نشر البرلماني المغربي عن فيدرالية اليسار، عمر بلافريج، التغريدة التالية بالفرنسية: "مع إجبارية وضع القناع وكل الانزعاج الذي قد يسببه (صعوبة أو ضيق في التنفس...) أتمنى أن يعي الجميع الجحيم المستمر الذي تعيشه النساء اللواتي يرتدين البرقع أو اللثام" (ترجمة حرة).
بمجرد ما نشر بلافريج التغريدة، انهالت عليه عبارات التخوين والاتهام بالكفر والإلحاد ومعاداة الإسلام.
لا يهمني، شخصيا، إيمان عمر بلافريج أو إلحاده. ذلك شأنه الخاص ولا أعتقد أنه يحق لنا حتى أن نطرح السؤال. لكن كل هذه الضجة تستحق منا بعض الأسئلة، وبعض الموضوعية في مناقشتها:
أولا، برلماني فيدرالية اليسار لم يطالب بمنع النقاب أو الحجاب أو اللثام (وهو نوع من "النقاب" التقليدي الشفاف الذي كانت تضعه بعض النساء المغربيات إلى غاية سبعينيات القرن الماضي، مع الجلباب المغربي. قطعة ثوب شفافة بيضاء مطرزة من الأسفل تغطي الأنف والفم وتكشف العينين). بلافريج عبّر عن رأي حر، وهذا حقه ليس فقط كبرلماني، بل كمواطن. من حق الجميع الاختلاف معه، لكن ليس من حق أحد تحوير كلامه أو تخوينه أو منعه من التعبير.
لنمتلك شجاعة الاعتراف بأن الحجاب هو أيديولوجية تترجم هوسا بأجساد النساء التي يجب إخفاؤها حتى لا يفتتن بها الرجال
ثانيا، من ضمن "الحجج" التي استعملها البعض، أن النقاب أو الحجاب هو حرية شخصية. وهذه مغالطة كبيرة تستعمل في أغلب النقاشات حول الحجاب والنقاش. إن القراءات التي تعتبر الحجاب أو النقاب "فرضا" من الله هي أول من تخلع عنه صفة الحرية. كيف يكون الحجاب أو النقاب فرضا من الله ويكون ارتداؤه حرية في نفس الوقت؟ أليس في ذلك تناقض؟ ثم، كيف يكون ارتداء الحجاب حرية وخلعه فسادا وانحرافا؟
ثالثا، حين نطور، على مدى قرون طويلة، خطابا مفاده أن المرأة المحجبة هي امرأة متخلقة والمرأة "السافرة" ليست متدينة بما يكفي، وتريد إثارة الرجال؛ فهذا يجعل الحجاب "اختيارا" وحيدا ممكنا، يجعل المرأة تحافظ به على سمعتها؛ لأنها، في حالة العكس، تكون متبرجة فاسدة مثيرة للرجال لا تستحق الاحترام وتستحق التحرش...
ثم، كيف يكون الحجاب والنقاب حرية شخصية، وتكون التنورة القصيرة أو لباس البحر فسادا؟ إذا اعتبرنا الحجاب حرية (وهذه برأيي مغالطة بناء على كل ما قيل أعلاه)، فيجب أيضا أن نحترم حرية المرأة التي ترتدي تنورة قصيرة أو لباس البحر، وألا نعتبر التحرش بها أمرا طبيعيا "بسبب ملابسها".
عمر بلافريج امتلك شجاعة إثارة نقاش لا يجرأ الكثير من السياسيين على الخوض فيه
هناك مغالطة أخرى تسعى لمقارنة الحجاب بأي لباس عادي، كأن يقول بعضهم: "الحجاب يشبه وضع قبعة على الرأس"، أو "الحجاب لباس عادي كالبنطلون". وهذه مغالطة أخرى لأن ارتداء القبعة أو أي لباس آخر لا يترجم أي أيديولوجية معينة. يمكن للفرد أن يرتدي اليوم قبعة وأن يخرج في الغد بدون قبعة. يمكن للفرد أن يرتدي اليوم جينز وفي الغد بنطلونا كلاسيكيا أو حتى "شورت". يمكنه أن يختار ألوانه وشكل لباسه حسب مزاجه واختياراته (اللهم طبعا فيما يتعلق بإكراهات العمل مثلا)... لكن لا شيء مثلا يجعل الرجل الذي يرتدي قبعة أقل أو أكثر احتراما من الرجل الذي لا يرتديها. لا شيء يفرض على الرجل أو المرأة ارتداء قبعة شعر كي لا يفتتن غيره بشعره... ليست هناك أيديولوجية معينة تفرض عليه اختيار قبعة الرأس أو بنطلونا أزرق أو "شورت" كاكي...
لذلك فاعتبار النقاب أو الحجاب "مجرد لباس عادي" كما يفعل بعض ممثلي اليسار الفرنسي مثلا، هو مغالطة كبيرة.
لنمتلك شجاعة الاعتراف بأن الحجاب هو أيديولوجية تترجم هوسا بأجساد النساء التي يجب إخفاؤها حتى لا يفتتن بها الرجال (تماما كما القبعة أو البنطلون الأزرق، أليس كذلك؟). هذا دون أن ننسى أنه يترجم عقلية ذكورية محضة كما تمت الإشارة لذلك في مقال سابق، لأن امرأة مثلية مثلا ستفتتن بجسد امرأة أخرى يفترض أنها لن ترتدي الحجاب في حضرتها. كما أن النساء يفتتن بأجساد الرجال الجميلين الذين لم يفرض عليهم الحجاب.
عمر بلافريج امتلك شجاعة إثارة نقاش لا يجرأ الكثير من السياسيين على الخوض فيه. لهذا السبب، ولمبادرات أخرى كثيرة من طرفه، يستحق هذا السياسي التقدير والاحترام.