A displaced Syrian woman and her daughter visits a grave of a relative in the town of Ariha in the northern countryside of…

مع مرور الذكرى التاسعة لبدء الثورة السورية، فإن أي جردة حساب لما أنجزته الثورة السورية تشير إلى أن الأمر الثابت هو أن سوريا تحولت إلى أرض تتنافس عليها الدول القريبة والبعيدة وباتت حقل تجارب لمشاريع وأفكار متناقضة تمول من الخارج وتعتاش على دماء السوريين. صمت وضعف ولا مبالة عالمية ودولية تجاه مأساة إنسانية لم يحدث مثلها من قبل التاريخ الحديث.

النظام مستعد لقتل كل السوريين، حتى مؤيديه، مقابل البقاء في سلطة وهمية. يستمد وجوده من الدول التي يعطيها الغطاء القانوني لبناء قواعد عسكرية واقتصادية واجتماعية في سوريا مقابل تدمير البلاد بكل ما فيها من مجتمع واقتصاد وبنى تحتية، ومعارضة سياسية تمثل من يتبناها وتخشى أن تتخذ موقفا صريحا مما يجري حتى لا تفقد رعاية الداعم وبالتالي تفقد ما تعتقده أنه الشرعية التي لا ترى أن مصدرها من الشعب الذي يدفع الثمن يوميا داخل وخارج سوريا دون سبب مرتبط بقضيته.

لا يمكن للشعب السوري، المعارضون ومن يعيشون في مناطق سيطرة النظام، أن يغيروا هذا الواقع. فما يجري في سوريأ تجاوز منذ زمن الثورة السورية ومعركة نظام ضد شعبه؛ ما يجري الآن هو حرب بين دول تدعي كل منها أنها تدافع عن السوريين. ولن يتغير هذا الأمر الا عند وجود قيادة سياسة سورية مستقلة سياسيا ولها امتداد إقليمي لها، وتحظى بدعم شعبي؛ لكن لا يوجد مؤشر أن هذا سيحصل قريبا. 

النظام السوري مستعد لقتل كل السوريين، حتى مؤيديه، مقابل البقاء في سلطة وهمية

حتى حصول ذلك، نبقى نحن السوريين نتأمل أن تتعامل الدول الأكثر قربا من الثورة السورية بطريقة تخدم مصالحها ومصالح السوريين بنفس الوقت، وهنا أعني تركيا والولايات المتحدة الأميركية.

استطاعت تركيا أن تدمر جزء كبير من القوات العسكرية للنظام الأسد في أيام قليلة ورفضت طريقة تعاطي روسيا مع الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين في سوتشي. كان الدافع الرئيسي للتحرك التركي هو منع دخول المزيد من السوريين إلى ادلب هربا من قصف النظام وروسيا. أظهرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لأسباب لا علاقة لها بالأزمة السورية مباشرة، دعما وودا لتركيا في عمليتها العسكرية وهو ما كان مفقودا لفترات طويلة.

وقعت تركيا وروسيا اتفاقا جديدا لمنطقة إدلب أخذت فيه روسيا ما تريده من أراض مقابل وقف إطلاق يعتقد كثيرون أنه مؤقت ولكنه يوقف حركة النزوح السوري إلى تركيا ولا يحقق أي فائدة حقيقية للسوريين سوى أنه يؤجل قتلهم لعدة أشهر.

مع انتشار وباء كورونا وتهديده لأكثر من 7 ملايين سوري في كل الشمال السوري، حيث لا يوجد فيه مشافي ولا تجهيزات طبية ولا الحد الأدنى من القدرة على التعامل مع هذا الوباء، فإن توسع انتشار الوباء في الشمال السوري، سيعني أن ما جرى ويجري في الصين أو أوروبا هو "بروفة" بسيطة لما سيحصل في الشمال السوري، لجهة عدد القتلى وسرعة الانتشار.

وما يزيد من سوء الأمور هناك من يحكم هذه المنطقة من منظمات وأشخاص يتبنون أفكارا متطرفة وخارجة عن سياق التاريخ وبعيدة عما يريده المجتمع السوري. وهذه المنظمات بتوجهاتها الفكرية المتناقضة تمثل نسخة مصغرة عن طريقة تفكير النظام السوري الذي لا يبالي إلا ببقائه على حساب من يدعي أنه يمثلهم.

على تركيا والدول الأوروبية، التي تخاف من موجة جديدة من اللاجئين، أن تساعد السوريين لحمايتهم من هذا المرض والعمل الجدي والسريع على إعادتهم إلى أراضيهم. هذا يعني أن تفكر تركيا بطريقة مختلفة لتنفيذ الاتفاق الأخير مع روسيا بحيث يحقق أهداف تركيا بمنع النزوح السوري إلى أراضيها وتطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبنفس الوقت حماية أرواح السوريين من هذا الوباء ومساعدتهم على إيجاد ظرف سياسي لاحقا لمواجهة النظام وهذا يتضمن ما يلي:

ـ اعتبار تركيا، بدعم سياسي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أن منطقة وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها بين تركيا وروسيا هي منطقة حظر لطيران النظام وروسيا مما يعني أن المنطقة ستكون آمنة وهذا سيشجع النازحين إلى العودة إلى مناطقهم والابتعاد عن مناطق النزوح التي تشهد كثافة سكانية كبيرة حيث يتواجد على الحدود مع تركيا أكثر من مليوني شخص نزحوا خلال شهرين وهم الآن في مخيمات بدون أي نوع من الخدمات الأساسية مثل الماء.

المنظمات الحاكمة للشمال السوري تمثل بتوجهاتها الفكرية نسخة مصغرة عن طريقة تفكير النظام السوري الذي لا يبالي إلا ببقائه

ـ تعاون أمني عسكري تركي أميركي لمحاربة "جبهة النصرة" وباقي التنظيمات الإرهابية في منطقة إدلب الكبرى. وهذا سيساعد السوريين قبل غيرهم على استعادة الحياة بعيدا عن المتطرفين ويسحب الذريعة الروسية الدائمة لقصف المدنيين مع ضرورة وقف دعم تركيا لأي جماعة ومنظمة إسلامية.

ـ دعم دولي للمنظمات غير الحكومية مثل الخوذ البيضاء ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الطبية السورية مثل SAMS لمساعدة النازحين بالعودة الى مناطقهم بأسرع وقت ممكن وتقدم ما يلزم من توعية صحية بخصوص الوباء.

وفي نفس الوقت، على دول التحالف الدولي لمحاربة "داعش" إقناع قوات قسد بإبعاد كل قيادات حزب العمال الكردستاني من منطقة شمال شرق سوريا، وتطبيع العلاقة بينها والجانب التركي. حيث لن يستطيع النظام السوري ولا روسيا ولا إيران تقديم أي مساعدة لمناطق شمال شرق سوريا في حال انتشر هذا الوباء. وهذا الإبعاد، يفترض أن يكون كخطوة ضرورية لإيجاد آلية للتعاون بين كل مناطق شمال سوريا بعيدا عن كل المنظمات الإرهابية ودمج مشاريع مكافحة وباء كورونا وتطوير مشاريع بنى تحتية صحية تشمل كل الشمال السوري لمكافحة الوباء ولتكون نواة حقيقة لمنظومة سياسية شعبية قابلة وقادرة على تقديم نفسها بديلا عن نظام الأسد على أسس وطنية سورية جامعة.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.