The mother of Omar Radi (pictured), a prominent Moroccan journalist and activist on trial over charges of rape and receiving…
والدة عمر راضي خلال اعتصام تضامني معه

خلال السنوات الخمس الأخيرة وجهت تهم جنسية إلى خمسة صحفيين في المغرب، هم: هشام المنصوري (الزنا)، توفيق بوعشرين (اغتصاب نساء والاتجار في البشر)، هاجر الريسوني (المعاشرة خارج الزواج والإجهاض)، سليمان الريسوني (اغتصاب شاب مثلي)، عمر الراضي (اغتصاب صحفية).

وفي بداية هذا الأسبوع نشر ناشط حقوقي وصحافي، هو المؤرخ المعطي منجب، على صفحته في موقع فيسبوك بيانا قصيرا أعلن فيه قرار اللجوء إلى إضراب عن الطعام لمدة ثلاثة أيام، مطالبا بتوقيف الحملات التشهيرية التي تشن ضده من منابر تابعة لأجهزة الاستخبارات، مهددا بالدخول في إضراب لا محدود عن الطعام. رغم معاناته من داء القلب ومن السكري.

فماذا يحدث في المغرب الآن؟ هل هي عودة لما عاشه المغاربة من قمع منهجي وتضييق للحريات زمن الملك الحسن الثاني؟

في لحظة ما ظن البعض أن تعبير عودة "سنوات الرصاص" إلى المغرب مجرد مبالغة صادرة عن أصحاب النظارات السوداء، ممن يرفضون رؤية الألوان الزاهية، ومن لا يعجبهم العجب!

قد يبدو أن من يتكلمون دائما عن "الاستثناء المغربي" على صواب، فما يحدث جعل من الفيلسوف الألماني كارل ماركس رجلا كاذبا، عندما ألقى بعبارته الشهيرة "التاريخ لا يعيد نفسه"، رغم استدراكه أن التاريخ قد يتكرر لكن بعكس المرة الأولى المأساة، إذ يحضر على شكل ملهاة.

في المغرب يتكرر التاريخ ويعيد نفسه على شكل مهزلة مأساوية أو مأساة هزلية. "لكنه ضحك كالبكا" كما قال المتنبي. أو وفق المثل الشعبي: "الهمّ إذا زاد يُضحك".

"سنوات الرصاص" لم تنته!

في سنواته الأخيرة بادر الملك الحسن الثاني بالتخفيف من قبضته الحديدية، في محاولة منه لتطهير الأجواء السياسية تمهيدا لعهد خلفه. عمد إلى إغلاق معتقلات سرية طالما كذب وجودها، مثل المعتقل السري الرهيب تازمامارت. لا زلت أتذكر كيف أجاب الحسن الثاني بهدوء، وهو ينفث دخان سيجارته، على سؤال صحفي أجنبي حول "تازمامارت"، قال العاهل بأن هذا المعتقل مجرد وهم في خيال بعض الصحفيين. وكيف قاطع الملك الصحفية الفرنسية آن سان كلير، التي استضافها في قصره مع الطاقم التقني للقناة الفرنسة "تي إف 1" لتسجيل حلقة من البرنامج الشهير "سبعة على سبعة" (1993)، لما ذكرت الصحافية اسم المعتقل السري بمدينة "قلعة مكونة"، سخر منها العاهل وهز كتفيه: "في قلعة مكونة لا يوجد شيء سوى الورود".

قبيل وفاته بسنة وبضعة أشهر، سارع العاهل إلى تعيين المعارض عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أول على رأس حكومة ائتلافية عرفت بـ "حكومة التناوب" (أبريل 1998).

كان حدثا غير مسبوق في المنطقة العربية. استدعاء معارض جرب قلب الحكم بالسلاح، مع رفيقه محمد الفقيه البصري، وعاش أعواما لاجئا قبل العفو عنه.

هل يعيش المغرب سيناريو تراجيدي كوميدي، وأن الجولة في سراديب "سنوات الرصاص" مستمرة؟

ثم قام الحسن الثاني بعدها، بما يمكن اعتباره تقييما لمرحلة حكمه، في آخر حوار صحفي له قبل وفاته بأيام قليلة أدلى به إلى صديقه الصحفي الفرنسي جان دانيال، نشرته أسبوعية "لونوفيل أوبسرفاتور" (عدد 8 يوليوز 1999)، صرح الحسن الثاني بما يشبه الاعتذار عن سنوات القمع التي مارسها ضد معارضيه. وذكر الملك في نفس الحوار ندمه على تنكيله بأسرة الجنرال محمد أوفقير الذي قاد محاولة انقلاب فاشلة ضد عرش مملكته، وتكلم عما سماه بـ: "أخطائي الفادحة".

بعد وفاة الحسن الثاني في 23 يوليو 1999، اعتلى العرش الملك محمد السادس. شاع أمل كبير، أطلق الملك الشاب على نفسه لقب "ملك الفقراء" و"ملك الإصلاح". ثم تكلم عن "المفهوم الجديد للسلطة"، ورفع الإقامة الجبرية عن الزعيم الإسلامي عبد السلام ياسين (جماعة العدل والإحسان)، وسمح بعودة المعارض الماركسي ابراهام السرفاتي، وأعفى وزير الداخلية القوي إدريس البصري، وأمر بتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة لجبر الضرر الذي لحق بضحايا سنوات الرصاص، إلى غير ذلك من المؤشرات المبهجة.

بدا أن التاريخ يتحرك بسرعة إيجابية لصالح المستقبل والناس.

لكن ما إن حل خريف 2002، حتى بدأت تظهر علامات التراجع والنكوص. في أول انتخابات برلمانية جرت في عهد الملك الجديد أسفرت عن فوز حزب الوزير الأول بالرتبة الأولى. بدأ عبد الرحمان اليوسفي يتهيأ لتشكيل حكومة ولايته الثانية، فإذا به يفاجأ من على شاشة التلفزيون، بخبر تعيين وزير الداخلية في الحكومة المنتهية صلاحيتها، صانع الأحذية إدريس جطو، الذي وضع قدمه أول مرة في حقل السياسة يوم دخل إلى القصر الملكي ليأخذ مقاس قدم الحسن الثاني ليصنع له حذاء مريحا، فإذا به يجد نفسه يستدعى من طرف خلفه ليصنع حذاء أضيق لانفراج كان مأمولا.

يومها غضب عبد الرحمان اليوسفي وأعلن اعتزاله العمل السياسي.

التشهير بدل الهراوات

في عهد الوزير الأول الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي، لم تتوقف الانتهاكات ضد الصحافة. تكفي الإشارة إلى منع أسبوعيتي "لوجورنال" و"دومان".

واستمرت جرجرة الصحفيين أمام المحاكم، وسجن بعضهم، إلى أن وصلنا إلى اعتقال نشطاء "حراك الريف"، وضمنهم مدونون صحفيون وأصحاب مواقع إلكترونية. بل سجن صحفي ساند الحراك المذكور، بتهمة عزمه "إدخال دبابة إلى البلاد". (الصحفي عبد الحميد المهداوي).

فجأة انقلبت صورة المشهد السابق في عهد الحسن الثاني، من محاكمة المناضلين السياسيين والنقابيين وسجنهم، إلى محاكمة وسجن الصحافيين والمدونين في عهد محمد السادس.

مع ظهور الإعلام الجديد بدأ السعي الحثيث إلى ضبط الوضع المتفاقم، هكذا طفت على السطح عناوين كثيرة لمواقع تم التشكيك في استقلاليتها ومهنيتها، ووصفها متتبعون بأنها "موجهة من طرف الأجهزة الاستخباراتية"، واتهمت بكونها "منصات متخصصة في الهجوم على النشطاء الحقوقيين والمعارضين"، وأن "القراء اعتادوا على لجوء تلك الصحف والمواقع إلى تشويه من يعارض سياسة النظام، من الصحفيين والمدونين والمدافعين عن حقوق الإنسان". بهذا الصدد يقول ناشط حقوقي (رفض الإشارة إلى اسمه)، "إن المسؤولين في المغرب يثبتون جيدا بمثل هذه الممارسات، مقولة المفكر نعوم تشومسكي بأن "الدعاية في النظام الديمقراطي هي بمثابة الهراوات في الدولة الشمولية".

لكن ماذا نسمي نظاما يزاوج بين الهراوة والدعاية؟!

تهم متشابهة

في فبراير 2018 حكم على الصحفي توفيق بوعشرين مدير صحيفة "أخبار اليوم" بالسجن 12 سنة، في أجواء من البروباغندا العالية الإثارة. وكانت التهمة "اغتصاب نساء والاتجار في البشر"، وهي التهمة التي قال عنها دفاعه إنها ملفقة، وأن أدلة الإثباث، ومنها فيديوهات مصورة بكاميرا خفية، هي أشرطة مزورة خضعت للمونتاج. ورأى آخرون أن سجن بوعشرين له صلة بالخط التحريري لجريدته الممالئة للإخوان المسلمين في المغرب وقطر وتركيا، وراجع إلى افتتاحياته الانتقادية، ولكتاباته المتحرشة برجل الأعمال والوزير عزيز أخنوش، صديق الملك، (حاليا: الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار).

لم تمر سنتان حتى تم اعتقال صحفي آخر من نفس الجريدة "أخبار اليوم" (22 مايو 2020)، وهو سليمان الريسوني، ابن أخ أحمد الريسوني، الذي خلف الشيخ يوسف القرضاوي في رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. والتهمة: "اغتصاب شاب مثلي" نشر تدوينة على فيسبوك زعم فيها الاعتداء عليه جنسيا من طرف سليمان الريسوني. لم تنتظر النيابة العامة أي شكوى من طرف المعني، وسارعت إلى اعتقال الصحفي من أمام منزله وسط الشارع.

ما إن حل خريف 2002، حتى بدأت تظهر علامات التراجع والنكوص

قبلها تم استدعاء الصحفي عمر الراضي، وجرى التحقيق معه مرات، في تهمة "التطاول على القضاء"، ثم "التخابر مع دول أجنبية والمس بسلامة الدولة". ثم أدخل إلى سجن "عكاشة" في الدار البيضاء لمدة، أفرج عنه بعدها. واستدعته الفرقة الوطنية للشرطة مجددا إلى ولاية الأمن لاستئناف التحقيق. وسيفاجأ الرأي العام بإيداعه السجن بتهمة إضافية، بعد أن تقدمت صحفية بشكوى ادعت فيها أن الراضي قام باغتصابها.

أن تكون كل التهم جنسية في مواجهة صحفيين عرفوا بجرأتهم وانتقادهم للنظام (!) هذا ما يدخل الشك إلى الرؤوس. تحدث أكثر من معلق. بادر البعض بإعادة نشر فيديو ندوة كان قد شارك فيها عمر الراضي ينتقد فيها أعلى سلطة في البلاد، للتأكيد أن تدخله هو سبب ما يتعرض له من اضطهاد. علما بأن الراضي كان أيضا حقق السبق الصحفي في كشفه عن فضيحة ما يعرف بـ أراضي "خدام الدولة"، وحقق في اختلاس ملايين البرنامج الاستعجالي للتعليم.

غسيل أموال وانتقام

في هذه الأيام، تمت إعادة فتح ملف قضائي كان قد تم حفظه، وهو ملف المعطي منجب، والتهمة هي غسيل الأموال، وكان منجب، منع من السفر عام 2015، ما اضطره للدخول في إضراب عن الطعام.

وبعد أن ظهر أن هذه القضية دخلت طي النسيان، تم إحياؤها من جديد، واستدعي المؤرخ مرة أخرى مع أفراد من عائلته ونشطاء للتحقيق معهم في "جريمة غسل الأموال". في 7 أكتوبر 2020 عمم النائب العام للملك بلاغا جاء فيه أن النيابة العامة توصلت بإحالة من مؤسسة مراقبة العمليات المالية ورصد جرائم غسل الأموال، تتضمن جردا لمجموعة من "التحويلات المالية المهمة"، وقائمة بعدد من "الممتلكات العقارية" التي شكلت موضوع "تصاريح بالاشتباه" لأنها "لا تناسب المداخيل الاعتيادية التي صرح بها المعطي منجب وأفراد عائلته".

أن تكون كل التهم جنسية في مواجهة صحفيين عرفوا بجرأتهم وانتقادهم للنظام (!) هذا ما يدخل الشك إلى الرؤوس

كان أول تعليق صدر عن المعطي منجب، نشره على صفحته في فيسبوك، هو: "لحسن حظنا التهمة ليست جنسية".

وأضاف منجب أن الهدف هو إضعاف موقفه أمام الرأي العام الوطني والدولي "بتهمة حق عام بحتة"، متسائلا كيف أنه متابع "منذ خمس سنوات، ومع ذلك لم تنطلق محاكمته، وأن تحريك هذه القضية ضده يعد ردا على تصريحات أدلى بها. وفسر منجب بأن ما يتعرض له من مضايقات وتهديدات وصلت إلى حد "التهديد بالقتل زيادة على التشهير به عن طريق مواقع تسخرها الأجهزة الأمنية لهذه الغاية"، لكون "النظام ـ وفق تصريحه ـ يرفض النقد ويفضل أن تكون الحكومة وحدها هدفا له". وأن متابعته تأتي انتقاما من مقال نشره مؤخرا بعنوان: "الأمن السياسي يخبط خبط عشواء".

نشير إلى أن من أعضاء لجان التضامن مع الدكتور المعطي منجب، نجد المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، والأنثروبولوجي عبد الله حمودي، والشاعر عبد اللطيف اللعبي، والناشط الحقوقي اليساري سيون أسيدون (من الطائفة اليهودية المغربية)، ورجل الأعمال كريم التازي، وشخصيات دولية أخرى.

في الشهر الماضي (سبتمبر 2020) وجّهت منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى الأمم المتحدة "طلب إدانة علنية لتوظيف القضايا الجنسية ضد الصحفيين المنتقدين في المغرب". وعلقت المنظمة على أوضاع الصحافة وحرية التعبير في بيان لها بأن "المغرب وفيٌّ لرتبته المتأخرة في حرية الصحافة". (المرتبة 133 عالميا من أصل 180 دولة، في مؤشر حرية الصحافة لسنة 2020).

هل يعيش المغرب سيناريو تراجيدي كوميدي، وأن الجولة في سراديب "سنوات الرصاص" مستمرة؟

هل نقول مع المتشائمين: اربطوا أحزمتكم، و"استعدوا، الماضي قادم!" حسب الشاعر البحريني قاسم حداد؟

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.