(FILES) In this file photo taken on December 13, 2020, Moroccans celebrate in front of the parliament building in Rabat after…
مغاربة يحتفلون بعد اعتراف ترامب بسيادة المملكة على الصحراء الغربية

بالروح بالدم، نفديك يا زعيم! بالروح بالدم، نفديك يا شهيد! لماذا علينا أن نفدي زعماءنا وشهداءنا وقضايانا... بالروح وبالدم؟

لماذا لا نتشبث بالحياة حتى ندافع أكثر عن عدالة قضايانا، وعن روح شهدائنا وعن القيم والمبادئ والمشاريع المجتمعية والسياسية التي نؤمن بها؟ (أما الزعماء.. فلست أدري صراحة لماذا علينا أن نفديهم بالروح والدم!)

ببساطة، لأن عددا كبيرا ممن يهتفون بهذا الشعار، يهتفون به أساسا لأنه.. شعار.  شعار.. فقط!

وهذا جزء من الأزمة. أزمة شعوب تعتبر أن الشعارات تحل الأزمات.. وأن القصائد الثورية تحرر الشعوب من الدكتاتورية أو من الاستعمار أو من الاستبداد. وأن الوقفات الاحتجاجية التي قد يجتمع فيها النقيضان: اليساري والإسلامي، هي الطريق الأقصر للديمقراطية وحقوق الإنسان.  

في علاقة شعوب المنطقة بفلسطين، تغرق الأغلبية في شعارات العروبة والإسلام.. فتؤذي فلسطين والفلسطينيين على حد سواء!  

الدفاع عن القضية الفلسطينية يفترض أن يكون دفاعا إنسانيا قبل كل شيء. أن ندافع عن حق الفلسطينيين باسم الإسلام يمنع عن عدالة قضيتهم تضامن الكثير من غير المسلمين، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بل أيضا عبر العالم بأسره، وأساسا من داخل الفلسطينيين غير المسلمين أنفسهم. 

الدفاع عن الفلسطينيين باسم الانتماء للعروبة يعني أن قضيتهم لا تستحق تضامن الأوروبيين والأميركيين والأمازيغ والأكراد وغيرهم، بل حتى بعض الإسرائيليين أنفسهم! 

الدفاع عن القضية الفلسطينية يفترض أن ينبع من الانتماء للإنسانية لا غير، لأنهم شعب يتعرض للاحتلال ولانتهاك الكرامة وسلب الأرض وكل ما يرتبط بالاحتلال من ظلم وجور وقتل! 

ولكي ندافع عن قضية إنسانية، لسنا نحتاج لأن ننتمي لدين معين ولا لقومية معينة، بل فقط للإنسانية. 

الآن، ومع عودة العلاقات الرسمية بين المغرب وإسرائيل، انطلقت من جديد شعارات التخوين والعروبة والإسلام.. وكأن من يرفعون هذه الشعارات، هم أنفسهم بالتحديد من يقدمون خطوات فعلية لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، في حين يقف الاتفاق المغربي\الأميركي\الإسرائيلي عائقا أمامهم!

الحجج التاريخية على مغربية الصحراء كثيرة، ومن حق المغرب دبلوماسيا أن يستغل القنوات الممكنة للدفاع عن حقوقه وعن وحدته الترابية وأن يوقف نزيف الدم ونزيف العبث الذي انطلق منذ نهاية الاحتلال الإسباني للصحراء المغربية. 

اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بمغربية الصحراء هو مكسب دبلوماسي وسياسي مهم للمغرب. ومن حق الدبلوماسية المغربية (بل ومن واجبها) أن تسلك الطرق التي تسير بها نحو حماية وحدتها الترابية. 

في نفس الوقت، رمزية اتصال الملك محمد السادس بالرئيس محمود عباس مباشرة بعد إعلان الاتفاق (وليس بنتانياهو مثلا) هو في حد ذاته إعلان رسمي من المغرب باستمرار التزامه بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين، خارج لغات الشعارات، وخارج لغات التخوين. 

من السهل أن يرفع البعض شعارات التخوين، أساسا لأنها مجرد شعارات تدغدغ مشاعر العامة وحلم "الأمة العربية الإسلامية"! 

ومن السهل أيضا أن يتغنى بنفس الشعارات التخوين والتهويل من لهم سفارة في تل أبيب منذ سنوات طويلة، ومن يعقدون الصفقات التجارية والسياحية والدبلوماسية مع إسرائيل.. وهم يرفعون شعارات المظلومية الإسلامية وفلسطين وغزة! 

لكن، ألم نقل إننا شعوب تحتاج لكثير من الشعارات حتى تشعر بأنها "حاربت بالروح وبالدم"!؟

كل تفاصيل "اليهود المغاربة في إسرائيل" و"العروبة" و"الإسلام" و"الأخوة"، هي شعارات. شعارات لن تحل قضية الصحراء المغربية وتكالب الجيران عليها منذ سنوات، ولن تمنح للفلسطينيين حقوقهم أمام كيان يستعمر أرضهم وينتهك حقوقهم. 

والسياسة.. السياسة الحقيقية، لا تعترف بالشعارات.
 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.