U.S. President Donald Trump answers questions about his administration's plans for "Opening Up America Again" during the daily…

في الولايات المتحدة وخارجها، يتساءل الكثيرون عما إذا كان وباء كورونا، سوف يؤثر على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل، وعما إذا كانت الطريقة التي يدير بها الرئيس دونالد ترامب الأزمة قد تؤثر على حظوظه في إعادة الانتخاب.

عامل الوقت

الواقع أن التأثير الذي سوف تتركه هذه الأزمة على الانتخابات، يبدو الآن أمرا مفروغا منه. فالجدل بشأنها سوف يتواصل خلال هذا الصيف وصولا إلى يوم الانتخاب وحتى ما بعده. ما ليس معروفا بعد هو مدى انعكاس ذلك بصورة مباشرة على نتيجة الانتخابات. فالأمر كله قد يعتمد على الفترة الزمنية التي تستغرقها العودة إلى الحياة الطبيعية، وعمق الآثار الاقتصادية الناجمة عن الوباء، والطريقة التي يدير بها الرئيس ترامب هذه الأزمة والتعامل مع ذيولها.

رغبة ترامب في إعادة فتح البلاد بسرعة تصطدم برفض حكام الولايات

لكن كافة الاحتمالات تظل واردة، فإذا استمر الوضع الحالي حتى الصيف أو ما بعده، فمن المؤكد أن يكون لذلك تداعيات مباشرة على مواقف الناخبين.

وهذا هو السبب في السرعة التي يريد بها الرئيس ترامب إعادة فتح البلاد وضمان العودة التدريجية للنشاط الاقتصادي ابتداء من شهر مايو المقبل. فهو يدرك أن عامل الوقت مهم وحاسم، وأنه كلما طالت الأزمة وتعمقت تأثيراتها، كلما أصبح وضعه أصعب من الناحية العملية.

ممانعة الولايات

لكن رغبة ترامب في إعادة فتح البلاد بسرعة تصطدم برفض حكام الولايات الذين يرون بأنه لا يمكن وضع تواريخ لذلك، وأن المسألة يجب أن تخضع لتقييم المختصين وأيضا إلى حسابات الأرقام. هذا الأمر لم يعجب الرئيس الذي سارع إلى الإعلان بأنه وحده من يملك الحق أو السلطة المطلقة في تقرير هذه المسألة. وهو ما دفع بحاكم ولاية نيويورك أندرو كومو إلى الرد عليه في مقابلة مع "سي إن إن" قائلا "إن حالة الطوارئ الوطنية لا تجعلك تصير ملكا".

طبعا هذا النزاع من شأنه أن يقود إلى أزمة سياسية ودستورية، حيث أن الدستور الأميركي يعطي الولايات بعض الحقوق في هذا الجانب. كما أنه ليس معروفا بعد كيف سيطبق الرئيس قراره بصورة عملية في حال أصر حكام الولايات على موقفهم.

وكخطوة استباقية من جانبهم أعلن حكام سبع من ولايات الشمال الشرقي الأميركي تشكيل تحالف فيما بينهم لمحاربة الفيروس ودراسة الخطط والتوقيت لإعادة النشاط الاقتصادي. ونفس الخطوة كانت قد اتخذتها في وقت سابق ثلاث من ولايات الساحل الغربي.

صورة قاتمة 

الأمر الآخر المهم هنا هو أن نقطة القوة الرئيسية في سجل ترامب كانت حتى الآن النجاحات التي حققها الاقتصاد الأميركي في الفترة الماضية، لا سيما خفض نسبة البطالة إلى أدنى مستوى.

وباء كورونا عكس هذه الصورة تماما. فتوقعات صندوق النقد الدولي للاقتصاد العالمي تبدو قاتمة. ففي أحدث تحذير يطلقه الصندوق، توقع فيه أن ينكمش اقتصاد العالم بنسبة ثلاثة في المئة. وهذا الانكماش سوف يكون هو الأسوأ منذ الكساد الكبير في عام 1929. وللمفارقة فقد كان الصندوق حتى أشهر قليلة يتوقع أن يفوق النمو العالمي لعام 2020 العام الذي سبقه بنسبة 3.3 في المئة.

وللمقارنة أيضا فإنه خلال الركود الذي شهده العالم خلال عامي 2008 و2009، كان انكماش الاقتصاد العالمي يقدر بأقل من واحد في المئة. مما يعني أننا هذه المرة إزاء أزمة اقتصادية كبيرة وخطيرة.

الاقتصاد الذي كان هو القاطرة الرئيسية لإعادة انتخاب ترامب شبه المضمون، قد يكون هو العقبة الكأداء التي تقف في طريقه

أكثر من ذلك يتوقع الصندوق أن تتضاعف نسبة الانكماش في حالة انتشار موجات جديدة من فيروس كورونا في نهاية العام، ومعها فشل التوقعات بعودة النشاط الاقتصادي إلى طبيعته بحلول عام 2021.

وهناك من الخبراء الاقتصاديين من يجادل بأن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الوباء لا يمكن أن يتم محوها بسرعة، خاصة إذا استمر القلق لدى الناس من الإصابة بالفيروس لفترة طويلة. فقد تطلب التعافي من آثار الكساد الكبير سنوات طويلة.

إذا فسد الملح

بعبارة أخرى فإنه وإن كان من المبكر الآن توقع نتيجة الانتخابات الرئاسية جراء وباء كورونا، فإن المؤشرات الأولية لا تسير في صالح ترامب أو على الأقل تعقّد من مهمته في إقناع الناخب الأميركي، وخاصة الجزء غير الحزبي منه أو المستقل، والذي هو عرضة للتذبذب، بالتصويت له مجددا. 

هذا الجزء من الناخبين هو المهم وهو الذي يدور الصراع حوله، لأن الناخب الجمهوري، في قسمه الأكبر، سوف يصوت لترامب في جميع الأحوال، وكذلك الناخب الديمقراطي، في قسمه الأكبر، سوف يصوت لبايدن في جميع الأحوال. لكن إقناع الناخب المستقل، وخاصة في ظل الأزمات، كان على الدوام هو المهمة الأصعب بالنسبة لأي مرشح رئاسة أميركي.

والاقتصاد الذي كان هو القاطرة الرئيسية لإعادة انتخاب ترامب شبه المضمون، قد يكون هو العقبة الكأداء التي تقف في طريقه هذه المرة. أما التصريحات والإعلانات المتناقضة التي تصدر عن الرئيس، وأحيانا بشكل يومي، سواء في أزمة كورونا أو غيرها، فرغم كونها محرجة وبعضها ضار، فقد اعتاد عليها الجمهور الأميركي من ترامب، ومعظم الناس ينسونها في نهاية اليوم، مع زحمة المال والأعمال والانشغالات اليومية. لكن إذا فسد الملح فبماذا يملّح! 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.