Turkey's President Recep Tayyip Erdogan applauds during a conference in Istanbul, Tuesday, July 28, 2020. Turkish lawmakers…
فريق إردوغان يعلم أن أي إعلان للخلافة، حتى ولو كانت رمزية، من قبل إردوغان، قد يفقده شعبيته داخل تركيا

إذا ليس الآن، فمتى؟
إذا لست أنت، فمن؟

لم يكتف الصحفيون الأتراك بالتهليل لرئيسهم رجب طيب إردوغان وهو يصلي في آيا صوفيا، بعد تحويلها من متحف إلى مسجد، بل يطالبون الآن بإعادة الخلافة العثمانية.

ظهر الرئيس التركي، في أول صلاة جمعة بآيا صوفيا، وهو يتلو آيات من القرآن الكريم، فيما صعد الخطيب منبر المسجد وهو يمسك سيف السلطان محمد الفاتح.

وأجج حلم الخلافة بين أتباعه. حلم الخلافة الإسلامية، كما روجت له من قبل كل جماعات الإسلام السياسي. فمنذ ولادة الجماعة الأم، جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والمصحف والسيف يتصدران شعارات جماعات الإسلام السياسي.

الآن جاء الرئيس التركي ووضع المصحف والسيف نهارا جهارا أمام الجميع في آيا صوفيا، وسط تهليل وإعجاب أتباعه ومريديه في العالم العربي والإسلامي.

إن سألت أحباء الخلافة عن أسباب ولههم بالفكرة فستسمع ردودا عن أسباب كرههم للحداثة وتقليد الغرب، والبعد عن الدين، والانحلال الأخلاقي وعدم التزام بعض النساء بالزي الشرعي، إلخ.

فكرة انتخاب الخليفة في حد ذاتها فكرة هزلية، لأنها تسلب عقيدة الخلافة من أساس نشأتها وتحولها إلى نظام لا يختلف كثيرا عن أي نظام علماني

ولكن لن تسمع منهم كلمة واحدة عن نوعية الخلافة التي يحلمون بها وكيف ستطبق في واقعنا الحالي؟ هل ستكون الخلافة مطلقة؟ أم خلافة دستورية؟ أم خلافة رمزية؟

الخلافة المطلقة، تعتمد على فكرة الحاكم "المستبد العادل"، الذي يحكم بشرع الله في منظومة إدارية وسياسية واجتماعية، توحد كل الدول الإسلامية.

شاعت فكرة المستبد العادل بين الإصلاحيين الإسلاميين، في القرنين التاسع عشر والعشرين، من خلال بعض كتابات ومقالات لعبد الرحمن الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد)، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبدو، وغيرهم.

يفسر هؤلاء فكرة الاستبداد على أنها "الحزم والقوة والعدل" ويدعون أنها تختلف عن المفهوم الغربي للاستبداد الذي يعني "التفرد بالحكم". وأن الحزم لا يعني الظلم والتعسف.

ولكن حتى لو انطلقنا من مفهوم الإسلاميين للاستبداد، وبأنه فعلا الحزم والعدل، فسنجد أن تنفيذه في أرض الواقع شبه مستحيل. فالإسلاميون لم يحددوا معايير واضحة تمنع الخلفاء من الانزلاق إلى طريق الظلم بعد وصولهم إلى الحكم.

وإن كان ماضي الخلافة هو الحَكَم، فلم يشهد تاريخ الخلفاء، سواء في الدولة الأموية، أو العباسية، أو العثمانية، حالة واحدة استطاعت فيها الشعوب المسلمة أن تمنع ظلم حاكم. بل بالعكس، كل من ثار على الحاكم الظالم اعتبر خائنا ومرتدا. وهذا نفس الأسلوب الذي يتبعه الرئيس إردوغان الآن مع معارضيه السياسيين.

تطبيق العدل أيضا معضلة كبيرة في مفهوم دولة الخلافة. فقد قلص الإسلاميون مفهوم العدل في تطبيق أحكام الشريعة، ولكنهم تجاهلوا كيف كانت المجتمعات المسلمة منذ بداية الدولة الأموية وحتى انتهاء الخلافة العثمانية مجتمعات طبقية بامتياز. فلم نسمع في تاريخ الخلفاء عن حداد وصل إلى سدة الحكم ولا عن نجار أدار شؤون مدينته.

مشكلة شباب الإسلاميين أنهم يحلمون بمجتمعات يكونون فيها هم القادة والأغنياء وعلية القوم. ولكنهم لم يفكروا ماذا سيكون وضعهم إن حكم الزمان عليهم أن يكونوا عبيدا أو خدم أو أغوات في قصر خليفتهم المزعوم.

أما مفهوم "الخلافة الدستورية"، كما يروج لها بعض الإسلاميين، فسعى لها السلطان عبد الحميد الثاني في بداية عهده، وهو الذي أسس مجلسا عموميا، تمثلت فيه كل الولايات عن طريق نوابٍ مُنتخبين، ووضع هؤلاء دستورا للدولة.

ولكن يتناسى هؤلاء أن السلطان عبد الحميد، هو أيضا من عطل الدستور وأعاد البلاد إلى الحكم المطلق. فما الذي يمنع أي خليفة مستقبلي من أن يفعل هذا؟

إن واجهت أحباء إردوغان بهذه السؤال فستجد أن الإجابة جاهزة: "تركيا بلد ديمقراطي". حتى لو سلمنا بهذا الرد المغلوط، وأغفلنا تسلط واستبداد إردوغان، فالرد يتجاهل كيف أن النظام التركي حالي مبني على أسس علمانية وليس دينية، فإن خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات القادمة (إن سمح مولانا بهذا) فلن يتبنى الرئيس القادم فكرة الخلافة ولن يطبقها.

فكرة انتخاب الخليفة في حد ذاتها فكرة هزلية، لأنها تسلب عقيدة الخلافة من أساس نشأتها وتحولها إلى نظام لا يختلف كثيرا عن أي نظام علماني.

الخلافة سواء كانت مطلقة، أم دستورية، أو رمزية، هي وهم بعيد المنال

أما الخلافة "الرمزية الناعمة"، فيروج لها فريق آخر من مؤيدي إردوغان، ومعظمهم من البرغماتيين. فهم يعترفون ولو ضمنيا أن تفعيل نظام الخلافة في الوقت الحالي صعب المنال. ولذلك يحلمون "بخلافة ناعمة"، تكون فيها تركيا هي البلد الأم، وترتبط بها، ثقافيا واقتصاديا وسياسيا، أنظمة الدول الأخرى التي تدور في فلكها. ولكنهم يناقدون أنفسهم، فهم يرفضون القوميات العربية وغيرها، بينما يهللون للقومية التركية التي هي جزء لا يتجزأ من عقيده الرئيس التركي وحلفائه داخل تركيا من القوميين الأتراك. هؤلاء القوميون لا يريدون المساواة بين العرق التركي والأعراق الأخرى، بل يرون العرق التركي أهم من غيره.

فريق إردوغان يعي ذلك جيدا، ويعلم أن أي إعلان للخلافة، حتى ولو كانت رمزية، من قبل إردوغان، قد يفقده شعبيته داخل تركيا، وينعكس سلبا عليهم إن خسر حزبه الانتخابات القادمة.

والدليل على ذلك، جاء على لسان المتحدث باسم الحزب الحاكم في تركيا عمر سليك، والذي عاد وأكد أن تركيا بلد "ديمقراطي علماني" وأنه من الخطأ خلق حالة من الاستقطاب في المجتمع التركي.

ولكن مع الأسف، لا يفهم العديد من شباب العرب دجل السياسة التركية، ويهللون لفكره هلامية، بدون تصور موضوعي مفصل وواضح.

الخلافة سواء كانت مطلقة، أم دستورية، أو رمزية، هي وهم بعيد المنال. فاستيقظوا يرحمكم الله.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.