أملنا الوحيد دعم مبادرة البطريرك بحذافيرها
أملنا الوحيد دعم مبادرة البطريرك بحذافيرها

انشغل الشارع اللبناني في الأسبوع الفائت بنقاش ما تفضل به علينا بعض الصحافيين، من أن سوريا، وبشار الأسد، عائدان إلى لبنان على خلفية ما أشيع عن اللقاء الإيراني – السعودي في العراق، والزيارة التي سرّب انها حصلت للحميداني الى سوريا. في إطار اللهجة الودية التي تسود الخطاب السعودي تجاه إيران والعكس. فلقد أشار السيد حسن نصرالله إلى ولي العهد السعودي "بسمو الأمير"، على غير عادة؛ هو المتخصص بتوجيه الشتائم والتهديدات إليها.

هناك بالطبع موجة من التحولات واتجاه نحو الحوار في المنطقة بين الدول. لكن ذلك لا يعني انه سيؤدي إلى إعادة تعويم نظام الأسد على ما ترغب به كل من روسيا وإيران!!

لكن سرعان ما استغلت أبواق الممانعجية هذا الجو فشرعت بتوزيع التحليلات الدونكيشوتية والتهويل ووضع وتسويق السيناريوهات الافتراضية بانتصار المحور وأشاوسه، لدرجة أن اللبناني انشغل عن أزماته المعيشية أمام سؤال: معقول أن يعود السوريون الى لبنان؟ 

بشار الأسد الذي لا يبقيه على كرسيه سوى حماية الطائرات والصواريخ الروسية في الجو وميليشيات إيران في البرّ، ولا يحكم سوى أجزاء من سورية، بينما الاخرى موزعة بين روسيا وأميركا وتركيا وإيران والأكراد وفصائل مختلفة من إرهابيين أو غيرهم، سيتحكم بلبنان مجدداً!؟ 

لم يوقف هذا الهذيان إلا البيان شديد اللهجة الذي صدر عن البيت الأبيض واعتبر فيه أن سلوك وممارسات النظام السوري بمساعدة الروس وإيران تشكل خطراً على الأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد للولايات المتحدة. مشدداً على أن "وحشية النظام وقمعه للشعب السوري، الذي دعا إلى الحرية، لا تعرض الشعب نفسه للخطر فحسب، بل تولّد أيضاً حالة من عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة". ثم وضعوا بعد ذلك مباشرة سبعة لبنانيين على صلة بـحزب الله والقرض الحسن على قائمة العقوبات، على اعتبار أنّ "الحزب" يستخدم "القرض الحسن" كغطاء لإدارة الأنشطة المالية للجماعة الإرهابية والوصول إلى النظام المالي والدولي.

لكن السؤال قبل كل ذلك: هل بقي حدود كي يقطعها الأسد ليعود إلى لبنان؟ وحزب الله وقواته وسلاحه والرمان المحشي والمخدرات والأموال والسلع تعبر الحدود السائبة ذهاباً وإياباً؟ وهل بقيت حدود بين لبنان وسوريا وهذه والعراق وإيران؟

لكن أكثر ما مارسه، ويبرع به محور "المقاومة" الممانعجي بقيادة إيران، هو شن الحروب النفسية على الشعوب العربية، وخصوصاً تلك المحتلة منها: لبنان وسوريا والعراق. لقد تفوقوا على غوبلز نفسه، فاحتكروا "تحرير القدس"، وادّعوا تحريرها بسبع دقائق، وهم الآن يتفرجون عليها تقاوم بلحم أهلها، وليس غيرهم من سيستعيد حقوقه فيها.

والحرب النفسية قد تمر دون أن ننتبه، لأنها لا تستخدم وسائل العنف، فتصبح غير مرئية. والمؤرخون لا يقيمون في العادة تعارضا بين الحرب النفسية واللاعنف عند مقارنتهما، بينما ينبغي ذلك. لأن الحرب النفسية تقوم على التخويف والابتزاز لفرض السلطة؛ فتولد جو عنف ولا ثقة وأحيانا كراهية حتى ولو لم تتحول إلى عنف جسدي مباشر. إن المبالغة بممارسة البروباغندا والحرب النفسية تُدخل الشعوب في حالة من الجمود وتُفقد المواطن قدرته على الحركة لفترة طويلة.

ورثوا هتلر الذي كان يولي للفعل النفسي الأولوية وجعلها مكمّل لا غنى عنه للحرب العسكرية، حتى أنه كاد يعتبرها كسلاح يسمح له بتجنب الحرب العسكرية. إن العمل على إجبار أي بلد على الفتور وعدم اتخاذ موقف هو شكل من الحرب النفسية. وهذا ما نعاني منه. لقد قام هتلر ببلورة هذا الأمر بطريقة فائقة الفاعلية، فولد مفهوم الطابور الخامس 1932: "سيكون لنا أصدقاء نعمل على كسبهم ليساعدونا في قلب البلدان العدوة. إن ارتباك المشاعر والنزاعات الأخلاقية أو المعنوية واللاقرار أو عدم القدرة على اتخاذ موقف، كما الرعب هي أسلحتنا". وهذه سياسة إيران الحرفية وملحقاتها.

ومثل هذه الحرب هي معركة تقودها الدولة كي تزيد أو توهم بميزاتها او حسناتها في نظر العالم وتضعف بالتالي تلك التي للعدو.

كان هتلر خطيباً مفوهاً، وبعد قراءته كتاب غوستاف لوبون عن سيكولوجيا الحشود استنتج عدم وجوب محاججة الجماهير، إنما جذبها والقيام بالتأثير على أفكارها عبر خبطات مشهدية. فتميز بخطبه الشغوفة الملتهبة وبرفضه النقاش وبتكرار المواضيع نفسها من دون كلل، كي تدخل جيداّ في الرؤوس. 

ورثت إيران، وجوهرة تاجها حزب الله بزعيمه السيد نصرالله، هذه الأساليب وطورت البروباغندا التي يعدّونها السلاح الأهمّ في أيديهم، فاستخدموا الخطابات الرنانة والتجييش والصحافة، والاجتماعات والمؤتمرات والأفلام الدعائية. وبحسب يوفال هراري: "إن كذبة محكية مرة واحدة تبقى كذبة، لكن تكرارها ألف مرة يجعل منها حقيقة". والبروباغندا الناجحة هي تلك التي تكتفي بنقاط محددة قوية وتعطيها قيمة كبيرة بوضعها بأشكال نمطية خلال المدة التي تحتاجها. هل تذكرون شهود الزور؟؟ فلسطين؟ جيش، شعب، مقاومة"؟ 

وللحرب النفسية قوانينها: على المدى القصير تساعد من يستخدمها، لكن على المدى المتوسط تنقلب ضده.

فأسلوبهم أصبح مكشوفا لكثيرين ومن الأمثلة:

عندما اجتاحتنا جائحة كورونا، فبركت بسرعة أفلام جيمس - بوندية صورت لنا صفوف عشرات سيارات الإسعاف البيضاء الناصعة على أهبة الاستعداد مع طواقمها لشن الحرب على الفيروس القاتل.

اين أصبحت الآن هذه القافلة؟ وأي مستشفى أثبت جدارته سوى مستشفى الحريري الحكومي؟  

الدعاية الأخرى التي خيبت الآمال، مقولة السيد نصرالله " لن نجوع"، شامتاً بالجوع القادم على الشعب اللبناني. لكن تبين أن الجوع يطال الجميع. لذا عندما جاعوا فبركت لهم "المقاومة" على عجل، الفيديوهات والصور لترويج تعاونيات السجاد التي ستوفر المواد الضرورية للشعب المقاوم وللشعب اللبناني ايضاً.

لكن يشدد بعض أهل الجنوب، أن حملة السجاد مجرد دعاية وأن تعاونيات السجاد موجودة في مناطق معينة لا تصلها سوى بالسيارة – في زمن غلاء وانقطاع البنزين- وأنها تسمح بشراء سلع بـ 250 ألف ليرة فقط وبسعر السوق. فعلى ماذا سيحصل المواطن، بعد طوابير الذلّ! بمبلغ 250 ألف ليرة حين يكون سعر صرف الدولار 12,500 ليرة؟ ويؤكدون أن كثيرين لم يعد معهم أصلاً 250 ألف ليرة.

سمعنا نصائح السيد لحازبيه المحظيين برواتب مدولرة: "ديروا بالكم على بعضكم"، أي تصدّقوا وشحّذوا من معاشاتكم لمن حولكم.

هذه هي حملة السجاد ولن نجوع.

عتب الجنوبيون أن اللبنانيين يصدقون هذه الدعايات ويروجونها بالمزيد من البروباغندا التي تخدم الحزب وتؤذيهم. دعاية أن حزب الله وضعه جيد ويوفر الدعم لجمهوره وللشيعة وانه صامد، كل هذا غير دقيق، اللبنانيون يعانون في مختلف المناطق.

الخلاصة، لا شعار لدينا سوى "صفر خوف". لا تدعوا بروباغندا محور المقاومة "ياكلكم راسكم" ويضعف معنوياتكم. علينا تشكيل جبهة مقاومة من أوسع الشرائح الممكنة ومن جميع الطوائف والاتجاهات من الثوار ومن المناضلين وأصحاب الرأي والسياسيين المعارضين ممن رفضوا تغطية العهد وممن ارتكبوا خطيئة المجيء به، علّهم يكفّرون ذنبهم، تحت شعار وحيد إيران برا.

أملنا الوحيد دعم مبادرة البطريرك بحذافيرها: تحرير الشرعية عبر تطبيق الدستور والطائف وقرارات الشرعية الدولية برعاية مؤتمر دولي يدعمنا لنتحرر.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.