(FILES) In this file photo taken on April 24, 2009, Iraqi architect Rifat Chadirji takes a night walk by the sea near his house…
رفعة الجادرجي، إذ التزم توجيهات والده على مدى حياته، لم يفهم التواضع على أنه الرضوخ

عندما يتحقق الإنجاز، حين يتضح الإبداع، يمتنع الإنكار، ويحصل الإقرار. رفعة الجادرجي أنجز وأبدع، لعراقه ولعالمه.

في الإعلام، وعلى مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، والتي عادة ما تنضح بالإسقاط والتجريح، الغالب في التعليقات حول وفاته هو التقدير والاحترام. يبدو أن هذا الراحل، بميراثه الباقي، قد صحّح بعض ما اعتل.

وإذا كان ثمة من لا يروقه بعض ما رآه هذا المعماري الكبير والمفكّر الفذ والناشط الكريم فإن اعتراضه يبقى همسا وحسب، لا يعكّر صفو الحِداد.

رحيل رفعة الجادرجي هو لحظة تأمل واعتبار، استحقها الرجل، ويستوجبها القرن، أو ما يقارب، والذي عاشه وعايشه. قرن الأمل، وخيبة الأمل. قرن التعويل على التقدم والتطور والعلم، وقرن الإمعان بالغيبية والأهوائية والعقائدية. من هذا القرن الملتبس، اختار رفعة الجادرجي الأمل والعلم. بإصرار، بل بقطعية.

اسمه هو "رفعة"، وليس "رفعت". كان قوله: لفظها كما العادة مع إظهار التاء، ولكن كتابتها بالعربية، لا التركية!

العراق هو أصل الحضارة. لا بمقياس الجوار والمنطقة، بل على مستوى العالم ككل. ليس أن الحضارة لم ترَ النور من بعده خارجه. فالصين أنتجتها دون عودة إلى العراق. وكذلك بزغت حضارة المايا في أميركا الوسطى، وإن اندثرت لاحقا بفعل الغزو والتدمير. أما ما عدا هذه وتلك، فالحضارة في العالم أجمع تعود بأشكالها وأطرها ورموزها وأحرفها إلى هذا العراق بين النهرين.

ليس أن العراق بقي القلب النابض للحضارة العالمية التي أشرقت منه. بل كان قلب الحضارة جوالا، يغرّب طورا لحقبات تطول ويجنح شرقا لوهلات تكاد اليوم ذكراها أن تغيب، في ترحال يبدو أنه تعب في القرون الماضية فكاد أن يستقر في الغرب. على أن الغرب غرب، لأنه غرب العراق.

وهذا العراق، وإن طال سباته، يستفيق بين الحين والآخر ليذكّر العالم بأصوله. وَمَضَ في أواسط القرن الماضي، ليطلق العنان لزخم فني ثم معماري، خارج عن سياق تغليب الكلمة على حساب الصورة، والمعنى على حساب الرمز، والوعي على حساب الروح.

رفعة الجادرجي هو نتاج هذه الومضة. وكذلك محمد مكية. وكذلك زها حديد. إضافات معمارية من أرض الرافدين للأرض جمعاء.

(FILES) In this file photo taken on April 24, 2009, Iraqi architect Rifat Chadirji is pictured at his home office in the…
الجادرجي والعراق اليباب
بالنسبة للمعماري العراقي الراحل رفعت الجاردجي، الذي وافته المنية قبل أيام قليلة في العاصمة البريطانية لندن، كانت العمارة رؤية ووعيا فلسفيا، لنمط علاقة البشر ببعضهم وفهمهم لأحوالهم وقراءتهم لكامل الوجود، أكثر من كونها مهنة أو حرفة، أو حتى صنعة جمالية

رفعة الجادرجي، إذ أبصر النور في عراق ناهض يعتنق الحضارة التي كان أول من أعلاها، أبصر الأنوار في الغرب الذي اعتلى بها، فجاءت مساهمته لتعارض بين هذا وذاك، ولتوافق بين هذا وذاك. هو هنا ابن عراق متصالح مع الغرب. ولكنه أولا ابن والده، كامل الجادرجي.

أهمية كامل الجادرجي في تاريخ العراق الحديث هي في دعوته إلى وطنية سابقة لأي طرح يتجاوزها. في زمن كانت الدولة الوطنية فيه، في نظر العديدين، وليدة استعمار يسعى إلى تفتيت كلٍ غير متضح السمات والملامح (قومي؟ ديني؟ مكاني؟ ولائي؟)، كانت، بالنسبة لكامل الجادرجي، هي الإطار الواقعي البنّاء للسير قدما، دون أن ينتفي التواصل مع ما عداها، ودون أن ينقطع التعاقب مع ما سبقها.

ما التزم به كامل في الفكر والسياسة، مارسه ابنه رفعة في التصميم والمعمار. إبداعه يمد الأيدي ليبقى ممسكا بالتراث زمانيا ومتآلفا مع الآخر في الخارج مكانيا، ولكنه لا يخسر مادته وما تقتضيه، ولا صوته وصورته، بل يأتي تعبيرا ناضجا حديثا عن أصالة متجددة.

حتى في المعمار، ثمة من يختلف، بين من يرى بأن التأصيل قاصر، ومن يعتبر أنه في استدعاء الخارج تقصيرا.

على أن الميراث الأول من كامل لابنه هو أنه قد أتاح له التفكير والاعتبار خارج الأطر القائمة.

العراق هو أصل الحضارة. لا بمقياس الجوار والمنطقة، بل على مستوى العالم ككل

عند المقارنة بين ثبات الإسلام في المجتمعات التي يغلب انتشاره فيها، وتراخي المسيحية في الغرب مثلا، يطيب للعديد من المفكرين المسلمين الإشارة إلى الزخم الإيماني السائد في أوساط المسلمين، والناتج عن القناعة بصواب هذا الدين، كسبب رئيس لنجاح الإسلام حيث فشل غيره. لا حاجة لنقد هذه المقولة أو نقضها. على أنه ثمة ما يصلح بديلا عنها، أو على الأقل يتممها، وهو مدى الاستثمار الذي تقتضيه الأشكال السائدة من الدين الإسلامي، من كل مسلم، في الوقت والجهد والسلوك، ما يضمن الالتزام والثبات، بغضّ النظر عن المحتوى، إذ في الشك والتراجع إقرار بهدر هائل يصعب على معظم الناس القبول به.

القرن الماضي لم يأتِ بالجديد في شأن اقتصار الالتزام الديني الأقصى على القلة. فهذا هو حال الناس على مدى العصور. جديد القرن الماضي، بمساهمة من أنوار الغرب والتي جاءت إلى "الشرق" لتؤكد المستتب وتمنحه لغة التعبير، هو أن التصريح بغياب الإيمان لم يعد إعلانا بالخروج عن الجماعة. وجديده أيضا بأنه ثمة جيل قد نشأ دون الإيغال بالاستثمار الذي يقتضي الذب دون اعتبار. فالجماعة بالأمس، إذ كان زعم تعريفها يصرّ، اختزالا وتعسفا، على أنها جماعة قائمة على الدين والإيمان، لم تخلُ قط من اعتبارات العصب والنسب والجوار والمصلحة، مهما كانت الصيغة التي يجري ضمنها تضويب هذه الاعتبارات. أما الجماعة مع قيام الدولة الوطنية، فلم تعد قائمة على زعم الوحدة الإيمانية، بل واقع الوحدة المكانية.

رفعة الجادرجي، إذ أعلن رفضه للإيمان بالغيبيات والأديان، دون تحفظ والتفاف، وإذ مارس الخير والإحسان بسلوكه وتفاصيل حياته، يعكس النتاج غير القابل للإعادة لهذا القرن.

ليس هذا النتاج "نشر الإلحاد" (على الالتباس بمعنى كلمة الإلحاد والتي تقتصر في الاستعمال الاصطلاحي الإسلامي على نفي النبوة، لا للإله، والتي تقوم اليوم مقام مصطلحات أكثر دقة وأقل انتشاراً، الدهرية، اللاإلهية، اللاأدرية، اللافقهية، وغيرها). هذا النتاج هو وحسب الإقرار بأن وجود المسجد أو الكنيسة أو المعبد في بلدة أو تجمع سكني لا يعني الإجماع في أوساط السكان على الإيمان. بل الحقيقة الدائمة، أمس واليوم وغدا، هي أن البعض مؤمن وسوف يستمر على إيمانه مهما تكاثر التشكيك بقناعاته، والبعض رافض للإيمان ولن يرغم عليه مهما ارتفع التهديد بسوء العاقبة.

An image grab from a handout video released by the Iraqi Prime Minster's Office shows Prime Minister-designate Mustafa Kadhemi…
من الزرفي إلى الكاظمي: التبعات على السياسات الأميركية
الزرفي والكاظمي من المعتدلين السياسيين والقوميين العراقيين الذين تربطهم علاقات جيدة بشركاء بغداد الدوليين. وكلاهما أيضا في محل شكوك عميقة من قبل المؤسسة الأمنية الإيرانية بسبب علاقتهما المقرّبة جدا من الولايات المتحدة

لا شك أن رفعة الجادرجي كان قطعيا في رفضه للإيمان. على أن القطعية سمة شخصية له وحسب. أستعيد هنا حادثة رواها لي الراحل حول اعتراضه إذ كان شابا على شعيرة دينية لإحدى قريباته، في حضور والده، فما كان من كامل الجادرجي إلا أن نبّه ابنه إلى وجوب التواضع والاحترام، وإلى أن القناعات عرضة للنقد لا للتسفيه.

كامل الجادرجي كان هو أيضا من أصحاب الفكر الحر. جالس معروف الرصافي وعمل على تدوين كتاب "الشخصية المحمدية"، وهو محاولة استشفاف لنشأة الإسلام، محكومة بالتوجهات الفكرية التي كانت شائعة في منتصف القرن العشرين.

ولكن رفعة الجادرجي، إذ التزم توجيهات والده على مدى حياته، لم يفهم التواضع على أنه الرضوخ. واقعة أخرى من حديثه تكشف عن أسلوبه في التعامل مع الآخر، إذ يمنح الاحترام ويطالب به في آن واحد.

كان رفعة الجادرجي قد دعي لإلقاء محاضرة في إحدى الجامعات الأردنية، ومحاضراته مشهورة بطول مدتها وعمق مضمونها، وما تقتضيه من حاجة للتركيز من جانب المحاضر والحضور في آن واحد. وصادف أن المحاضرة كانت في شهر رمضان. وصل رفعة الجادرجي إلى المنبر، وكاد أن يهمّ بإلقاء المحاضرة، إذ لاحظ غياب كوب الماء. طلب من المعدّين أن يحضروه له. رفضوا، مشيرين إلى أن الوقت هو وقت صيام، ولا بد من مراعاة الصائمين. هل هي مراعاة طوعية، أم هل هي حكم مفروض؟ أما أن يحضر كوب الماء، وألقي المحاضرة، أو أن يغيب كوب الماء ولا محاضرة. حضر كوب الماء، وفي وسط المحاضرة الطويلة، شرب منه رفعة الجادرجي.

أستاذ رفعة، لمَ الإصرار؟ جوابه أن المسألة ليست تحديا، بل هي دوما اختيار وموازنة للاعتبارات. هو لم يطالب أحد بألا يصوم ولا أرغم أحد أن يأتي للاستماع إليه. أما أن يطالب هو بأن يعطش، ليوهم من يريد هذا الوهم أنه صائم، فهو أمر لا يقبله.

حياة رفعة الجادرجي، وإنجازه، وفكره، ومواقفه، هي الدليل على أن الحضارة مستمرة

رفعة الجادرجي كان صارما في تنظيمه لحياته، كصرامته في ترتيبه لأفكاره، مدركا لموقعه عند تقاطع الأزمنة والأمكنة والتوجهات، ومصرا على انتظام التفصيل قبل الإجمال. حتى اسمه. هو "رفعة"، وليس "رفعت". كان قوله: لفظها كما العادة مع إظهار التاء، ولكن كتابتها بالعربية، لا التركية!

عام 2004، يوم أريد للعراق علم جديد لإخراجه من سلالة الإعلام البعثية، والتي أقحم فيها طاغية الأمس عبارة دينية، بلغته الدعوة باقتراح تصميم. علم رفعة الجادرجي كان خروجا كاملا عن المألوف، باختيار الألوان والرموز، وتجاوزا للقواعد المتبعة في صياغة الأعلام. زال توالي الأبيض والأسود والأحمر والأخضر، والذي اشترطته التوجهات القومية العربية بأمسها، وزال التوازن في توزيع الشرائط، كما هو حال معظم أعلام العالم، لتحل محلها رواية بالرموز لوطن وحضارة وموقع في العالم وفي التاريخ.

البعض، لهوسه بإسرائيل، ضاع في أوهامه حول مؤامرة جديدة يسعى إليها الرجل على ما يبدو، وأضاع قراءة ما كتبه الرجل في اعتباره للتراث الثري لوطنه.

علم العراق اليوم هو علم البعث، وإن شُتتت النجوم. بل هو علم صدام، فما خطته يده بعد أم معاركه ما زال في صدر العلم. العزاء، على ما يبدو، هو أن المؤامرة قد فشلت.

لا بأس. حياة رفعة الجادرجي، وإنجازه، وفكره، ومواقفه، هي الدليل على أن الحضارة مستمرة. طابت ذكراك، أستاذ رفعة.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.