A French woman named Um Muhammad, 30 , walks at the section reserved for foreigners, inside the Kurdish-run al-Hol camp for the…
سيدة فرنسية تدعى أم محمد في مخيم الهول المخصص لعائلات مقاتلي "داعش"

في الجزء الأول من هذا المقال، طرحت تساؤلا عن خصائص "النصر الإلهي" الذي يدعي الجهاديون أنهم موعودون به في ظل الهزائم المتتالية التي تتلقاها الجماعات الجهادية في كل مكان واستعرضت التفسيرات الواهية التي يسوقها دعاة الجهاد لتبرير تأخر "النصر المبين".

كما طالبت دعاة الجهاد بمراجعة منهجهم وعدم إسقاط الوعود القرآنية على الجماعات التي ينتمون إليها والتوقف عن الزج بالشباب المسلم في أتون حروب عبثية لا يملكون فيها أدنى مقومات الانتصار.

وكعادة دعاة الجهاد وأنصارهم في التعامل مع الأطروحات التي تفضح تناقضاتهم وتكشف أساليبهم القذرة في تضليل الشباب والمتاجرة بأرواحهم فإنهم يلجؤون إلى التشكيك في دوافع الكتاب ونواياهم بدلا عن تفنيد حججهم ومقارعتها بالدليل والمنطق.

وتنحصر تعليقاتهم في اتهام من يعجزون عن مواجهتم بكراهية الإسلام والحقد على المسلمين والعمالة للغرب ظنا منهم بأنهم حين يشككون في نوايا الكتاب فإنهم يقللون من الأثر الذي قد تتركه كتاباتهم في نفوس القراء.

لم يكن مركز تحفيظ القرآن هو المكان الوحيد الذي يغذي تطرفي بل لعبت المقررات الدينية في المدرسة دورا كبيرا في ذلك

وبما أنني قد قدمت في الجزء الأول تحليلا اعتمدت فيه على خبرتي في مجال دراسة ومتابعة التنظيمات الجهادية، فقد قررت في هذا الجزء عرض تجربتي الشخصية مع دعاة الجهاد الذين كنت أحد ضحاياهم وكشف أساليبهم القذرة في تضليل الشباب المسلم باسم الجهاد وأوهام "النصر الإلهي" عبر منظومة تهدف لضمان استمرارية مد التيار الجهادي بمؤدلجين مغسولي الأدمغة تم خداعهم باسم الدين وإيهامهم بأنهم جند الله الموعودون بنصره.

تجربتي الأولى مع دعاة الجهاد كانت في فترة المراهقة التي عشتها في مدينة جدة حين شاركت في مخيم صيفي نظمه مركز تحفيظ القرآن الذي كنت أحد طلابه. في تلك الرحلة التي استمرت أسبوعا، تعلمت العديد من الأدبيات الجهادية كالإعداد البدني والنفسي بتعلم فنون القتال والتناوب على الحراسة ليلا واستمعت إلى الكثير من المحاضرات والدروس الدينية في فضل الجهاد في سبيل الله وعلو منزلة الشهداء عند الله.

Lebanese anti-government protester flashes the victory sign in front of a burning roadblock during a demonstration in Beirut on…
الشرق الأوسط بعد كورونا... "مزيد من الشيء ذاته"
لا يبدو أن تغيرا عميقا سيطرأ على وجهة تطور الأحداث في المنطقة العربية بعد أن مرور "عاصفة كورونا"، وأغلب الظن، أن جملة الأزمات المركبة التي مرت بها المنطقة، لا سيما في السنوات العشر الأخيرة، ستواصل تفاقهما، وبشروط قد لا تكون مواتية تماما لمعظم إن لم نقل جميع اللاعبين من الداخل والخارج

في تلك الرحلة أيضا، حرص دعاة الجهاد على التحريض ضد الغرب والترويج بأنه العدو الأول للإسلام والمسلمين وأنه يشن "غزوا فكريا" ضد المسلمين بنشر ثقافته حول العالم والترويج للرذيلة والانحلال عبر الأفلام والأغاني والمسلسلات وأن السبيل الوحيد لمواجهته يكمن في التمسك بما كان عليه السلف والحرص على إعداد العدة لقتاله والانتصار عليه أو الموت في سبيل ذلك.

تغيرت تماما بعد تلك الرحلة وأصبحت متشددا أنظر إلى الحياة من منظور ضيق فتوقفت عن الاستماع إلى الموسيقى واستبدلت أشرطة الأغاني بأناشيد إسلامية بمحاضرات دينية وأجبرت شقيقاتي على ارتداء النقاب وبدأت أقرأ الرسائل والكتب المتوفرة في مكتبة المسجد في ذلك الوقت والتي كانت غالبيتها عن تجارب المجاهدين العرب في أفغانستان و"المعجزات" و"الكرامات" التي يدعون أنهم رأوها أثناء قتالهم ضد قوات الاتحاد السوفياتي.

تأثرت كثيرا بقصص "المجاهدين" العرب وصدقت رواياتهم عن قتال الملائكة معهم وتسخير الله للظواهر الطبيعية كالأمطار والعواصف الترابية لحماية المجاهدين ومنع الأعداء من استهدافهم أو الوصول إليهم.

في تلك الرحلة أيضا، حرص دعاة الجهاد على التحريض ضد الغرب والترويج بأنه العدو الأول للإسلام والمسلمين

لم يكن مركز تحفيظ القرآن هو المكان الوحيد الذي يغذي تطرفي ويدفعني نحو التشدد أكثر فأكثر بل لعبت المقررات الدينية في المدرسة دورا كبيرا في ذلك. مقرر التوحيد، على سبيل المثال، وهو من تأليف مؤسس الوهابية محمد بن عبد الوهاب يعج بتكفير الطوائف والجماعات الإسلامية كالشيعة والصوفية والأحمديين والبهائيين وغيرهم، ومقرر الفقه يؤكد كفر تارك الصلاة ومقرر التفسير يحرم الاستماع إلى الأغاني.

أما مقرر صور من حياة الصحابة والتابعين الذي استخدم مؤلفه الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا أسلوب التشويق في الترويج للصحابة والتابعين فقدمهم كأبطال يملكون قوى خارقة وأفرط في تعظيم قصص إسلامهم وجهادهم واستشهادهم حتى تمنيت لو أنني عشت في عصرهم وعاهدت نفسي على الاقتداء بهم.

ومن القصص التي كان لها أثر كبير في نفسي قصة البراء بن مالك الذي يصفه الجهاديون في أدبياتهم بأنه "أول انغماسي في الإسلام" نسبة لما ورد في كتب التراث عن الدور الذي قام به في معركة اليمامة حين احتمى جيش مسيلمة بحصن عجز جيش خالد بن الوليد عن اقتحامه.

جاء في الكتاب: "عند ذلك تقدم مغوار المسلمين الباسل البراء بن مالك وقال: يا قوم، ضعوني على ترس وارفعوا الترس على الرماح ثم اقذفوني إلى الحديقة قريبا من بابها فإما أن استشهد وإما أن أفتح لكم الباب. وفي لمح البصر جلس البراء بن مالك على ترس، فقد كان ضئيل الجسم نحيله ورفعته عشرات الرماح فألقته في حديقة الموت بين الآلاف المؤلفة من جند مسيلمة فنزل عليهم نزول الصاعقة وما زال يجالدهم أمام باب الحديقة ويعمل في رقابهم السيف حتى قتل عشرة منهم وفتح الباب وبه بضع وثمانون جراحة من بين رمية بسهم أو ضربة سيف فتدفق المسلمون على حديقة الموت من حيطانها وأبوابها وأعملوا السيوف في رقاب المرتدين اللائذين بجدرانها حتى قتلوا منهم قريبا من عشرين ألفا ووصلوا إلى مسيلمة فأردوه صريعا".

التصدي لدعاة الجهاد وكشف فساد معتقدهم واجب أخلاقي على عاتق أنصار السلام

وبالإضافة إلى دور المسجد والمقررات الدراسية في تعزيز التطرف لدي، ساهمت الأناشيد الإسلامية بجزء كبير في ذلك من خلال الأبيات الشعرية التي تُعلي من شأن الجهاد والمجاهدين وتروج للجهاد والاستشهاد في سبيل "إعادة أمجاد" الأمة الإسلامية.

وهكذا استطاع دعاة الجهاد الإيقاع بي وبالآلاف من أبناء جيلي الذين قضى بعضهم في حروب عبثية ويقضي البعض الآخر أحكاما بالسجن بتهم متعلقة بالإرهاب أما من حالفهم الحظ من أمثالي بالتخلص من تلك الأفكار الهدامة عبر القراءة والاطلاع والتفكير النقدي وإعمال العقل فإنهم أكثر من يخشاهم دعاة الجهاد لقدرتهم على كشف تناقضاتهم وأكاذيبهم وأساليبهم القذرة في التغرير بالشباب المسلم باسم الجهاد.

إن التصدي لدعاة الجهاد وكشف فساد معتقدهم واجب أخلاقي على عاتق أنصار السلام في كل مكان عموما وعلى الناجين من براثن التطرف على وجه الخصوص ومن الضروري أن تتضافر الجهود لمحاربة من يخدعون الشباب المسلم باسم الدين ويبيعونهم أوهام "نصر مبين" لا وجود له إلى في مخيلاتهم.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.