Orthodox Christians pray on the street after police officers barred their way to the Medhane Alem Cathedral, as the government…
متدينون في إثيوبيا يصلون في الشارع بعد إقفال الشرطة الطرقات لمنعهم من الوصول إلى الكنيسة ضمن إجراءات منع انتشار فيروس كورونا

ثلاثة مشاهد... ثلاث صور تؤرخ للجهل الساكن فينا، باسم مختلف أشكال التدين. ثلاث فئات تمثل الديانات الإبراهيمية: اليهودية، المسيحية والإسلام... فئات تتحدى، باسم تدينها، إجراءات العزل الصحي للحد من انتشار وباء كورونا. وكأن تدينها يحميها من الإصابة بالفيروس.

من نيويورك وباريس، من إحدى عواصم الشرق الأوسط... هي نفس مظاهر الجهل الذي يتدثر بالدين ليضع حياة الآخرين في خطر.

البداية من نيويورك، حيث خرجت جماعة من اليهود المتطرفين لإحياء مراسيم جنازة شخص متوفي، رغم إجراءات الحجر الصحي، ورغم كل التحذيرات الحكومية والمحلية من خطر انتشار فيروس كورونا في العالم، وفي نيويورك بالتحديد.

ما الذي يدعو شخصا، باسم تدينه، لأن يغامر بحياته وحياة الغير، في لحظة جائحة عالمية؟

خرجوا جماعات، بغير أي وسيلة حماية (قناع، مسافة الأمان...)، في مراهنة غبية بحياتهم وحياة غيرهم.

حسب الفيديوهات التي انتشرت، فقد تعرضت لهم الشرطة النيويوركية وحاولت أن تفرقهم بخراطيم المياه، لكنهم ظلوا مصرين على تجمعهم. وكأن الله الذي يحبهم ويحميهم، يكره غيرهم من الناس ممن أصابهم الفيروس!

ما الذي يدعو شخصا، باسم تدينه، لأن يغامر بحياته وحياة الغير، في لحظة جائحة عالمية؟

في "جريمة" أخرى باسم التدين، احتفل كاهن بإحدى الكنائس بالدائرة الخامسة في باريس بعيد الفصح منذ بضعة أيام، وذلك بمشاركة حوالي 40 شخصا من مرتادي الكنيسة، بشكل سري، في خرق آخر لنظام الحجر وفي مخالفة صريحة لقرار الحكومة الفرنسية بإغلاق أماكن التعبد من كنائس ومساجد وغيرها.

الكاهن المعني أدى غرامة مالية قدرها 135 يورو. في الواقع، كان يفترض أن يتلقى عقوبة أكبر لأن الغرامة يدفعها شخص لم يحترم تعاليم الحجر الصحي فيما يخصه هو كفرد. لكن ما فعله هذا الكاهن هو جريمة بمعنى الكلمة، تهدد سلامة وصحة وحياة الغير. إنه شروع حقيقي في القتل!

ثم على الضفة الأخرى، كانت هناك صورة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي لجماعات من الأفراد تؤدي صلاة الجمعة على أسطح عدد من العمارات في نفس الحي. يبدو من شكل الصومعة على خلفية الصورة أن الصورة التقطت من أحد بلدان الشرق الأوسط... 

في الحالات الثلاث، لم يكن واحد من المتدينين اليهود أو المسيحيين أو المسلمين يرتدي قفازات أو قناعا لحماية نفسه وحماية الآخرين

لكن، بغض النظر عن البلد الذي التقطت فيه الصورة، سواء كان مصر أو الكويت أو أي بلد آخر... أليس في هذا الأمر مخاطرة كبيرة بصحة وحياة هؤلاء المصلين، وحياة وصحة المحيطين بهم من أفراد العائلة، والذين قد تنتقل لهم العدوى بسبب سلوك متهور كهذا؟ هل صلاة الجماعة هي فرض في الإسلام؟ ثم، أليست هناك العديد من الأدبيات الدينية التي تتحدث عن حفظ سلامة البدن والنفس والوقاية، بل وبكون الضرورات تبيح المحظورات نفسها؟ كيف يتصور عقلٌ متدين أن ممارسة صلاة الجماعة هو أمر مهم للغاية، لدرجة يغامر معه المرء بحياته وحياة غيره في ظل جائحة عالمية تنتقل أساسا باللمس والاحتكاك بالآخرين؟

في الحالات الثلاث، لم يكن واحد من المتدينين اليهود أو المسيحيين أو المسلمين يرتدي قفازات أو قناعا لحماية نفسه وحماية الآخرين. لم يحترم واحد منهم مسافة الأمان، حيث كانوا ملتصقين ببعضهم في الحالات الثلاث... وكأنهم يتحدون العالم بتدينهم... وكأنهم يتصورون أن تدينهم وممارستهم لطقوس التدين، كفيل بحمايتهم من الفيروس، في حين أثبتت التجارب إلى غاية هذه اللحظة أن مختلف أماكن التجمعات، بما فيها التجمعات الدينية، كانت سببا كبيرا في انتشار الوباء.

خلاصة القضية أن الجهل واحد، حين يُغَلَّف العقل بغشاء من التدين المتطرف الذي يرفض أن يستقبل أي معطيات غير الخطاب الديني الذي يصله؛ مهما كان مستوى الخطورة ومهما بلغت أهمية وجدية الخطابات الأخرى... جهل مشترك... جهل قاتل! جهل لا يضر فقط بالعيش المشترك، بل بالعيش... بالحياة أساسا!

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.