Algerian protesters carry a photo of Egyptian ex-president Muhammed Morsi during an anti-government demonstration in the centre…
تظاهرة في الجزائر لمؤيدين للرئيس المصري الراحل محمد مرسي

يستبطن الخطاب الديني الذي تروج له جماعات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، العديد من المشاكل من بينها اتخاذ الفتوى الدينية مصدرا للشرعية السياسية فضلا عن إخضاع مرتكزات وقواعد النظام الديمقراطي للمفاهيم الدينية التاريخية.

لا يقتصر خطر استخدام المبرر الديني في العمل السياسي عبر الفتاوى على الخلط والتلبيس بين المفاهيم الدينية والسياسية ونقل الخلاف السياسي من المجال الدنيوي المحكوم بمعايير الصواب والخطأ إلى المجال الديني الذي يقاس فيه الموقف بمعيار الحلال والحرام، بل يتعدى ذلك إلى وقوع تناقضات في المجال الأخير يتكشف من خلالها أن الغرض من إقحام الدين في هذا الإطار هو تحقيق أهداف سياسية محض.

للكشف عن هذه الخلاصات، سأتناول في هذا المقال موقف جماعة الإخوان المسلمين من الدولة المصرية كما عبر عنه التيار الذي تزعمه الدكتور محمد كمال في أعقاب سقوط نظام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي وما أعقبه من مواجهات دامية ما تزال مستمرة بين الجيش المصري والتنظيمات المسلحة للجماعة.

في عام 2011 تم تعيين أستاذ الأنف والأذن والحنجرة بجامعة أسيوط، محمد كمال، عضوا بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين فضلا عن عضويته في مجلس شورى الجماعة، وقد اضطلع بمهام القائم بأعمال مرشد الجماعة عقب الانتخابات التكميلية لعام 2014، كما ترأس لجنة إدارة أزمة جماعة الإخوان عقب الإطاحة بالرئيس مرسي، وقد قتل في مواجهة مع الأجهزة الأمنية عام 2016 بعد اختفاء دام ثلاث سنوات.

إن توصيف محمد كمال للانتخابات بأنها "بيعة" يُعبِّر عن التلبيس والخلط المتمثل في إسقاط المفاهيم الدينية التاريخية على نظام سياسي حديث لم يكن معروفا في ذلك الزمان وأعني: الديمقراطية

طرح محمد كمال أخطر كتاب تم الاعتماد عليه كمرجعية أساسية للعمل النوعي المسلح داخل التنظيم، وهو كتاب "فقه المقاومة الشعبية" أو "أبجديات العمل المقاوم" الذي أوضح من خلاله الأسباب التي تبرر استخدام العنف لإسقاط النظام المصري الذي قام بعد الإطاحة بالرئيس مرسي، وقال في مقدمة الكتاب "نحن بحاجة إلى معرفة التوصيف الشرعي للانقلاب العسكري في مصر، حتى يمكن الفتوى في كيفية التعامل معه".

قال كمال في توصيفه للوضع في مصر: "قامت مجموعة من العسكر زعيمهم وزير الدفاع بخلع الرئيس محمد مرسى ـ وهو الرئيس الشرعي الذي انعقدت له أول بيعة صحيحة نذكرها أو نعرفها في التاريخ الحديث، اختارته أغلبية شعبية بإرادة حرة كاملة دون أي ضغوط أو إكراه ومعلوم أن حرية الإرادة من أهم شروط صحة العقود جميعها بدءا من عقود البيع والشراء، إلى أخطر العقود وهو عقد الإمامة أو الرئاسة، وكان عقد البيعة منصوصا عليه في دستور 2102، الذي وافق عليه الشعب أيضا في حرية كاملة".

وأضاف "حدث الانقلاب بسيطرة مجموعة العسكر على مقاليد الحكم بالقوة القهرية، وخطف الرئيس الشرعي وسجنه وتلفيق التهم له وقتل مؤيديه وحرق جثثهم واستباحة أموالهم والمصادرة على حريتهم ومعهم كل شرفاء الوطن وتنفيذ مخططات الأعداء التي لا تخفى فنحن هنا أمام عدد من الجرائم. أولا: الغدر والخيانة للرئيس الذي أقسموا على طاعته، والولاء له. ثانيا: الخروج على الإمام الحق بالقوة، وهذا الخروج يضع هؤلاء المنقلبين إما في طائفة البغاة، أو طائفة الخوارج أو المحاربين أو جميع ما ذكر. ثالثا: قيام هذه الطائفة العسكرية بقتل آلاف من المسلمين المطالبين بالشرعية، والحكم ظلما، على عشرات الآلاف بالسجن يضع هذه الطائفة في تصنيفات شرعية إضافية".

إن توصيف محمد كمال للانتخابات بأنها "بيعة" يُعبِّر عن التلبيس والخلط المتمثل في إسقاط المفاهيم الدينية التاريخية على نظام سياسي حديث لم يكن معروفا في ذلك الزمان وأعني: الديمقراطية. من المعلوم بالضرورة أن مرسي لم يُنتخب إماما للمسلمين بل رئيسا لجمهورية مصر العربية، وهي بلد يتشارك المواطنة فيه مع المسلمين مواطنين من ملل وديانات أخرى لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها المسلمون وعليهم ذات واجباتهم، وبالتالي فهي بلد ليست خاضعة لمفاهيم تاريخية غير موجودة في عالم اليوم.

من المعلوم بالضرورة أيضا أن الانتخاب ليس هو البيعة. البيعة مفهوم إسلامي ليس له صلة بعملية الانتخاب في النظم الديمقراطية الحديثة، فالرئيس مرسى وصل لسدة الحكم بعد جولتين انتخابيتين كان مجموع الذين لم يصوتوا له فيهما أكبر بكثير من الذين صوتوا له، مما يعني أن هناك قطاعا كبيرا من المواطنين المصريين يختلف مع الرئيس ولا يؤيد حزبه أو أفكاره ولكنه يؤمن بقواعد العملية الديمقراطية ويرتضي بنتائجها.

وحتى المواطنين الذين صوتوا لمرسي لا يمكن القول إنهم بايعوه لأنه كان من الممكن لهؤلاء أن يغيروا موقفهم منه ومن سياساته في أو قبل الانتخابات التالية، بينما البيعة في التجربة التاريخية الإسلامية تظل في عنق المسلم حتى وفاة الخليفة أو الإمام وهي لا تحتمل التغيير ولا تنتقض إلا بشروط معينة، وإذا تم نقضها بغير تلك الشروط فإن ذلك يُعتبر خروجا على الحاكم يستوجب القتال.

التناقض في المواقف فيظهر جليا فيما وصفها محمد كمال بالجرائم التي قال إن العسكر ارتكبوها ضد الحاكم الشرعي محمد مرسي، حيث أن جماعة الإخوان المسلمين قامت بارتكاب ذات الجرائم ضد الحكومة السودانية المنتخبة

صدق حديثنا أعلاه تعضده الوقائع التي شهدتها فترة حكم الرئيس مرسي، فعندما دعا البعض للخروج في مظاهرات معارضة لسياسات الأخير انبرى لهم بعض شيوخ الإسلام السياسي مطالبين بقتالهم. هذا ما أفتى به حينها الشيخ هاشم إسلام عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف واصفا دعاة التظاهر بالخوارج، حيث استند في فتواه إلى حديث منسوب للرسول يقول: "من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر".

هذا ما كان من أمر الخلط بين الديني والسياسي، أما التناقض في المواقف فيظهر جليا فيما وصفها محمد كمال بالجرائم التي قال إن العسكر ارتكبوها ضد الحاكم الشرعي محمد مرسي، حيث أن جماعة الإخوان المسلمين قامت بارتكاب ذات الجرائم ضد الحكومة السودانية المنتخبة.

في يونيو 1989 قامت جماعة الإخوان بتنفيذ انقلاب عسكري على رئيس الوزراء الشرعي المنتخب، السيد الصادق المهدي، وزجت بجميع رموز النظام الديمقراطي في غياهب السجون، كما أنها مارست أبشع أنواع التعذيب والقتل ضد قادة وأعضاء الأحزاب السياسية داخل المعتقلات سيئة السمعة التي عرفت باسم "بيوت الأشباح"، ثم صنعت الجماعة أسوا نظام حكم استبدادي باطش في تاريخ البلاد الحديث استمر ثلاثة عقود حتى أسقطته الثورة الشعبية العارمة العام الماضي.

صمت الإخوان عن جميع الجرائم التي ارتكبها النظام السوداني البائد ولم تصدر عنهم أي فتاوى تدعو للخروج عليه باعتباره نظاما فاقدا للشرعية بسبب استخدام العسكر للقوة لإزاحة الرئيس الذي أقسموا على طاعته بل أنهم ذهبوا أبعد من ذلك ليجعلوا من النظام قبلة لجماعات الاسلام السياسي المنتشرة في مختلف أرجاء المعمورة باعتباره النظام الاسلامي النموذجي الذي ينبغي تطبيقه في جميع الدول العربية والإسلامية!

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.