سيارات تحمل أعلاما في دمشق احتفالات بانتخابات الأسد
سيارات تحمل أعلاما في دمشق احتفالات بانتخابات الأسد

ينشغل الرأي العام اللبناني باقتراب موعد الانتخابات. بدأ العد العكسي، البعض يتحضر لخوضها، والبعض الآخر، الممسك بالسلطة، يقتنص الانهيار الاقتصادي لرشوة الجماهير التعسة؛ وبعد "شدّ وتنحيط" سيقرّون "البطاقة التموينية"، التي لا نعرف من سيستفيد منها وبأموال من؟  

أما صناديق الإعاشة، أفضل أنواع الرشوة الانتخابية في هذه الاوقات العصيبة؛ فيتنافسون على توزيعها. افتتح البازار حزب الله. سيدحر الجوع كما العدو.  

يواكب كل ذلك ضغط المجتمع الدولي لإجراء الانتخابات في موعدها. طبعاً الانتخابات هي احد شروط ضمان الديموقراطية. لكنها ولو طبقت دورياً، لا تضمن وحدها الديموقراطية. فضمان الديموقراطية الحقيقي، يكون في استعادة البرلمان وظائفه التي وجد من أجلها، أي التشاور والتقويم والتدقيق والوقاية. وفي قيام الحكومة بواجباتها بنزاهة. ناهيك عن فصل السلطات واستقلالية القضاء. وعندما لا تطبق هذه الشروط على جميع مؤسسات الدولة، تصبح مجرد هيئات للعرقلة، كما هي حال البرلمان اللبناني والحكومة والرئاسة.  

أما قانون انتخاب العام 2018 اللقيط، الذي فُصِّل على قياس الطبقة الحاكمة، وجعل المعركة داخل كل طائفة ومن ثم بين الطوائف. في مخالفة صريحة للدستور الذي ينتخب فيه المواطن نوابه من جميع الطوائف والنائب يصبح نائبا عن الامة وليس نائبا عن طائفته. 

مؤخراً، في بازار البحث عن "شرعية مفترضة" لحكم غير شرعي، مُثِّلَت مسرحية هزلية، أعادت "انتخاب" بشار الأسد. في ظل عدم اعتراف دولي و6 ملايين لاجيء خارج سوريا، و6 ملايين نازح داخلها، ومليون و400 الف قتيل ومئات الآف السجناء، أجريت انتخابات ونجح الاسد. 

رئيس الجمهورية اللبنانية سارع الى تهنئته بإعادة انتخابه بدل توجيه السؤال عن ال 622 معتقلاً الموثقين من وزارة الداخلية ومن مؤسسات الامم المتحدة. وكان أنكر وجودهم عندما أُحرجه تحرك المحررين من سجون الاسد مطالبينه بالافراج عنهم.  

يذكر علي ابو دهن، السجين المحرّر، ان هؤلاء أعداد من تجرّأ أهلهم على الاعلان عن وجودهم في اقبية الاسد، إذ ان الأعداد أكبر من ذلك. ويخرج دورياً سجيناً متوفي، كما حصل مع نبيل خير الذي أرسل جثمانه منذ اسابيع قليلة. 

ويسرد أيضاً ابو دهن عما حصل معهم عام 1990 عندما كانوا في بداية اعتقالهم في سجن تدمر. وكانوا في حالة مزرية دون شعر او رموش ووزن أضخمهم لا يتعدى 60 كلغ. جاءهم ضابط وطلب منهم ان يكتبوا بدمهم رسالة يطالبون فيها إعادة انتخابه علّه يعفو عنهم. جيء لهم بقصاصات ورق ودبابيس. أدموا اصابعهم ودبجوا رسالة: سيادة الرئيس المفدّى و و و. لكنهم اكتشفوا ان هذا يتطلب كميات من الدم غير متوفرة في ابدانهم العجفاء. فاختصروا بعدة كلمات رسائل الدم المطلوبة مادحين مستعطفين متذللين، وجمعوها في رزمة ودقّوا على باب الزنزانة لتسليمها للسجان، الذي جاء فمزّق القصاصات التي أفرغوا دمهم عليها وشتمهم قائلاً: سيادة الرئيس ناطركم يا .. هذا فقط لإهانتكم. 

يحكي عمر الشغري، الشاب الرائع الخارج من جحيم صيدنايا، في فيديو لبرنامج سردة: في صيدنايا سجنان، واحد أبيض وواحد أحمر، الأحمر مطلي بدم السجناء. 

 يطبّق الأسد نصيحة الملكة "تي" لابنها الفرعون اخناتون الذي لم يتمتع بالقسوة: "لا تحرص على حبهم، انه أمر غير مجد، اجعلهم يخافونك لتكون طاعتهم عمياء".  

في الأيام الأخيرة يتم تداول عدة فيديوهات تصور كيف حصل الاقتراع في سوريا، قائد الفرقة يقترع عن فرقته كاملة بوضع صور للبطاقات المفلوشة أمامه ويوقّع عنهم والسلام. هكذا تجري الانتخابات في سوريا.  

الحال ليس أفضل كثيراً في لبنان، فبدل إفراغ السجن للأبدان من دمها وحياتها لإخضاعها، أداروا الانهيار الاقتصادي والاجتماعي التام. تسببوا بالهجرة بدل التهجير. تسببوا بالتجويع الجماعي وإنعدام فرص الطبابة والتعليم. تعطّلت المستشفيات وهرّب الدواء وانحدر التعليم.  

وفضائح الانتخابات الاخيرة لا تزال في الذاكرة، حيث أظهرت عشرات الفيديوهات كيفية استبدال صناديق اقتراع بغيرها مزورة. عدد كبير من المرشحين لم يجدوا حتى أصواتهم الشخصية في صندوقة الاقتراع، ومناطق كان حاصل الاقتراع فيها أكبر من عدد الناخبين. إضافة إلى تمديد فترة الاقتراع حتى منتصف الليل في مناطق حزب الله البقاعية. بانتظار أن تمتلئ الصناديق بما يضمن نجاح مرشحي الحزب الالهي. بتغطية من وزارة الداخلية. 

فيما عدا عدم صلاحية قانون الانتخاب، هناك تخوف من عدم نزاهتها خصوصاً ان الاقتراع في مكان الولادة ، مع ما يستتبع ذلك من رقابة أهلية وترغيب وتهديد للضغط على الناخبين وتخويفهم.  

التمويل نفسه يسمح باستخدام المال السياسي ويسوّغ الفساد. كيفية تشكيل اللوائح أيضاً، فالترشح يتم افراديا ومن ثم يتم البحث عن لائحة. بينما يفترض ان تتشكل اللوائح مسبقاً مع برامج واضحة ويتم الترشح والاقتراع على أساسها. فالتنافس ينحصر بين اللوائح وليس بين الافراد في اللوائح. 

ثم تخيلوا معي دولة قادرة على إجراء انتخابات وتمويلها في ظل الواقع الذي نعيشه. فقدان الوقود، نفاذ الورق والحبر في المحاكم ومؤسسات الدولة ما يهدد بالشلل التام. ناهيك عن الاستعراض العسكري الذي قام به الحزب القومي في الحمرا وهدد في وضح النهار باغتيال جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، بعد أن فاخر باغتيال بشير الجميل. أمام أعين قوى الأمن والجمهور المستنكر. فسارعت حركة أمل، التي يترأسها رئيس البرلمان، بعمل mimetisme  باستعراض عسكري أيضاً. ولقد دأبت الاحزاب، وأصلها ميليشياوي، على الاستعراضات العسكرية لإثبات قوتها. 

فهل هناك ضرب لهيبة الدولة، وإرعاب للمواطنين أكثر من ذلك؟ وستجرى انتخابات نيابية في ظل دولة تتغاضى عن مثل هؤلاء ولا تقوم بأي إجراء قانوني؟! وبرعاية قضاة يستخدمون سلاح الشعبوية ضد بعضهم البعض فيتظاهر من أجلهم، جمهور زبائني ؟؟ ولا نزال بانتظار نتائج التحقيق بأكبر ثالث انفجار كوني بعد ما يقرب العام!! 

أما رئيس نقابة المحامين، الصامت عن الاستعراض، نجده ينبرى للدفاع عن المحامي رامي علّيق الذي اشتغل "بادي غارد" لعرّاضات غادة عون، التي انتهكت القوانين والدستور، في معرض دفاعها عنهما؟؟؟  

فهل يمكن إجراء انتخابات نزيهة فعلياً في ظل مثل هذه الدولة فاقدة السيادة وتحت سلاح خاضع لدولة أجنبية؟  

مع  طبقة سياسية ينطبق عليها وصف محمد المنسي قنديل، في روايته "يوم غائم في البر الغربي"، عندما وصف التقاء جميع الفتوات في بيت "وش البركة" للدعارة: فيتقابل كل الفتوات الذين لا يكفون عن العراك في الحواري الضيقة، يتفقون داخل الدار على تقسيم الحصص وفرض الاتاوات، وتبارك البنات بأجسادهن هذه الاتفاقيات.... 

تكثر في هذا الوضع النقاشات بين المواطنين اللبنانيين، حول كيفية مواجهة الاستحقاقات الانتخابية القادمة: 

هل يمكن أن تتوحد المعارضة في ائتلاف يجمع التيارات والقوى الثورية، على مجموع المقاعد في مواجهة السلطة؟  

هل يمكن التعاون مع جزء من الطبقة السياسية السيادية التقليدية ، التي يتوضح كل يوم مدى انغماسها وشراكتها مع العهد وحزب الله؟ 

هل يجب مقاطعة الانتخابات؟ 

هل يجب طلب حماية دولية؟ هل يلبي المجتمع الدولي طلب حماية السيادة والرقابة على نزاهة الانتخابات؟ 

كل الاحتمالات والاقتراحات مطروحة بانتظار المتغيرات الدولية والاقليمية. 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.