In this picture taken on April 17, 2020, Muslims attend Friday prayers at the Red Mosque in Islamabad during a government…
مسلمون يأمون صلاة الجمعة في باكستان في 17 أبريل

أصبح من المؤكد أن عالم ما بعد كورونا سيكون مختلفا عن ما قبله، وأن مراكز العبادة ستكون من بين أكثر الأماكن تأثّرا بانعكاسات هذا الوباء نتيجة الطبيعة الجماعية للكثير من الطقوس الدينية. كان ذلك واضحا في غياب المسيرات التقليدية وفي الكنائس الخاوية في احتفالات عيد الفصح الأخير. حتى ساحة القديس بطرس في روما كانت شبه فارغة في منظر لم يره أحد منذ زمن، وكذلك في غياب الاجتماعات العائلية الكبيرة عن عيد الفصح اليهودي "بيساح". ولم يختلف منظر الحرم المكي الذي تم إخلاؤه من الطائفين والمصلين، كما تم إغلاق الكثير من المواقع الدينية البوذية والهندوسية في العالم أمام الجمهور.

اتخذت هذه الإجراءات بعد عدة حوادث ساهمت بانتشار الفيروس بشكل واسع عبر دور العبادة، مثل جنازة في مدينة ألباني الأميركية حضرها 100 شخص وانتقلت عدوى كورونا إلى أغلبهم ومعهم موظفي مكتب الدفن والمصلّين في الكنيسة التي أقيم فيها القداس بحيث وصل عدد المصابين بالمقاطعة إلى 607 أفراد توفي 30 منهم خلال أيام. وفي مقاطعة سكرامنتو بكاليفورنيا قال مسؤول الصحة إن ثلث حالات الإصابة تعود إلى أماكن العبادة بينهم 71 شخصا من أعضاء كنيسة سلافيّة. وهناك محامي في نيويورك نقل العدوى لعائلته وللكنيس الذي تزوره العائلة مما أدّى إلى فرض حجر صحّي منزلي على ألف شخص. 

كذلك انتشر فيروس كورونا في مدينة قم الإيرانية عن طريق عشرات الطلاب القاطنين في حي زنبل أباد الذين خالطوا طلاب معهد الإمام الخميني وجامعة المصطفى في العاصمة الدينية لإيران مما جعلها عاصمة كورونا أيضا.

السجّاد الذي تتم الصلاة عليه في المساجد هو بيئة مناسبة يستطيع فيروس كورونا العيش فيها لفترة طويلة

هذه الحوادث دفعت السلطات الإسلامية لإغلاق المساجد من جاكرتا إلى طنجة، حتى المسجد الحرام والمسجد النبوي أصبحوا شبه فارغين لأول مرة في العصر الحديث. وقال الفقيه الإسلامي الجزائري محمد مولودي إن إغلاق المساجد هو القرار الصائب لأن الإسلام يدعو للحياة وليس للموت، خصوصا لأن الأغلبية المطلقة من مضاعفات ووفيات وباء كورونا الحالي تحدث عند الرجال فوق الستين من العمر أي نفس الشريحة التي تذهب بانتظام إلى المساجد.

وما زال من المبكر معرفة إلى متى ستستمر إجراءات العزل التي فرضها وباء كورونا، فقد قالت دراسة لجامعة هارفارد إن سياسة التباعد الاجتماعي قد تستمر حتى عام 2022 لإيقاف أي ضغوط جديدة على المستشفيات، لأن احتمال اختفاء هذا الفيروس نهائيا كما حدث مع فيروس السارس قد لا يتحقق لأن عدد الإصابات المؤكدة في كورونا الحالي قد تجاوز المليونين، وكل ما حدث حتى الآن قد لا يكون سوى الموجة الأولى لهذا الوباء والتي قد تتبعها موجات أخرى، بالإضافة إلى احتمال أن يتحول كورونا إلى وباء موسمي.

ونتيجة هذه الظروف وحتى لا يتعرّض المصلّون للعدوى فقد وجدت جميع الديانات أنه من الأفضل استخدام وسائل التواصل التي أتاحتها التكنولوجيا الحديثة لتأدية الصلوات الجماعية عبر شبكة الإنترنت، ولذلك لم يقف البابا فرنسيس على الشرفة كما جرت العادة لمنع احتشاد الناس أمامها، بل صلّى وألقى عظته عبر الإنترنت من مكتبة الكرسي الرسولي، وقام الفاتيكان بتخصيص موقع خاص للصلاة عبر الإنترنت لخدمة من يريد الشعور بأن هناك من يصلّي معه.

وفي أستراليا قام قس بالتفاعل مع رعايا الكنيسة الإنجيلية في سيدني عبر تطبيق زووم في قداس العيد. وفي ألمانيا نقلت كاميرا القداس المباشر من كنيسة سان سيمون الكاثوليكية مع متابعة من قبل رعاياها عبر مواقع التواصل. وفي الفيليبين تم بث القداس مع وضع صور العائلات التي تحضر القداس على مقاعدها كإشارة إلى حضورها الرمزي. وفي بنغلادش استخدمت الكنيسة المعمدانية في دكا فيسبوك لبث القداس وتأدية الصلوات المشتركة. وكذلك تواصل الأقباط مع الآباء والقساوسة عبر الهواتف المحمولة ووسائل التواصل، ونقلت الصفحة الرسمية للمتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الصلوات بالبث المباشر، وعلى نفس الطريقة تم تأدية الصلوات المشتركة في الديانات اليهودية والبوذية والهندوسية.

طرح هذا الوباء موضوعا آخر أكثر أهمية وهو طريقة الجلوس والصلاة في المساجد

فقط رجال الدين المسلمين رفضوا ذلك. وقال موقع إسلام ويب إنه لا يصح الاقتداء بإمام عبر الإنترنت، "وعلى من لا يستطيع لسبب قاهر حضور صلاة جماعية أن يصلّي منفردا". واعتمد هذا الموقف بناء على فتاوى سابقة يمكن مشاهدتها في موقع الإسلام سؤال وجواب تقول إن الصلاة عبر التلفزيون "لا شك باطلة لأنها تبطل صلاة الجمعة والجماعة، وليس فيها تواصل مكاني ولا اتصال في الصفوف وليس بالإمكان متابعة حركة الأمام بالنظر"؛ أي أن شيوخ اليوم بنوا أحكامهم قياسا على رجال دين معاصرين من القرن العشرين، لا يمتلك الكثيرون منهم صفات قدسية تمنع مناقشة أو عدم القبول بفتاويهم.

كما طرح هذا الوباء موضوعا آخر أكثر أهمية وهو طريقة الجلوس والصلاة في المساجد، فدور العبادة اليهودية والمسيحية والبوذية والهندوسية استبدلت مع تطور العصور الجلوس على الأرض بالجلوس على المقاعد، بينما رفض رجال الدين المسلمون ذلك واعتبروه خروجا عن السنّة والسلف الصالح، وإذا كان هذا الرفض مبررا في الماضي فهو لم يعد كذلك هذه الأيام، لأن السجّاد الذي تتم الصلاة عليه في المساجد هو بيئة مناسبة يستطيع فيروس كورونا العيش فيها لفترة طويلة.

إذا أكّد القائمون على المساجد أنهم لا يبالون أو يأبهون لحياة رعاياهم فما على هؤلاء سوى أن يتولّوا بأنفسهم مسؤولية الدفاع عن صحّتهم

ثم تأتي طريقة الصلاة وما تتضمنه من سجود لتؤمّن لهذا الفيروس دخولا مباشرا لأنف ورئتي المصلّي، خصوصا لأنه من الصعب تنظيف وتعقيم هذا السجاد السميك بعد كل صلاة أي خمس مرات في اليوم الواحد، ولذلك لا بد في هذه الظروف من إعادة النظر في طريقة الصلاة، مثل تأديتها على المقاعد والتي ستتطلب تغييرا في الركوع والسجود بحيث يصبح رمزيا بانحناءة بسيطة للأمام وهذا مباح شرعا لأنه لا يمس الجوهر الروحي للصلاة كتواصل للإنسان مع ربّه، كما أن هذه هي الطريقة التي يتبعها اليوم بعض المرضى وكبار السن في تأدية الصلاة.

وهذا التجديد أصبح ضرورة يدرك المصلّون أن تجاهلها قد يعرّضهم لمخاطر صحّية جدية، ولذلك حتى لو رفض رجال الدين التغيير فقد لا يتجاوب الكثير من المصلين معهم لأن حياتهم هي التي على المحك. فإذا كانت عودة المصافحة على المدى القريب مستبعدة نتيجة الحاجز النفسي الذي خلّفه وباء كورونا، فمن الطبيعي أن يكون وضع الوجه على سجادة للصلاة في مكان عام يأمّه المئات يوميا أكثر صعوبة، وإذا أكّد القائمون على المساجد أنهم لا يبالون أو يأبهون لحياة رعاياهم فما على هؤلاء الرعايا سوى أن يتولّوا بأنفسهم مسؤولية الدفاع عن صحّتهم وحياتهم.

من غير المستغرب أن تتمسّك السلطات السياسية في الدول العربية بالطرق التقليدية لصلاة الجماعة، لأن المساجد في واقعها الحالي ليست بالنسبة لهذه السلطات سوى أداة للسيطرة والتحكّم بالشعب، وسينبري رجال الدين المرتبطون بالحكّام للدفاع عن التواصل الشخصي المباشر بين الإمام والمصلين، لأن الصلاة عبر الإنترنت تبيح للمسلم التواصل مع أي رجل دين يختاره ويحترمه، بدل الشيوخ الذين يقوم الحاكم بتعيينهم حتى يقوموا بتمجيده والدعاية له، ولكن التساؤل هو لماذا لا يمتلك رجال الدين المستقلّين والبعيدين عن الحكّام الجرأة لإصدار فتاوى تبيح الصلاة عبر الإنترنت وتحرّر الشعوب العربية من شيوخ السلاطين؟

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.