بالروح بالدم، نفديك يا زعيم! بالروح بالدم، نفديك يا شهيد! لماذا علينا أن نفدي زعماءنا وشهداءنا وقضايانا... بالروح وبالدم؟
لماذا لا نتشبث بالحياة حتى ندافع أكثر عن عدالة قضايانا، وعن روح شهدائنا وعن القيم والمبادئ والمشاريع المجتمعية والسياسية التي نؤمن بها؟ (أما الزعماء.. فلست أدري صراحة لماذا علينا أن نفديهم بالروح والدم!)
ببساطة، لأن عددا كبيرا ممن يهتفون بهذا الشعار، يهتفون به أساسا لأنه.. شعار. شعار.. فقط!
وهذا جزء من الأزمة. أزمة شعوب تعتبر أن الشعارات تحل الأزمات.. وأن القصائد الثورية تحرر الشعوب من الدكتاتورية أو من الاستعمار أو من الاستبداد. وأن الوقفات الاحتجاجية التي قد يجتمع فيها النقيضان: اليساري والإسلامي، هي الطريق الأقصر للديمقراطية وحقوق الإنسان.
في علاقة شعوب المنطقة بفلسطين، تغرق الأغلبية في شعارات العروبة والإسلام.. فتؤذي فلسطين والفلسطينيين على حد سواء!
الدفاع عن القضية الفلسطينية يفترض أن يكون دفاعا إنسانيا قبل كل شيء. أن ندافع عن حق الفلسطينيين باسم الإسلام يمنع عن عدالة قضيتهم تضامن الكثير من غير المسلمين، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بل أيضا عبر العالم بأسره، وأساسا من داخل الفلسطينيين غير المسلمين أنفسهم.
الدفاع عن الفلسطينيين باسم الانتماء للعروبة يعني أن قضيتهم لا تستحق تضامن الأوروبيين والأميركيين والأمازيغ والأكراد وغيرهم، بل حتى بعض الإسرائيليين أنفسهم!
الدفاع عن القضية الفلسطينية يفترض أن ينبع من الانتماء للإنسانية لا غير، لأنهم شعب يتعرض للاحتلال ولانتهاك الكرامة وسلب الأرض وكل ما يرتبط بالاحتلال من ظلم وجور وقتل!
ولكي ندافع عن قضية إنسانية، لسنا نحتاج لأن ننتمي لدين معين ولا لقومية معينة، بل فقط للإنسانية.
الآن، ومع عودة العلاقات الرسمية بين المغرب وإسرائيل، انطلقت من جديد شعارات التخوين والعروبة والإسلام.. وكأن من يرفعون هذه الشعارات، هم أنفسهم بالتحديد من يقدمون خطوات فعلية لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، في حين يقف الاتفاق المغربي\الأميركي\الإسرائيلي عائقا أمامهم!
الحجج التاريخية على مغربية الصحراء كثيرة، ومن حق المغرب دبلوماسيا أن يستغل القنوات الممكنة للدفاع عن حقوقه وعن وحدته الترابية وأن يوقف نزيف الدم ونزيف العبث الذي انطلق منذ نهاية الاحتلال الإسباني للصحراء المغربية.
اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بمغربية الصحراء هو مكسب دبلوماسي وسياسي مهم للمغرب. ومن حق الدبلوماسية المغربية (بل ومن واجبها) أن تسلك الطرق التي تسير بها نحو حماية وحدتها الترابية.
في نفس الوقت، رمزية اتصال الملك محمد السادس بالرئيس محمود عباس مباشرة بعد إعلان الاتفاق (وليس بنتانياهو مثلا) هو في حد ذاته إعلان رسمي من المغرب باستمرار التزامه بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين، خارج لغات الشعارات، وخارج لغات التخوين.
من السهل أن يرفع البعض شعارات التخوين، أساسا لأنها مجرد شعارات تدغدغ مشاعر العامة وحلم "الأمة العربية الإسلامية"!
ومن السهل أيضا أن يتغنى بنفس الشعارات التخوين والتهويل من لهم سفارة في تل أبيب منذ سنوات طويلة، ومن يعقدون الصفقات التجارية والسياحية والدبلوماسية مع إسرائيل.. وهم يرفعون شعارات المظلومية الإسلامية وفلسطين وغزة!
لكن، ألم نقل إننا شعوب تحتاج لكثير من الشعارات حتى تشعر بأنها "حاربت بالروح وبالدم"!؟
كل تفاصيل "اليهود المغاربة في إسرائيل" و"العروبة" و"الإسلام" و"الأخوة"، هي شعارات. شعارات لن تحل قضية الصحراء المغربية وتكالب الجيران عليها منذ سنوات، ولن تمنح للفلسطينيين حقوقهم أمام كيان يستعمر أرضهم وينتهك حقوقهم.
والسياسة.. السياسة الحقيقية، لا تعترف بالشعارات.