(FILES) In this file photo taken on November 09, 2019, a Shiite Huthi rebel fighter stands guard during a gathering to…

قبل ساعات قليلة من إعلان المملكة العربية السعودية في 8 أبريل عن نيّتها وقف إطلاق النار في اليمن لمدة أسبوعين قابلين للتمديد، كشف الحوثيون عن "رؤيتهم" الخاصة لإنهاء الحرب ["مقترح وثيقة الحل الشامل لإنهاء الحرب على الجمهورية اليمنية"] وبينما تركز وسائل الإعلام على وقف إطلاق النار السعودي، من المهم بنفس القدر إلقاء نظرة فاحصة على هذه الوثيقة السياسية الحوثية. 

ويحدد النص الشروط التي سيقبل الحوثيون بموجبها وقف إطلاق النار، وبالتالي قد يقدم بعض البصيرة عن السبب الذي منعهم حتى الآن من الانضمام إلى الاتفاق الأخير.

وباستثناء المشاركة في وقف إطلاق النار وإزالة الألغام الأرضية، تضع الوثيقة المكونة من ثماني صفحات العبء الكامل لإنهاء الحرب ومعالجة مسار الاقتصاد اليمني على عاتق التحالف بقيادة السعودية. ولا يمكن اعتبارها اتفاق تفاوضي مع تنازلات من كلا الجانبين، بل قائمة برغبات الحوثيين.

وتتكوّن الوثيقة من ثلاثة أجزاء رئيسية: أولا: "إنهاء الحرب" وتنفيذ "وقف إطلاق النار"، ثانيا: "إنهاء الحصار" المفروض من قبل التحالف "والتدابير والمعالجات الاقتصادية والإنسانية" [أو تخفيف الوضع الإنساني]، ثالثا: التوصل إلى تسوية سياسية من خلال "العملية السياسية اليمنية". 

الجزء الأول مكتوبٌ بلغة متوقعة نوعا ما، فهو يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، يشمل "إعادة نشر القوات العسكرية والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والذخائر" وإنهاء "جميع العمليات الموجهة ضد أراضي الجمهورية اليمنية" و "أراضي المملكة العربية السعودية". كما يدعو إلى إقامة "علاقات أخوية"، و "وقف جميع" الخطابات السلبية في البيانات العامة، وتجنب "أي أفعال أخرى قد تؤدي إلى تقويض" وقف إطلاق النار ـ وهذا كلام مقلق يمكن تفسيره بشكل مختلف من قبل الأطراف لاحقا.

وفقا للرؤية، سيكون التحالف مسؤولا عن تعويض مالكي وعمال المصانع والشركات والهيئات والمنشآت والأسواق والمطاعم وغيره

بالإضافة إلى ذلك، يشير الجزء مرارا وتكرارا إلى إنهاء جميع التدخلات الخارجية في اليمن. وبإمكان الحوثيين تطبيق هذه الصيغة على المملكة العربية السعودية، بينما يمكن أن تستخدمها الرياض ضد إيران. 

ووفقا للوثيقة، تتولى مختلف القيادات المشتركة الإشراف على "تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار" بالتعاون مع الأمم المتحدة، التي تم تحديد دورها التنسيقي بعبارات واضحة للغاية ـ ربما بسبب وجهة نظر الحوثيين بأن السعوديين لا يمكن أن يؤدوا دور المقاتل والوسيط في الوقت نفسه.

ويشكل الجزء الثاني صلب قائمة الرغبات الحوثية: "إنهاء" كل من "الحظر الجوي" و"الحصار البري" و"الحصار البحري" التي يفرضها التحالف على اليمن. ويتكرر هنا العديد من "المطالبات" الحوثية القائمة منذ فترة طويلة. وحاولت الأمم المتحدة التفاوض على بعضها في تدابير سابقة لبناء الثقة، لكن الوثيقة الجديدة لا تعطي أي إشارة إلى حل وسط محتمل. 

على سبيل المثال، تدعو إلى إعادة فتح مطار صنعاء الدولي الخاضع لسيطرة الحوثيين أمام الرحلات الدولية "المباشرة". وكان التحالف قد عارض منذ فترة طويلة السماح بمثل هذه الرحلات خوفا من استخدامها من قبل طهران كجسر جوي لإرسال أسلحة ومساعدات أخرى للحوثيين. وحاولت الأمم المتحدة التفاوض على حل وسط يسمح بإعادة فتح المطار مع الاعتراف بمخاوف التحالف، لكن رؤية الحوثيين لا تظهر أي علامة على هذه المناقشات.

وبالمثل، تدعو الوثيقة إلى إزالة الصفة العسكرية عن جميع المنافذ البرية، والتي ـ على غرار المطار ـ يمكن أن تسمح للحوثيين بتلقي عمليات نقل غير مشروعة بسهولة أكبر. كما تطلب إجراء عمليات تحقق وتفتيش في ميناء الحديدة (حيث واصلت القوات الحوثية مواجهتها المتوترة مع الحكومة لعدة أشهر) على عكس ميناء جدة، على سبيل المثال (حيث يمكن للسعوديين ممارسة المزيد من الرقابة). وعلى غرار الجزء الأول، تصر هذه المقاطع على وجوب إنهاء "التواجد الأجنبي" في الموانئ اليمنية.

يشكل الجزء الثاني صلب قائمة الرغبات الحوثية: "إنهاء" كل من "الحظر الجوي" و"الحصار البري" و"الحصار البحري" التي يفرضها التحالف على اليمن

ويستمر الجزء الثاني بشكل أكثر إثارة للجدل بالتطرق إلى دفع المرتبات وإعادة الإعمار والتعويض [عما سببته] الحرب. ولطالما دعت الأمم المتحدة الحكومة أو مؤيدي ائتلافها إلى دفع مرتبات الموظفين العموميين في الشمال وفقا لقوائم الرواتب لعام 2014. ومع ذلك، تأخذ الوثيقة الجديدة هذا الأمر أبعد من ذلك، بإشارتها إلى أنه من الضروري أيضا أن تفتح قيادة دول التحالف اعتمادا مستنديا خاصا بصرف المرتبات لمدة عشر سنوات قادمة، حتى تعافي الاقتصاد اليمني.

بالإضافة إلى ذلك، يقول الحوثيون بأنه يتوجب على دول التحالف الالتزام بتعويض جميع المتضررين من الحرب وإعادة الإعمار وترميم جميع المباني التي تضررت من القتال ["وتعويض كل من تم قصف منازلهم من قبل دول التحالف أو من ينتسب إليها"]. ولا يوجد توضيح بشأن ما إذا كان ذلك يشمل ضحايا هجمات الحوثيين أو المباني التي دمرها الحوثيون. 

ووفقا للرؤية، سيكون التحالف مسؤولا عن تعويض مالكي وعمال المصانع والشركات والهيئات والمنشآت والأسواق والمطاعم وغيرها، وكذلك التزام دول التحالف بمعالجة "الآثار المباشرة وغير المباشرة" التي لحقت بالمواطن اليمني، وجبر الضرر، ودعم الاقتصاد، ومعالجة وتعويض الجرحى والمعاقين والمرضى وأسر "الشهداء" ممن تم استهدافهم أثناء الحرب. 

وبالطبع، فإن السعودية وأعضاء التحالف الآخرين كانوا مستعدين فعلا لدفع مبالغ كبيرة لإعادة الإعمار بعد الحرب، لكن الرؤية تدعو بشكل استفزازي إلى نظام يشبه التعويضات التي قدمها صدام حسين للكويت بعد غزوه لها عام 1990. وقد يَنظر السعوديون إلى مثل هذه اللغة على أنها بمثابة استسلام كامل، مما يجعلها على الأرجح محكوم عليها بالفشل.

تخلى الخوثيون عن انتمائهم المعتاد إلى "أنصار الله"، واختتموا وثيقة الرؤية باسم بديل وحتما استفزازي وهو "الجمهورية اليمنية بصنعاء"

ويستمر الجزء الثاني في مناقشة إمكانية تشكيل خلية عمليات مشتركة لمواجهة فيروس كورونا المستجد، على الرغم من أنه ينص على التزام الأمم المتحدة ودول التحالف بصورة كاملة بتقديم كافة الاحتياجات من أجهزة طبية وأدوية وجميع الاحتياجات الأخرى ذات الصلة. 

وفي الواقع، تعكس الوثيقة كيف يعمل الحوثيون حاليا في شمال اليمن ـ مع توقع تحمل أطراف أخرى عبء تلبية احتياجات الناس. ولا يوجد تظاهر بأن الحوثيين أنفسهم يتشاركون في أي التزام لتوفير المعيشة للأشخاص الذين يعيشون في الأراضي التي استولوا عليها.

أما الجزء الثالث فهو الأقصر بين أجزاء الرؤية، ويشير فقط إلى وجوب قيام الأمم المتحدة بإطلاق محادثات بين المتفاوضين اليمنيين من أجل التوصل إلى تسوية سياسية بعد التشاور مع الجانبين. والطلب المحدد الوحيد، مجددا، هو عدم تدخل أي دولة في مجريات هذا الحوار، وربما يشير ذلك إلى التأثير السعودي على الحكومة اليمنية. 

وأبرز ما فيه هو الجملة الأخيرة التي تنص على وجوب طرح مخرجات العملية السياسية للاستفتاء الشعبي وفقا للدستور اليمني. وهذا مطلب جديد، إذ كان الحوثيون مكتفين في السابق بإجراء انتخابات بعد عام أو عامين من تشكيل حكومة انتقالية.

وأخيرا، فحتى خانة التوقيع على الوثيقة تُظهر مدى الجرأة التي اكتسبها الحوثيون بفعل التطورات الأخيرة. فالاتفاق المقترح مثلا هو مع دول التحالف وليس مع حكومة هادي، كما أنهم تخلّوا عن انتمائهم المعتاد إلى "أنصار الله"، واختتموا وثيقة الرؤية باسم بديل وحتما استفزازي وهو "الجمهورية اليمنية بصنعاء".

المصدر: منتدى فكرة

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.