الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب مستقبلا الملك المغربي الراحل محمد الخامس عام 1960
الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب مستقبلا الملك المغربي الراحل محمد الخامس عام 1960

منى فياض/

ما ميّز تجربة الديمقراطية اللبنانية قبل الحرب، عن محيطها العربي، رجالات الدولة الذين حرصوا على احترام الدستور الذي وضعه المؤسسون الأوائل الاستثنائيون؛ ما سمح بتداول سلمي للسلطة وبتحييد العسكر.

ففي منطقة سادتها الاضطرابات السياسية، وبعد انقلابات سميت ثورات، حكمت أنظمة ذات طابع عسكري ـ أمني.

وحده لبنان نجح في إرساء توازن دقيق حافظ على الحريات دون الوقوع في الفوضى. والرائد في هذا المجال كان الرئيس الأسبق فؤاد شهاب الذي أرسى دولة قانون ومؤسسات.

عرفتني مقالتي السابقة عن شهاب، على مرافقه الشخصي العميد ميشال ناصيف. فاستمعت مباشرة لبعض ما كنت أتلمسه لفهم ما الذي جعل منه فؤاد شهاب، رجل الدولة الاستثنائي.

كان يردد "شو بيقول الكتاب؟". والكتاب المعني هو الدستور والقانون

​​ولد في بيت إمارة، تركهم الأب وكان عمره 11 عاما؛ فتعهده أخواله، وعاش بين آل حبيش والخازن. وهي أسر عريقة.

لم ترد والدته أن يتنعم بالثروة فيعتاد البذخ. عمل باكرا، في عمر 16 ـ 17 عاما وتطوع في الجيش الفرنسي بعمر 18 عاما.

يصفه عارفوه بالذكي. ميزته الأساسية أنه لا يتكلم كثيرا، بل يستمع ولا يجيب مباشرة. يسأل كثيرا: كيف؟ ولماذا؟ وأين؟ لم يكن متهورا أو مندفعا. كان قنوعا مع أنفة، اعتاد الاعتماد على نفسه وتعلم أن يعيش براتبه ولم يحتج لأحد.

لمع شهاب في المدرسة الحربية. كان طليع دورته. ولذلك كلف بالتدريب والمهمات. كتب عنه الفرنسيون أن له مستقبلا وأنه لم يتواطأ أبدا معهم: il n’a jamais étѐ avenant. وهذا ما تؤكده الوثيقة التي وقعها ورفاقه في 26 يوليو 1941: "نحن نخبة الضباط اللبنانيين نقسم بشرفنا أننا لن نقبل الخدمة إلا في سبيل لبنان وتحت علمه، وكل من يختار منا سبيلا آخر يعتبر خائنا ويعامل على هذا الأساس".

كان أول ضابط في الشرق الأوسط من المحليين يسلم بشكل مستقل تماما قيادة عسكرية، إذ عيّن قائدا لقلعة راشيا، بحيث كان تحت إمرته رتباء فرنسيون (1931). اختاره بشارة الخوري ورياض الصلح قائدا للجيش لأنه الأفضل.

الفارق بين عهد فؤاد شهاب واليوم، أن أحدا من أهله لم يكن يتجرأ أن يتعاطى بأعماله. طلب نقل أخيه المير شكيب من قنصلية الإسكندرية إبان التأميم بسبب إشاعة. وأعطاه وظيفة هامشية في وزارة الخارجية.

كان يمنع على أي كان أن يأتي إلى القصر الجمهوري، بحيث أن الأخ الآخر، المير فريد، وكان يعمل موظفا بسيطا في وزارة النافعة، كان يذهب بعد دوامه إلى القصر الجمهوري بالسر.

ميزته الأساسية أنه لا يتكلم كثيرا، بل يستمع ولا يجيب مباشرة

​​قال للعميد ناصيف: "تعينت لسببين، ملفك، وحياتك الخاصة، كنت في ثكنة وانتقلت إلى ثكنة". كان يهتم بالحياة الخاصة ويحب الضابط الرصين. علاقته بزوجته استثنائية ما يؤكد تقارب عقليتهما؛ الأمر الذي جعلني أتساءل: هل كانت زوجة لبنانية ستقبل بحياة التقشف التي عاشاها؟!

وكما كتب باسم الجسر: من المرجح أن إقامته في فرنسا حيث خضع لثلاث دورات، يواكب ما كان يدور في أجوائها وعلى صفحات جرائدها من أفكار وجدل حول القضايا الاجتماعية والإنسانية، سوف تظهر آثاره في تفكيره ونهجه الاجتماعي الإصلاحي بعد تسلمه رئاسة بلاده.

لم يسافر، كي لا يقصر بحق أحد لم يزره. اجتمع مع جمال عبد الناصر، ليعيد الهدوء إلى لبنان، في خيمة على الحدود اللبنانية ـ السورية.

كل ما كان يقوم به هدف إلى صيانة الدولة وإرساء تقاليد احترام القوانين والحفاظ على التنوع وحياد رئاسة الجمهورية. لم يكن يقبل أن يذهب إلى المناسبات والاحتفالات. ذهب مرتين لاعتبارات وطنية: الأولى شمالا، لإزاحة الستار عن تمثال عبد الحميد كرامي، وهو رئيس حكومة وأحد رجالات الاستقلال اللبناني الذي اعتقلهم الانتداب الفرنسي، وليقول لأهل طرابلس الشام، "ها أنتم عدتم لبنانيين"، كما طلب حينها إدارة التمثال ناحية بيروت.

في المرة الثانية ذهب جنوبا، حيث كانت المواقف من الدولة الوطنية ملتبسة خصوصا مع نشاط الأحزاب اليسارية التي كانت على صراع مع النظام السياسي، عند وفاة أحمد الأسعد، وهو رئيس سابق لمجلس النواب اللبناني، قائلا: يهمني أن يبقى للزعيم مكانته ريثما نقدر على رفع المستوى ويصبح بمقدور كل الناس الوصول إلى حقوقها. لكل إنسان حق يحصل عليه وبالمقابل يقوم بواجباته نحو الدولة.

سأل مرة عن تأخر الفواتير، فقال له ناصيف: حضرتك رئيس جمهورية ومعفى وغير مطالب بدفع الفواتير. فأجابه: يا ابني أنا عايش ببيتي وليس بالقصر، أنا مواطن ككل الناس بدي ادفع فواتير الكهرباء والماء لأن الدولة تؤمنها لي.

ميزة شهاب أنه لم يكن ساعيا إلى السلطة، دعاه بشارة الخوري لخلافته مرتين فرفض، في مايو 1952، ثم في سبتمبر من العام نفسه؛ حين نصح الرئيس بشارة الخوري بالتنحي، بسبب تصرفات القريبين منه التي لم تعد محتملة، وامتناع الساسة المسلمين عن التعاون معه؛ حفاظا على العهد نصحه بالاعتزال.

لم يتحمل المسؤولية إلا عندما ارتأى أن في ذلك مصلحة عامة. وصفه فؤاد بطرس: "يتمتع بالإنسانية والنبل واحتقار الإغراءات من أي نوع كانت، وبالترفع عن المصلحة الخاصة، حريصا على مساءلة النفس باستمرار ومحاسبتها دون مراعاة. وهذا ما قل مثيله في الطبقة السياسية اللبنانية".

حافظ على الميثاق الوطني، الوحدة الوطنية، وأنجز الإصلاح الإداري والإصلاح العدلي، وعمل على إرساء العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وفي عهده أقر قانون الضمان الاجتماعي، وتنظيم المالية ومصرف لبنان، والانعاش الاجتماعي، ونظم الجيش وقوى الأمن الداخلي، وحدث التربية والتعليم، البنية التحتية في كافة المجالات إضافة إلى حقوق الإنسان.

كان يردد "شو بيقول الكتاب؟". والكتاب المعني هو الدستور والقانون. منع الثورة المضادة بحكمته وحس العدالة الاجتماعية الذي امتلكه انطلاقا من تجربته الشخصية ومن معرفته الجيدة لجميع مناطق لبنان التي خدم فيها.

وصفه بطرس ديب: "كان حريصا على نفسية المواطن وضرورة أن يطمئن إلى أمانة الموظف وعدل القاضي. فالمواطنون ليسوا قطيعا من القاصرين يسوقهم الحاكم وكأنه أدرى منهم بمصالحهم وحتى بمشاعرهم، لمجرد حمله عصا السلطان. المواطنون هم أصحاب الشأن، وفي مجموعهم تتجسد السيادة الوطنية. هم راشدون، ولو فطن الحاكم لقرأ في ردود فعلهم على أفعاله خير مؤشر لتخمين حكمه وتصويبه عند الاقتضاء".

عندما تقلد منصب رئيس الجمهورية، لم ينس أنه كان قائد الجيش ومؤسسه، وكما حال خلال الـ 12 سنة التي قضاها في قيادته من تدخل السياسيين في شؤون الجيش، رسم رئيسا الحدود الفاصلة بين الجيش وبين السياسة.

لم تكن مهمته سهلة لأنه في موقع تجاذب، فانتخابه رئيسا أدخل البهجة لقلوب العسكريين وشعروا وكأنهم وصلوا إلى السلطة، وفي نفس الوقت خشي السياسيون أن يؤدي انتخابه إلى تنامي تدخل العسكر في السياسة وأن يصبحوا شركاء في السلطة؛ على غرار تقاليد المنطقة. من هنا حرصه على حفظ التوازن الدقيق بين المؤسستين بشكل تكامل ودون تعارض؛ بما يحمي الديمقراطية.

الفارق بين عهد فؤاد شهاب واليوم، أن أحدا من أهله لم يكن يتجرأ أن يتعاطى بأعماله

​​لكن الظروف هي التي تحكمت في الدور الذي عُرف للمكتب الثاني وذلك بعد محاولة انقلاب عام 1961 عندما قدمت فرقة عسكرية من صور وحاصرت وزارة الدفاع وطلبوا منهم التسليم (في تقليد لموضة الانقلابات السائدة). فشل الانقلاب الذي لم يكن أحدا على علم به؛ وهو الأمر الذي اعتبره خطأ كبيرا وارتأى أنه كان يتوجب عليهم أن يعرفوا بما يجري. حينها أعطاهم المجال كي يتعاطوا بالسياسة ليفهموا اتجاهات البلد وليتعاطوا بالشأن العام. برايه، تقويتهم كانت ضرورة لمنع الاضطرابات والانقلابات وحفظ سلامة النظام الديمقراطي.

لكنهم بالطبع تجاوزوا حدودهم؛ وكان الفرق بين الضابط الذي في الثكنة وبينهم، أن الأول لديه منزل بسيط وعادي، بينما هم لديهم منازل مع أثاث فاخر، ويحضرون الحفلات والسهرات، التي لم تكن مسموحة من قبل.

مع ذلك بقي المكتب الثاني منضبطا إلى حدود ما في عهد فؤاد شهاب. لكن عندما جاء الرئيس شارل حلو والفصائل الفلسطينية المسلحة توسعت مهام المكتب الثاني كثيرا.

لكن مقارنة بما نعيشه الآن يصبح لشيطنة تجربة المكتب الثاني أهدافا مشبوهة.

اقرأ للكاتبة أيضا: هل يمكن أن يثور اللبنانيون؟

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

FILE - A U.S. Marine watches a statue of Saddam Hussein being toppled in Firdaus Square in downtown Baghdad on April 9, 2003…
"حطيت في واشنطن لأول مرة في حياتي فيما كانت تتردد في رأسي هلهولة صدام اسمك هز أميركا".

يصادف هذا الشهر بدء عامي العشرين في الولايات المتحدة، وهي بلاد انتقلت إليها للمساهمة في نشر الحرية والديمقراطية في دنيا العرب. لم يأت التغيير العربي الذي كنت أحلم به، فاتخذت من أميركا وطنا لي، وأكرمتني وأكرمتها، وأحببتها، وصرتّ أحدّث بنعمتها. لكن المقال هذا ليس عن الولايات المتحدة، بل عن خيبات الأمل العربية التي عشتها مرارا وتكرارا، والتي أثرت بي ولم أؤثر بها، والتي أفقدتني كل الأمل بالتغيير والتطوير والمستقبل في المشرق العربي وعراقه.

هذه الرحلة بدأت مع سنوات نضالي الطلابي في صفوف اليسار اللبناني. كنا تعتقد أن الطغاة هم أزلام الإمبريالية، زرعتهم بيننا لقمعنا وحماية إسرائيل، وأن العراقيين أكثر الشعوب العربية المتعلمة والمثقفة، شعب المليون مهندس. كنا نردد أن الأسد يحتل لبنان بمباركة أميركية وإسرائيلية، وكنا نصرخ "أسد أسد في لبنان، أرنب أرنب في الجولان".

ثم حدث ما لم يكن في الحسبان. انقلبت أميركا على إمبرياليتها، وأطاحت بصدام، وفتحت الباب للعراقيين للبدء من نقطة الصفر لبناء دولة حرة وديمقراطية. كنت أول من آمن ببناء العراق الجديد. زرت بغداد، وحوّلت منزل العائلة إلى مكتب مجلة بالإنكليزية اسميناها "بغداد بوليتين". بعد أشهر، قتل إرهابيون أحد صحافيينا الأميركيين، فأقفلنا وهربنا. ثم عرضت علي محطة أميركية ناطقة بالعربية يموّلها الكونغرس فرصة عمل في واشنطن. مهمتي كانت المساهمة في بناء القناة العراقية لهذه المحطة. كان مقررا تسمية القناة "تلفزيون الحرية"، لكن الرأي استقرّ على اسم مرادف، فكانت "الحرة".

حطيت في واشنطن لأول مرة في حياتي فيما كانت تتردد في رأسي هلهولة "صدام اسمك هز أميركا". على عكس ما كنت أعتقد وأقراني العرب، الأميركيون لم يسمعوا، ولم يأبهوا، بالعراق، ولا بإيران، ولا بباقي منطقة المآسي المسماة شرقا أوسطا. المعنيون بالسياسة الخارجية الأميركية هم حفنة من المسؤولين والخبراء وكبار الضبّاط. 

لم يكد يمرّ عامين على انتقالي إلى واشنطن حتى قتل "حزب الله" رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، حسب الحكم الصادر عن محكمة الأمم المتحدة. أصدقائي في لبنان ممن اتهموني بالخيانة والانتقال إلى صفوف الإمبريالية الأميركية في حرب العراق تحوّلوا وصاروا مثلي، يرون في الولايات المتحدة مخلصا من "القضية" و"المقاومة" و"الممانعة" و"التحرير" التي صارت تلتهمهم. نفس مشكلة العراق، كذلك في لبنان، كيف ينجب شعب قبلي طائفي لا يفهم معنى الحرية أو الديمراطية دولة ديمقراطية؟ 

غرقت "انتفاضة الاستقلال" اللبنانية في بحيرة من الدماء، من الحريري إلى العزيز سمير قصير وبعدهما زهاء 20 سياسيا واعلاميا وضابطا كان خاتمتهم الصديق لقمان سليم. أما القاتل، فلبناني يعمي بصيرته فكر قروسطوي وتعصب مذهبي وعشائري، ويقضي على اداركه أن المواطنية والديمقراطية في مصلحته، وأن مصائبه ومصائب لبنان سببها غياب الحرية والديمقراطية، وأنه لا يمكن للإمبريالية، ولا للسفارات الغربية، ولا لإسرائيل، أن تهتم بمصير ومستقبل لبنان وخلاصه أكثر من اللبنانيين أنفسهم .

في العام 2006، هاجم "حزب الله" إسرائيل، فاندلعت حرب، ووقف عدد كبير من اللبنانيين ضد ميليشيا "حزب الله"، ورحنا نتظاهر أمام البيت الأبيض، فما كان إلا من السوريين الأميركيين أن عيبونا واتهمونا بالخيانة، وحملوا أعلام "حزب الله" وصور نصرالله. السوريون أنفسهم عادوا فأدركوا أن نصرالله، وبشار الأسد، وأصحاب القضية لا يقاتلون لحمايتهم، بل للبقاء متسلطين عليهم. بعد اندلاع ثورة سوريا في 2011، انقلب هؤلاء السوريون أنفسهم، مثل العراقيين واللبنانيين قبلهم، من قوميين عرب صناديد الى أعداء العروبة ومؤيدي الإمبريالية والغرب والديمقراطية.

وحدها غالبية من الفلسطينيين لم تدرك أن كل أرباب القضية والتحرير والمقاومة هم مقاولون منافقون. هللت غالبية من الفلسطينية لصدام، ولاتزال تهلل للأسد وقاسم سليماني وعلي خامنئي. لم يدرك الفلسطينيون ما فهمناه أنا وأصدقاء من العراقيين واللبنانيين والسوريين: إسرائيل شمّاعة يعلّق عليها العرب فشلهم في إقامة دول. لا توجد مؤسسات عربية من أي نوع أو حجم قادرة على العمل بشفافية أو يمكن الإشارة اليها كنموذج عمل مؤسساتي. كل نقيب في لبنان أورث النقابة لولده، وكل رئيس ناد رياضي فعل الشيء نفسه. حتى المفتي الجعفري الممتاز في لبنان أورث منصبه إلى ابنه. ثم يقولون لك إسرائيل وسفارة أميركا والإمبريالية.

قبل ستة أعوام، بعد مرور أعوام على استقالتي من الحرة وانقطاعي عنها، تسلّم رئاسة القناة أميركي مثقف من الطراز الرفيع، فقلب المحطة رأسا على عقب، وطوّر موقعها على الإنترنت، وقدم الفرصة لكتّاب مثلي للنشر أسبوعيا. 

على مدى الأسابيع الـ 290 الماضية، لم أنقطع عن الكتابة أو النشر ولا أسبوع. مقالاتي تمحورت حول شرح معنى الحرية والديمقراطية وأهميتهما، وأهمية أفكار الحداثة وعصر الأنوار الأوروبي، والإضاءة على التاريخ الغني للعرب، والتشديد على ضرورة التوصل لسلام عربي فوري وغير مشروط مع إسرائيل. ناقشت في التاريخ، والأفلام العربية والمسلسلات، والسياسة والاجتماع. رثيت أصدقاء اغتالتهم أيادي الظلام في بيروت وبغداد. 

بعد 20 عاما على انخراطي في محاولة نشر الحرية والديمقراطية والسلام، أطوي اليوم صفحة تجربتي مع الحرة، في وقت تضاعف يأسي وتعاظم احباطي، وتراجعت كل زاوية في العالم العربي على كل صعيد وبكل مقياس، باستثناء الإمارات والسعودية والبحرين. حتى أن بعض الدول العربية انهارت بالكامل وصارت أشباه دول، بل دول فاشلة ومارقة يعيش ناسها من قلّة الموت.

لن تأتي القوة الأميركية مجددا لنشر الحرية أو الديمقراطية بين العرب. تجربتها بعد حرب العراق ومع الربيع العربي علّمتها أن لا فائدة من محاولة تحسين وضع شعب تغرق غالبيته في نظريات المؤامرة، وتتمسك بتقاليد قرسطوية تمنع تطور ثقافة الديمقراطية لبناء دولة حديثة عليها.

اليوم، أترجّل عن مسرح الحرة. سأواصل سعيي لنشر مبادئ الحرية والديمقراطية عبر مواقع أخرى، في مقالات ودراسات وتغريدات وغيرها، لكن رهاني على التغيير انتهى. المحاولات ستتواصل حتى لو بلا جدوى، عسى ولعل أن يسمع الصوت من يسمعه.