قبل 43 عام وقف الرئيس المصري أنور السادات في القدس مخاطبا الشعب الإسرائيلي، داعيا للسلام ومطالبا بإعادة الأرض العربية التي احتلت عام 1967.
بالرغم من أن الأيام أثبتت بعد نظر السادات وحنكته السياسية، التي بفضلها استعادة مصر سيناء، لم يقدم أحد بعده على إعادة التجربة.
بل اخترع العرب، بعد السادات، جريمة أضافوها إلى كبائر الذنوب أسموها "التطبيع"، وجعلوا من مخاطبة الشعب الإسرائيلي، ذنب لا يغتفر، وسلطوا سيوفهم على كل من تسول له نفسه إعادة تجربة السادات.
الآن جاء دبلوماسي إماراتي ليكسر كل القيود، ويقرر أن يخاطب الرأي العام الإسرائيلي مباشرا، داعيا للسلام ومحذرا إسرائيل من الإقدام على ضم الضفة الغربية.
يدحض مقال العتيبة، بطريقة غير مباشرة، ما طرحه بعض المراقبين لجهة أن الدافع وراء أي تقارب بين دول الخليج وإسرائيل هو الخطر الإيراني، وليس الرغبة الحقيقية لحل القضية الفلسطينية
بعقلانية وأسلوب هادئ، كتب السفير يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، مقالا في صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية، خاطب فيها الإسرائيليين باللغة التي يفهمونها، لغة المنطق والعقل، موضحا مخاطر ضم الضفة الغربية.
اختيار الموقع الإسرائيلي رسالة في حد ذاتها. كان يمكن أن ينشر العتيبة مقاله في أي جريدة أميركية كبرى، ولكنه اختار جريدة إسرائيلية، ربما لأنه فهم ما أدركه السادات من قبل. فالسادات اختار زيارة القدس وليس واشنطن، لأنه أدرك أهمية الرأي العام في إسرائيل وتأثيره على صانع القرار الإسرائيلي.
كذلك، لأنه فهم أن اليأس من فرص تحقيق السلام هو الدافع الأساسي وراء رغبة المواطن الإسرائيلي العادي في الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967.
من هذا المنطلق، جاء المقال الإماراتي ليؤكد أن فرص السلام ما تزال موجودة ولكنها قد تنتهي إذا مضى صانع القرار الإسرائيلي في ضم الضفة الغربية.
هناك ثلاث نقاط محورية طرحها المقال:
النقطة الأولى: الإشارة للأردن، بالتحديد، وخطورة ضم إسرائيل للضفة عليه، وهو طرح يتماشى مع تحذيرات مماثلة من العاهل الأردني عن خطورة القرار الإسرائيلي.
فالمواطن الإسرائيلي المهجوس بأمنه وسلامته، يفهم جيدا أن أي انهيار في استقرار الأردن ستكون له عواقب وخيمة على الداخل الإسرائيلي، حتى لو سيطرت إسرائيل على غور الأردن.
كما يدرك المواطن الإسرائيلي أن السلام البارد أحسن من العداء الساخن، وأن السلام بين الدولتين الجارتين، الأردن وإسرائيل، أصبح كالخيط الرفيع، إن انقطع فلن يمكن ربطه مرة أخرى.
النقطة الثانية: فوائد السلام على الشعب الإسرائيلي. تعود المواطن الإسرائيلي على سلام بارد مع العرب، فجاءت مقالة السفير الإماراتي لتعرض مفهوما عمليا للسلام، وكيف يمكن أن يوفر فرصا متعددة للتعاون في مختلف المجالات، من السياحة إلى الطاقة المتجددة.
الآن بعد مقال السفير العتيبة سيفهم المواطن الإسرائيلي ماذا يمكن أن يكسب إذا اختار السلام، وكذلك، ماذا الذي يمكن له أن يخسره إن أصر على احتلال الأرض.
جاء المقال الإماراتي ليؤكد أن فرص السلام ما تزال موجودة ولكنها قد تنتهي إذا مضى صانع القرار الإسرائيلي في ضم الضفة الغربية
النقطة الثالثة: الخطر الإيراني، وخلط الأوراق. يدحض مقال السفير يوسف العتيبة، بطريقة غير مباشرة، ما طرحه بعض المراقبين لجهة أن الدافع وراء أي تقارب بين دول الخليج وإسرائيل هو الخطر الإيراني، وليس الرغبة الحقيقية لحل القضية الفلسطينية. هذا الطرح الخاطئ أدى إلى اعتقاد خاطئ أكثر في أوساط اليمين الإسرائيلي بأن ضم الضفة لن يضر بفرص التقارب الخليجي الإسرائيلي.
فجاء المقال ليوضح أن العرب لن يتنازلوا عن الحقوق الفلسطينية، وأن التواصل مع إسرائيل هو داخل هذا الإطار. وهذا ما أكده لاحقا الوزير الإماراتي أنور قرقاش.
بهذا الأسلوب العقلاني الناضج أوصلت دولة الإمارات، من خلال كلمات سفيرها يوسف العتيبة، رسالة هامة للداخل الإسرائيلي. رسالة قد تساهم في منع موجة جديدة من العنف وعدم الاستقرار في المنطقة.
يصيح الممانعون للسلام: "تطبيع... خيانة"، كما صاحوا من قبل في وجه السادات. ولكن التاريخ الذي أثبت أن الرئيس المصري كان على حق، سيثبت أيضا أن دولة الإمارات على حق في تبني السلام كخيار استراتيجي.