Sheikh Nawaf al-Ahmad Al-Sabah salutes the crowd after being sworn in as Kuwait's new Emir at the National Assembly in Kuwait…
الأمير نواف الأحمد بعد تأديته قسم اليمين

تعيش الكويت هذه الأيام نقاشات سياسية حارة منعكسة عن ظروف وفاة أميرها الراحل سمو الأمير صباح الأحمد رحمه الله وتقلد أميرها الحالي، سمو الأمير نواف الأحمد، زمام الحكم. هذه النقاشات الحارة لا تنعكس عن ظرف الفقد والتغيير فقط وإنما هي تعكس كذلك المناخ الحرياتي الديمقراطي النسبي الذي تعيشه الكويت مقارنة بدول المنطقة. 

يتداول الناس الحوار اليوم حول رجالات "ونساءات" الدولة القادمين، حول طبيعة شخوصهم والدلالات السياسية لاختيارهم. وكعادة الكويتيين، الذين يبدو أن كل فرد من الثلاثة مليون نسمة هو محلل سياسي محنك، تصل النقاشات اليوم، تحليلا وتمحيصا وتفنيدا، للتكهن حول شخص ولي العهد القادم ومعنى اختياره وأثره على الموازنات الجديدة في أسرة الحكم.

وفي حين أن أمر ترتيب بيت الحكم والموازنات الداخلية هو على درجة عالية جدا من الخطورة والأهمية، إلا أن ما يبدو في رأيي أولوية ناصعة هو انعكاس التغييرات القادمة على القضايا الإنسانية وقضايا الحريات ومصير المعارضة في البلد. 

نحن نمر بمرحلة شائكة إقليميا، وكل مراحلنا الإقليمية شائكة، ومرصودة عالميا، مما سيتطلب قرارات سريعة وحاسمة في المستقبل القريب. سيتطلب الوضع مهادنة سريعة مع المعارضة، خصوصا الموجودة خارج الكويت، وإيجاد مساحة كافية لها على الساحة المحلية. فمن أجل أن يستقر الوضع داخليا، لا بد من خلق حيز يمكن أن تتواجد فيه المعارضة، حيّز كريم قابل لأن تعيد المعارضة تعريف نفسها من خلاله بحرية وأريحية. لا يمكن ضمان الاستقرار الداخلي لأي بلد دون وجود متنفس المعارضة فيه، فالصوت المعارض هو صمام الأمان القادر على ضبط الضغط ومنع الانفجار.

لدى الكويت أكثر من ملف حقوقي يستوجب المعالجة السريعة، أولها وأهمها هو ملف عديمي الجنسية والذي نأمل أن يجد حلولا نهائية وقاطعة وعادلة وإنسانية في القادم من الأيام

ولربما أفضل ما يمكن أن يضفي على المرحلة القادمة زهوها هو رفع درجة الحريات إلى مستوى يتواءم مع واقعية الحياة بكل الحيزات الإنترنتية الجديدة التي تعطي فرصة وبوقا ومنصة لكل من لا فرصة أو بوق أو منصة له. إنه زمن الاعتراف بالأمر الواقع وتمييز الظرف الحالي، أن التكنولوجيا فرضت درجة من الحريات غير مسبوقة وأفسحت مجالا لم يكن ليتوافر دونها، وصنعت ميكروفونات ما كانت لتعمل للحظة بلا تطورها. 

سيستمر الناس في قول آرائهم، وسيستمرون بالدفع بالخطوط الحمر، وسيستكملون مسيرة النقد الذي يخرج عن الأطر والتقاليد المتفق عليها، وعليه فإن هذه مرحلة زمنية وحياتية جديدة في العالم أجمع تتطلب ليس فقط فهم جديد لواقع الحال أو إعادة تقييم لقدرتنا الاستيعابية لمفهوم الحرية، ولكنها كذلك تتطلب وبالدرجة الأولى توسعة غير مسبوقة لمساحة المقبول، تتطلب طول بال مطاطي وصبر ينافس صبر النبي أيوب. على حكومتنا وكل حكومات العالم القادمة أن تلون خطوطها الحمر بلون مهادن مختلف، أن ترفع الحواجز وتوسع المكان، وذلك درءً للتزاحم والتصادم غير المستحبين والذين سيكونان عنوان المرحلة البشرية القادمة في حال بقي اللون الأحمر مسيطرا.

ولأن العالم دوما ما يتطلع إلى التغييرات أو التعديلات في الأوضاع الإنسانية المصاحبة لأي عهد جديد، حيث أن مقياس الحقوق الإنسانية هو الأقوى والأكثر تأثيرا في تصنيف الدول في القوائم الإنسانية المهمة مثل قوائم الحقوق، الاستقرار، السعادة، الإنتاج، وغيرها، فإن أمام الكويت اليوم تحديا كبيرا يحتاج للتعامل الحصيف والفوري معه. 

لدى الكويت أكثر من ملف حقوقي يستوجب المعالجة السريعة، أولها وأهمها هو ملف عديمي الجنسية والذي نأمل أن يجد حلولا نهائية وقاطعة وعادلة وإنسانية في القادم من الأيام. قضية عديمي الجنسية هي قضية غاية في التعقيد حيث أنها، رغم محاولة البعض التملص من هذه الحقيقة أو تغييرها، تأتي من العمق الكويتي، تخص أشخاص عاشوا في الكويت ما قد يزيد على الخمسين سنة، لهم انتماءات عرقية وقبلية وأسرية هي ذات الانتماءات الكويتية، ورغم ذلك يعانون من التهميش والانتقاص الحقوقي الذي لا يفترض أن يقع في دولة صغيرة ذات إمكانيات كبيرة تستطيع بموجبها حل المشكلة بسهولة وتحويلها في الواقع إلى مكسب داخلي.

الكويت صوتها عال دوما، تنتقد نفسها بقسوة تتسع لأصوات المواطنين المعتادين المشاركة السياسية والمدنية والمميزين تماما لحقهم الإنساني والمدني الأصيل في حرية إبداء الرأي والمشاركة الحقيقية

وملف عديمي الجنسية، كما الملفات الإنسانية الأخرى، مثل ملف العمالة المنزلية، ملف حقوق المرأة وملف المقيمين، هي ملفات شائكة وملحة ليس في الكويت فقط، إن لم تكن أكثر إلحاحا في الواقع، في المنطقة الخليجية والعربية عموما.

الكويت صوتها عال دوما، تنتقد نفسها بقسوة تتسع لأصوات المواطنين المعتادين المشاركة السياسية والمدنية والمميزين تماما لحقهم الإنساني والمدني الأصيل في حرية إبداء الرأي والمشاركة الحقيقية، وعليه تظهر صور هذه القضايا بوضوح في الداخل الكويتي، مما يعطي للساحة الكويتية الفرصة للفهم والمراجعة الحقيقيين كما ويعطي للساحة المحلية والعربية الفرصة للنظر في هذه القضايا ويشجعها على مواجهتها والتعامل الواضح معها. 

ملف عديمي الجنسية يجب أن يكون على رأس الأولويات الكويتية تحديدا والخليجية العربية عموما، هذه قضية لا تؤثر بشدة على الاستقرار الداخلي فقط، ولا تترك بصمتها الواضحة على التقييم الحقوقي والإنساني العالميين للدولة المعنية فقط، لكنها حقيقة، وبشكل ملموس محسوس، تترك أثرها على أرواح الناس وعقلياتهم ورؤيتهم للحياة. إن طريقة التعامل ـ وتقييم ـ مع هذه القضية تحكي القصة بأكملها مشفوعة بالخلاصة، خلاصة شاملة ودقيقة عن الشعب، عن منظوره للحياة، عن حقيقة مدنيته وعن مدى استيعابه للمفاهيم الحديثة مثل مفاهيم المدنية، الحقوق الإنسانية والهوية الوطنية.

وعلى الرغم من أن ملف حقوق المرأة هو الأولى بالقرارات الإصلاحية القاطعة الفورية، أرى اليوم حاجة ملحة وحقيقية لتغيير منهجية التعامل مع المقيمين الوافدين إلى الأراضي الخليجية بما في ذلك العمالة المنزلية. مع ارتفاع الحس العنصري العالمي، انتقلت العدوى كما هو متوقع للمنطقة الخليجية المثقلة أصلا بالكثير من الأفكار القبلية القديمة، مما وفر أرضا خصبة لعداءات وعنصريات يفترض أن فاتها الزمن تماما، إلا أنها عادت لتطل علينا برأسها القميء. 

يتطلب الوضع مهادنة سريعة مع المعارضة، خصوصا الموجودة خارج الكويت، وإيجاد مساحة كافية لها على الساحة المحلية

أهل الخليج، بأموالهم الوفيرة وأعداد سكانهم القليلة وأراضيهم المدنية الحديثة سيبقون رهن الحاجة للوافدين، كما سيبقى الوافدون يرون في دول الخليج فرصهم العظيمة لتحسين مستوى الحياة. تحتاج شعوب دول الخليج أن تستوعب هذه الرؤية بكل جوانبها عودة للمعادلة المتزنة في علاقاتها بل وأن تتعداها لمعادلة تامة ومكتملة، معادلة تعتمد على المفاهيم المدنية في تعامل هذه الدول مع وافديها، وتستند إلى القواعد القانونية في ترتيب وجودهم وحقوقهم، وتراعي الحقوق الإنسانية أساسا للتعامل اليومي والحياتي معهم. 

لقد تدهور الوضع مؤخرا، خصوصا على الساحة الكويتية، بين المواطنين والمقيمين إلى حد يستدعي القلق، ليس فقط القلق الحقوقي والإنساني تجاه هؤلاء المقيمين، بل كذلك قلق على الجانب النفسي والروحي والفكري لمضيفيهم الكويتيين المعتادين على استضافة الناس بروح محبة صادقة، والمتعايشين منذ بداية الدولة المدنية الحديثة مع ضيوفهم من مختلف أنحاء العالم بسلام ووئام. 

ربما أن استقبال العهد الجديد بخطة مدنية إنسانية واضحة تتعامل مع كل هذه الملفات الشائكة ستكون بادرة خير، تبارك للكويت عهدها المتجدد، "تبخرها" وقاية من الشرور والآلام، وترقي خطوها باتجاه المستقبل بالفأل الحسن. نتمنى...

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.