دبابة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن
دبابة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن

عمران سلمان/

ثمة حالة غير مفهومة من التطيّر من فكرة أن يستعيد الجنوب العربي دولته السابقة، بعد الوحدة الفاشلة مع اليمن، أو حسب الأدبيات المتداولة مع شمال اليمن.

ما هي المشكلة في أن تكون للجنوب العربي دولة، هل هذا غريب على منطق الأشياء؟ ألم تكن هناك في السابق دولة جنوبية تحت مسمى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية؟ ألم يخرج الملايين من الجنوبيين في أكثر من مناسبة لتأييد خيار الانفصال عن اليمن؟ فأين تكمن المشكلة بالضبط؟

يمننة الجنوب

الجنوب العربي، وهذا هو اسمه الأصلي، وليس الجنوب اليمني كما يشاع خطأ، لم يكن طوال التاريخ الحديث على الأقل، جزءا من اليمن، باستثناء الفترة البسيطة التي تعرف بالوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في عام 1990. وهي الوحدة التي أدرك الجنوبيون خطأهم فيها وحاولوا الانفصال من جديد، لكنهم ووجهوا بالحرب والقوة والإصرار على ضمهم.

من واجب جميع الأطراف أن تحترم حق الجنوبيين

​​وتسمية اليمن التي ألحقت بالدولة الجنوبية تعود إلى عام 1967، وهو العام الذي استقل فيه الجنوب عن الحكم البريطاني. قبلها كانت هناك مشيخات وسلطنات وإمارات (بلغ عددها 20 تقريبا)، إضافة إلى محمية عدن التي كان لها وضعها الخاص. وكلها كانت تحمل أسماء إما تشير إلى المنطقة أو الأسرة الحاكمة أو القبيلة. وقد حاول البريطانيون ضم معظمها إلى ما بات يعرف باتحاد الجنوب العربي. لكن تسمية اليمن كانت خلوا منها جميعها. وقد أقحمها القوميون الذين كانوا يؤمنون بفكرة الوحدة، إلى الدولة الجديدة بعد سيطرتهم عليها.

شعبان مختلفان

لكن حين ننظر إلى الجغرافيا أو طبيعة السكان فإننا لا نجد أي شيء يربط محافظات الجنوب العربي باليمن. ما هو الشيء المشترك بين سكان عدن وسكان صعدة؟ وما الذي يجمع المهرة أو حضرموت مثلا بغيرها من مناطق اليمن؟ أو ما الذي يربط يافع والضالع بالمحافظات الشمالية؟

يمكن القول أيضا إن الانفصال لن يكون أمرا هينا

​​إن نسبة هذه المناطق لليمن لا يدعمها أي سند تاريخي، كما أن حدود مناطق الجنوب ثابتة ومعروفة ورسمية ولا توجد منازعات حدودية بين الجنوب العربي واليمن، والاختلافات الثقافية والقبلية والاجتماعية بين السكان هي الأخرى واضحة بما يكفي.

والأهم أن إرادة السكان في الجنوب واضحة ومؤكدة في الرغبة في الانفصال والعودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل عام 1990. فلماذا يتم تجاهل هذا الأمر والإصرار على الإبقاء على الوضع الحالي الذي ثبت أنه لم يجلب أي منفعة لا للجنوب ولا لليمن نفسه.

تحديات الانفصال

يمكن لأي محلل أن يفهم طبعا أن السياسة الإقليمية والدولية لا تحبذ فكرة استقلال الجنوب، لأن ذلك من شأنه أن يغير الكثير من المعادلات أو الخطط القائمة، كما أنه قد يخلق وضعا غير مريح لبعض الدول، فضلا عن المصاعب القانونية التي يواجهها.

يمكن القول أيضا إن الانفصال لن يكون أمرا هينا. فهناك الكثير من المصاعب التي تعترض طريقه. هناك مصاعب اقتصادية جمة، تتمثل في توفير الموارد وإعادة إعمار المحافظات الجنوبية التي عانت من التهميش والحروب، وهناك مصاعب إدارية تتمثل في إعادة تكوين مؤسسات الدولة وإعادة الخدمات وما شابه.

وهناك اختلافات مناطقية أيضا داخل الجنوب نفسه. فمن جهة لا تزال توجد حساسيات في بعض المناطق (أبين وشبوة والضالع ولحج) التي تعود إلى حرب عام 1986 بين أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني وما تلاها، كما أن هناك مطالب قديمة بالاستقلال أو الحكم الذاتي في محافظة كبيرة مثل حضرموت والتي يعتبر سكانها أنهم الأقرب إلى دول الخليج وليس لهم علاقة بالشأن اليمني برمته.

تسريح بإحسان

هذه مصاعب كبيرة سوف تواجه دون شك الراغبين في إحياء دولة الجنوب أو تحقيق الانفصال عن اليمن. لكن جميع هذه المصاعب مع ذلك لا تصلح أن تكون مبررا لحرمان الجنوبيين من حقهم في تقرير المصير، إن هم أردوا ذلك، فهذا حقهم الطبيعي، مثلهم مثل أي شعب آخر.

إرادة السكان في الجنوب واضحة ومؤكدة في الرغبة في الانفصال

​​بل من واجب جميع الأطراف أن تحترم حق الجنوبيين في ذلك، وأن تهيء الظروف المناسبة لتحقيق انفصال سلمي وحضاري، كما جرت الوحدة نفسها، ودون الحاجة إلى حروب ونزاعات، ودون الإضرار بمصالح اليمن أو الجنوب أو منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية.

وأخيرا، لا يوجد ضمان بالطبع بأن مشاكل الجنوب ستحل بالانفصال، أو أن الجنوبيين قد لا يعانون بسبب الظروف التي سوف يتم فيها، ولكن المبدأ الأساسي يظل صحيحا وهو ضرورة احترام إرادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها.

 اقرأ للكاتب أيضا: مواجهة الإخوان المسلمين هدف معارك عدن

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.