محمد رمضان مع لاعب منتخب إسرائيل لكرة القدم ضياء سبع في دبي
هل سينتفض الشعب المصري كلما ظهرت صورة لمواطن مصري مع إسرائيلي في دبي أو المنامة؟- محمد رمضان | Source: @IsraelArabic

كمعظم الشعب المصري، لم أقابل أي شخص يهودي، حتى انتقلت إلى بريطانيا.

أول تجربه عندما كنت طبيبه تحت التمرين في منطقه ذي نسبه عاليه من السكان اليهود، وبالطبع لم تمض أيام حتى استقبلت أول مريضه يهوديه من طائفه الأرثوذكس المحافظين دينيا.

تجمدت في مكاني حين رأيتها وتذكرت كل المسلسلات المصريه عن اليهود، من مسلسل "دموع في عيون وقحة" إلى مسلسل "رأفت الهجان"، وتخليت للحظات أنني أواجه الموساد الإسرائيلي الذي يتربص بي كمصرية.

ولكني أفقت من أوهامي سريعا على صوت المريضة وهي تتألم، وزوجها يحاول أن يهدأ من روعها.

لاحظت في عينيه التخوف مني، ربما لتخمينه أنني عربية، ولكنه استمع إلي بإنصات ووافق، ولو بتخوف، على خطتي لمعالجة حالتها.

في اليوم التالي، رأيت الزوج وهو يهرول ناحيتي وانا أصعد السلالم خارج العنبر. وللمرة الثانيه، مرت كل الهواجس السلبيه في خاطري، وتخيلت أن هذا اليهودي بلحيته الطويله وطاقيته، سيحاول أن يتهجم علي، ولكني فوجئت بابتسامته وهو يشكرني بكل أدب علي علاج زوجته وتخفيف آلامها.

مرت السنوات وتدرجت في وظيفتي، حتي عينت في لجان اختيار الوظائف للأطباء تحت التمرين، تصادف في إحداها، أن يكون زميلي في نفس اللجنه يهوديا أرثوذكسيا، يعمل في نفس المنطقه التي عملت بها آنذاك ولكن في مستشفى مختلف.

وكالعادة، بدأت أفكر كأي مصري، و لم أتوقع منه أن ينصف أي طبيب أو طبيبة مسلمة ، وتعمدت ألا أفصح عن أصولي المصريه حتي أري كيف يتعامل مع المتقدميين وخصوصا ذوي الأسماء المسلمة.

وبالفعل دخلت طبيبة مسلمة من أصل هندي، واندهشت أن زميلي اليهودي أعطاها درجة أعلى من الدرجة التي أعطتيتها لها.

سألته لاحقا لماذا هذا التقييم السخي مع أن الفتاه لم تجب جيدا على الأسئلة التي وجهناها لها؟ فابتسم وقال لي، أنه يحرص دائما علي مساعدة الأطباء الجدد لأن أمامهم طريق طويل وكله مصاعب جمة.

تدريجيا، تعلمت ألا أحكم على أحد بناء على دينه أو عرقه. 

فاليهود سواء من يحمل منهم الجنسية الإسرائيلية أو لا يحملها، كغيرهم من الأعراق والأجناس، فيهم الصالح والطالح، المهذب وغير مهذب، والمحب للسلام، والرافض له. وأن صفات الشخصية لأي يهودي ليس لها أي علاقه بالجنسية التي يحملها، سواء إسرائيليه أو غيرها.

فهناك يهود يدافعون عن إسرائيل، حتي لو لم يقيموا داخلها، وهناك أيضا يهود ينتقدون إسرائيل يوميا، بالرغم من أنهم يعيشون فيها.

ثقافه رفض التطبيع و شيطنة اليهود ازدهرت في مصر في عصر الرئيس السابق مبارك، بالرغم من إصرار نظام مبارك على الحفاظ على اتفاقيه السلام بين مصر وإسرائيل، واستعادة مصر سيناء كامله من إسرائيل.

أصبح رفض التطبيع، ليس فقط قضية سياسية تدعم الشعب الفلسطيني، ولكن وسيلة للمزايدة ضد أي خصم، وسلاح فتاك للاغتيال المعنوي وتلويث السمعة. 

رافضو التطبيع في مصر يدعون أن هناك فرقا بين اتفاقيات السلام التي توقعها الحكومات وبين التطبيع بين الشعوب . أي أن من حق أجهزة الدولة أن تتعامل مع إسرائيل من منطلق اتفاقيه السلام الموقعة بين الدولتين ولكن ليس من حق أي مصري أن يتماشى مع سياسة الدولة تجاه إسرائيل والإسرائيليين.

حالة الممثل المصري محمد رمضان، الذي أوقفته نقابه المهن التمثيلية عن العمل أخيرا بتهمة التطبيع هي خير مثال على هذا الشذوذ الفكري.

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصورة للفنان المصري محمد رمضان، تظهره وهو يحتضن المطرب الإسرائيلي المعروف عومير آدم في دبي.

صب المصريون جام غضبهم على محمد رمضان بحجة أن التصوير مع إسرائيلي وإقامة حفله غنائيه يحضرها إسرائيلين هي خيانة عظمى للقضية الفلسطينية. بل وأسرعت نقابة المهن التمثيلية بإيقافه عن العمل وكأن منعه من التمثيل سيحرر القدس ويقيم الدولة الفلسطينية.

الطريف أن معظم المصريين الغاضبين من محمد رمضان يترحمون على السادات ويمدحون دهاءه، وأيضا يؤيدون قرار الدولة بإغلاق معبر رفح وتدمير الإنفاق بين مصر وغزة، بحجة أن السلام خيار استراتيجي، و أن أمن مصر القومي هو الأولوية لكل المصريين.

اختار الشعب المصري الواقعيه للتعامل مع الواقع الأمني والسياسي، والشعبوية العاطفية في التعامل مع الحالات الشخصية والاجتماعية — وهذا ببساطة ضرب من العبث. 

الأخطر ، أن هذا العبث لا ينحسر فقط في التعامل مع إسرائيل، ولكن مع دول خليجية شقيقه كدولة الامارات ومملكة البحرين، وقفت مع مصر في العسر واليسر.

هناك العديد من الأسئلة لم يجب عليها الغاضبون من التطبيع:

كيف سيتعامل المصريون المقيمون في الإمارات والبحرين مع المواطنيين الإسرائيليين الزائرين أو العاملين هناك بعد توقيع اتفاقية السلام الإبراهيمي؟

هل سينتفض الشعب المصري كلما ظهرت صورة لمواطن مصري مع إسرائيلي في دبي أو المنامة؟ أم سيف الإيقاف والعقاب فقط للمشهورين المطلوب اغتيالهم معنويا؟ 

هل رفض التطبيع هو فعلا لنصرة القضية الفلسطينية أم هو سلاح عبثي يهدف لإرضاء الكبرياء المصري وإرضاء عقد النقص المتمكنة منه؟

للأسف أصبحنا نعيش كأهل الكهف، سجناء اعتقادات ومفاهيم بالية، لا تتماشى مع الواقع الذي نعيش فيه. 

الواقع يقول أن اليهود سواء من يحمل منهم الجنسية الإسرائيلية أو لا يحملها، كغيرهم من الأعراق والأجناس، فيهم الصالح والطالح، المهذب وغير المهذب، والمحب للسلام، والرافض له. وأن صفات الشخصيه لأي يهودي ليس لها أي علاقه بالجنسية التي يحملها، سواء إسرائيلية أو غيرها.

الوهم المصري في المقابل، يصر علي شيطنة اليهود ويضخم من أهميه وتأثير الرفض المصري للتطبيع، مع أن هذا آخر هموم الإسرائيليين، وخصوصا بعد انفراج العلاقات مع العديد من دول الخليج.

أتمنى أن ينظر المصريون كيف يتعامل الشعب الإماراتي بنضج وعقل مع قضيه السلام مع إسرائيل، وكيف تركت قيادتة الحكيمة الحرية للأفراد للتعامل مع الإسرائيليين أو تجنبهم إن شاؤوا.

الشعب ⁧‫المصري‬⁩ ليس قطيعا من الخراف يتبع مرشدا.

‏الشعب المصري مكون من أفراد من حق كل منهم أن يتفق أو يختلف في قناعاته، ما دام لا يضر مصالح الوطن.

كفاكم شعبية واهي،  فالسفارة ما زالت في العمارة والدموع "الوقحة" جفت منذ عقود طويلة، وهمام ليس الآن في أمستردام ولكن في دبي. 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.