عشقت اليمن منذ صباي بعد أن قرأت ما كتبه الكاتب المصري الراحل أنيس منصور عن بلد يجهله الكثيرون.. اليمن الذي عرف حكم الملكات من بلقيس قبل الإسلام إلى أروى بنت أحمد بعد الإسلام.
اليمن كما عرفه أنيس منصور كان يحاول أن يتخلص من رجعية حكم الإمامة، ولكنه تحول إلى ڤيتنام للرئيس المصري عبد الناصر، الذي غامر بجيشه وانتهى بخسارة آلاف الجنود في حرب شرسة استمرت لأعوام عدة.
بالرغم من اختلاف ديناميكية الصراع في اليمن اليوم عن الحرب في ستينيات القرن الماضي، فإن هناك عوامل مشتركة.
وعام 2015، كتبت محذرة بأن التدخل السعودي في اليمن قد يلقي مصير التدخل المصري في الستينات، بالرغم من اختلاف الظروف وأطراف الصراع.
ولكن يجب أن لا ننسى، أن تدخل عبد الناصر في اليمن كان بهدف إنقاذها من حكم الإمامة، الذين استخدموا الترهيب والقات والخرافات لقمع الشعب اليمني.
السعودية الآن تدعم الشرعية اليمنية ضد الحوثيين، الذين يبغون إرجاع البلاد إلى ظلمات القرون الوسطي وفرض الزيدية السياسية وثقافة الكره ومعاداة الغرب على غالبية سكان البلاد.
تتصدر اليمن الآن قائمة أوليات السياسة الخارجية الأميركية، وهناك رغبة صادقة من الرئيس الأميركي، جو بايدن، لإنهاء الصراع في بلد مزقته الحروب.
أتفهم محاولة الرئيس الأميركي التعامل ببرغماتية مع الحوثيين، حيث ألغى تصنيفهم منظمة إرهابية في قرار دخل اليوم 16 فبراير 2021 حيز التنفيذ.
وأرى أن القرار يهدف في المقام الأول لعدم حرمان ملايين اليمنيين الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين من المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى أنه يأمل أن يشجع الحوثيين على دخول مفاوضات جادة لإنهاء الحرب ووقف معاناه الشعب اليمني.
ولكن مع الأسف، من الصعب لهذا الأمل أن يتحقق على أرض الواقع. ففي 2015، سيطر الحوثيون على صنعاء، وزحفوا نحو مأرب ثم عدن، ولم يتراجعوا إلا بعد التدخل السعودي.
اليوم، وبعد 6 أعوام من الكر والفر، ورغم المرونة الأميركية وإلغاء تصنيف الحوثي كجماعة إرهابية، يزحف الحوثيون مره أخرى نحو مأرب، الغنية بثرواتها الزراعية والحيوانية، وحقول النفط والغاز، بهدف حصارها وإجبارها على الاستسلام.
الزحف الحوثي ينذر بتعميق الأزمه الإنسانية في اليمن، ويزيد من عدد النازحين. وعليه يتوجب على المجتمع الدولي والإعلام الغربي إدراك أن جماعه الحوثي ليس لديها أي دافع لإنهاء الحرب في اليمن. على عكس السعودية التي تحاول إنهاء الصراع .
في صراعهم مع السعودية وحلفائها، يتبع الحوثيون مبدئين أساسيين:
1- "الحرب هي الطريق الأمثل إلى السلم المناسب". يسعي الحوثيون إلى تحقيق أكبر قدر من الانتصارات الميدانية، قبل الدخول في أي مفاوضات.
2- يؤمن الحوثيون بالمثل الروسي القائل إن القلعة التي تتفاوض نصف مهزومة. ولهذا فهم يرون أن رفع سقف التفاوض هو الطريق الوحيد للحد من التنازلات السياسية التي قد تفرض عليهم في أي تسوية سياسية.
وسط ضعف شديد للحكومة الشرعية وحلفائها وأخطاء جسيمة للتحالف السعودي المؤيد لها، تقاوم مأرب العصية على الزيدية السياسية والنفوذ الإيراني المتزايد في اليمن، الذي يديره بعيدا عن الأضواء، الجنرال الإيراني حسن إيرلو، سفير إيران في صنعاء.
معركه مأرب ستحدد مستقبل اليمن وأيضا مستقبل الخليج العربي، وسط سيناريوهات مظلمة ومخيفة. إن استطاع الحوثيون انتزاع مأرب من قوات الشرعية، فهذا سيعني إحكام سيطرتهم على الجزء الأكبر من سكان اليمن وثرواته الطبيعيه، وتغيير التوازن الاستراتيجي في اليمن لصالحهم.
والأخطر أن النصر في مأرب سيشجع الحوثيين علي المطالبة باعتراف دولي بحكومتهم المواليه لإيران، بزعم أنها تستمد شرعيتها من الأمر الواقع، وأن حكومه الرئيس عبدربه منصور هادي لا محل لها من الإعراب.
حتى لو لم تسقط مأرب، فأوراق الضغط الأميركية على جماعه الحوثي، وفرصة اقتناص تنازلات منهم ليست سهلة. رويدا رويدا يخرج اليمن من التاريخ، ويترك شعبه لتتحكم فيه طيور الظلام، التي تريد إرجاعه إلى عصور حكم الإمامة.
من حق المجتمع الدولي أن ينتقد التحالف السعودي والحكومة الشرعية في اليمن على أخطاء الماضي. ولكن ليس من حقهم أن ينصروا جماعة الحوثيين بزعم حمايه الشعب اليمني. فالظلام لن يأتي بالنور، والسلام لن يولد من رحم الرجعية، والسجان لن يرحم المسجون، وإيران لن تقدم اللبن والعسل لليمن.