنها القومي وبالتأكيد لن يؤسس دولة فلسطينية إلى يوم الدين.

اقرأ للكاتبة أيضا: هل شعبوية ترامب بداية عصر جديد من الديمقراطية؟

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.