US President Donald Trump speaks during the daily briefing on the novel coronavirus, which causes COVID-19, in the Rose Garden…

 ليس من السهل الدفاع عن سياسة الرئيس في الولايات المتحدة إذا كان من الحزب الجمهوري، فمن "المسلّمات" التي يروّجها اليسار الأميركي الجديد، الذي يهيمن على أغلب وسائل الإعلام ويسيطر على الأوساط الثقافية في الكثير من الجامعات ويتحكّم بهوليوود، أن جمهور هذا الحزب هو من محدودي الثقافة من البيض في ولايات الداخل الأميركي بينما يتركّز "المثقفون" في الولايات المطلّة على المحيطين الأطلسي والهادي، وما على الأميركي إذا أراد أن يثبت أنه من هؤلاء المثقفين سوى مهاجمة ترامب وجورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني. وعلى طريقة الأيديولوجيين العرب يأخذ هذا الهجوم طابعا شخصيا يتم فيه رفض كل ما قام به هؤلاء، بعكس المواقف السياسية الرصينة والناضجة التي يتم اتخاذها اعتمادا على السياسات بحيث من الممكن تأييد قرار معين لأحد الرؤساء ومعارضة قرار آخر له.

وتجلّى ذلك بأوضح صوره في هجوم الإعلام المتواصل على تعامل ترامب مع وباء كورونا، حين بذل جهده من اليوم الأول لتحميله مسؤولية كارثة صحية سبّبها وباء فيروسي دخل الولايات المتحدة من الخارج وانتشر فيها وفي غيرها من الدول، وفي نفس الوقت عمل هذا الإعلام على تبرئة الصين المسؤولة الحقيقية عن هذا الوباء عندما "كذبت بشأن تفشّي المرض وعاقبت الأطباء وأخفت الصحفيين الذين قالوا الحقيقة" كما قال ريتش لوري في مجلة بوليتيكو، بل حاول هذا الإعلام تحسين صورة الصين عبر تسليط الضوء على استعراضاتها الإعلامية مثل إرسال طائرة مساعدات طبية مشكوك في فعالية محتوياتها لبعض الدول، وتصوير ذلك كانتصار أخلاقي لهذا النظام الشمولي، وبما يرون أنه يؤشّر إلى قرب قدوم القرن الصيني الذي يبشّر به "المفكّرون" اليساريون عبر هذا الإعلام نفسه.

في طريقة مباشرة فجّة بعيدة عن الاحترافية كان هذا الإعلام يتبنّى دوما مواقف معاكسة لكل ما يقوله أو يقوم به ترامب

أول انتقاداتهم تطال ما يعتبرونه التأخّر في إيقاف الرحلات الجوية القادمة من الصين، مع أن الرئيس ترامب أصدر أمرا في 31 يناير بمنع فيه دخول الأجانب الذين كانوا في الصين قبل أسبوعين من هذا التاريخ، وفي ذلك الوقت لم تكن هناك حالة وفاة واحدة من كورونا خارج الصين، مع أن هذا القرار لم يكن سهلا، ففي نفس هذا الشهر وصلت إلى الولايات المتحدة 1300 رحلة مباشرة من الصين بمعدل 43 طائرة يوميا، وكان 25 في المئة من ركابها مواطنون أميركيون لا يمكن منع عودتهم لبلادهم، وأحدهم هو الذي نقل إلى سياتل أول إصابة بكورونا للولايات المتحدة. وأعقبتها إدارة ترامب بإيقاف الرحلات الجوية مع أوروبا، مع أن تأثير هذه القرارات يقتصر على تأخير دخول المرض لعدة أيام، لأن حصر وباء فيروسي سريع العدوى ضمن بقعة جغرافية واحدة مع التداخل البشري الواسع في هذا العصر يعتبر مهمة شبه مستحيلة.

بعدها توجهت الانتقادات للإدارة لعدم كفاية الأسرّة وأجهزة التنفس الاصطناعي ومعدات الحماية الفردية وأجهزة تشخيص الإصابة بفيروس كورونا لمواجهة مثل هذا الوباء، كان الإعلام يريد تحميل الإدارة الحالية مسؤولية عدم وجود احتياط استراتيجي لمواجهة جائحات مرضية وهو أمر لم تفكر أي إدارة سابقة في بنائه، ومع ذلك فقد قامت الإدارة خلال أيام ببناء ما يكفي من المستشفيات التي تحتوي على آلاف الأسرّة المزودة بالأجهزة اللازمة كما أرسلت مستشفيات عائمة، بحيث أن مرضى كورونا في الولايات المتحدة كانوا يجدون دائما ما يلزمهم، ولم يحتج أي مريض لجهاز تنفس اصطناعي دون أن يجده كما حدث في إيطاليا، كما قامت شركات أميركية بإنتاج كميات كبيرة من أجهزة تشخيص الإصابة بكوفيد-19 بدل الأجهزة الصينية التي لا تعطي 80 في المئة منها نتائج دقيقة.

ثم انتقل هجوم الإعلام الأميركي إلى تأخّر الإدارة في اتخاذ قرار الإغلاق الشامل للبلد وترك هذا الإجراء بيد حكام الولايات، مع أن هذا يتماشى مع الدستور الأميركي، ومع أن مواجهة كارثة كبيرة شاملة في بلد بحجم الولايات المتحدة تكون أكثر فعالية عندما يتم توزيع المسؤوليات والصلاحيات على حكومات محلية تقوم بإدارة أمورها حسب طبيعة ظروفها، خصوصا في ظل التفاوت بين الولايات من ناحية توقيت دخول الوباء وخط سيره.

وفي طريقة مباشرة فجّة بعيدة عن الاحترافية كان هذا الإعلام يتبنّى دوما مواقف معاكسة لكل ما يقوله أو يقوم به الرئيس، فإذا أطلق ترامب تصريحات متفائلة لتطمين الشعب كان هذا الإعلام يعتبرها دليلا على تقليله من خطر كورونا، وعندما أصدر حزمة الدعم الاقتصادي التي لم يسبق لحجمها مثيل في التاريخ الأميركي والتي ترافقت مع تمنياته بأن يعود النشاط الاقتصادي بأسرع ما يمكن لأهميته الحيوية، كان يتم الهجوم عليه واتهامه بأنه يريد الإسراع برفع الإغلاق الحكومي لأسباب انتخابية وبأنه لا يأبه بحياة الأميركيين، وحين رفض ارتداء الكمامة نتيجة الشكوك العلمية حول قدرتها على منع العدوى انبروا للدفاع عنها، وعندما قال إن هيدروكسي كلوروكوين يحقق نتائج إيجابية قاموا باستضافة من يشكك بفعالية هذا الدواء، وإذا تصرّف كرئيس نشيط يومه حافل بالاجتماعات واللقاءات اعتبروه مستهترا بالوباء واخترعوا عبارة "إنكار كورونا" لوصف الحالة التي يعيش فيها، ربما كانوا يفضلون عليه سلوك بوتين الذي اعتزل العالم من خوفه، وعبّر عن ذلك بيسكوف الناطق باسمه أن "بوتين قرر العمل عن بعد".

كان الإعلام يريد تحميل الإدارة الحالية مسؤولية عدم وجود احتياط استراتيجي لمواجهة جائحات مرضية

وشكّل ترامب في 27 فبراير فريقا تخصصيا لمواجهة كورونا، عندما كان عدد المصابين في الولايات المتحدة 60 شخصا ولم تكن قد حدثت بينهم وفيات بعد، وكانت كفاءة هذا الفريق لافتة بحيث لم يجد حتى ألد خصوم الإدارة سببا لانتقاده، وعمل هذا الفريق ليلا نهارا للقيام بواجبه على أكمل وجه، وكان المؤتمر الصحفي اليومي لهذا الفريق برئاسة ترامب نفسه نموذجا للاحترافية والشفافيّة، مثل المؤتمر الصحفي لفريق الحاكم الديمقراطي لنيويورك أندرو كومو، فالطرفين يعبّران عن الأسلوب الأميركي المميّز في كيفية التعامل مع الأزمات.

وهذا المؤتمر الصحفي اليومي هو الذي كشف عن أن أولوية هذا الإعلام لم تكن متابعة تطور الوباء في الولايات المتحدة، بل كان هدف الصحفيين الرئيسي من حضور المؤتمر هو إحراج الرئيس وتسليط الضوء على أي كلمة قالها أو موقف اتخذه ليروجوه للرأي العام كموقف خاطئ، وكانت وجوههم تزداد تجهّما يوما بعد يوم مع تراكم الإنجازات التي يحققها هذا الفريق، وكأنّ مؤشرات فرب السيطرة على الوباء واحتوائه تدفعهم للمزيد من الحزن، وفي كثير من الأحيان كانت هذه القنوات تعود لاستديوهاتها بعد انتهاء إعلامييها من توجيه أسئلة محرجة لترامب بدون نقل ما سيقوله الفريق الطبي المتخصص، مع أن المفروض أن ما سيقوله هذا الفريق عن آخر تطورات المرض في أميركا هو الأكثر أهمية.

وباء كورونا في طريقه لتجاوز الموجة الأولى والأكثر صعوبة، وتدلّ المؤشرات حتى الآن على انخفاض أعداد من سيحتاجون لدخول المستشفيات أو العناية المشددة بشكل فاق أفضل التوقعات، وأكّد ذلك على نجاح هذه الإدارة في القيام بواجبها تجاه شعبها حتى أن هناك من الديمقراطيين من اعترف بذلك وشكر ترامب، باستثناء هؤلاء الإعلاميين الذين ما زالوا إلى الآن مصرّين على نقل أكثر التوقّعات تشاؤما وأسوأ السيناريوهات وأبعدها احتمالا، وكأنهم لا يريدون أن يتراجع الوباء إذا كان سيؤدي إلى زيادة شعبية ترامب!

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.