إيرانيون احتفلوا بفوز إبراهيم رئيسي بانتخابات الرئاسة
"مهدت ترقية رئيسي الطريق أمامه لتولّي يوما ما منصبا أرفع: منصب المرشد الأعلى القادم لإيران"

في الأسبوع الماضي، ذهب الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار بديل للرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، الذي أنهى فترتي ولايته. الفائز في انتخابات، 18 يونيو، هو رئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، الذي يقدر حصوله على أكثر من 60 في المئة من 28.6 مليون صوت تم الإدلاء بها.

لم يكن اختيار رئيسي مفاجأة. كان من الواضح لبعض الوقت أن رجل الدين المحافظ، البالغ من العمر 60 عاما، والمثير للجدل، والذي تورط في مقتل ما يقرب من 10 آلاف سجين سياسي في أواخر الثمانينيات، كان موضع اختيار المرشد الأعلى، علي خامنئي، ليحل محل روحاني، وأن الجمهورية الإسلامية كان تعمل طوال الوقت لتهيئة الوضع السياسي لصالحه. كما في الدورات الانتخابية السابقة، تضّمن هذا التصليح تلاعبا كبيرا في التصويت من قبل المؤسسات الدينية في البلاد.

في الفترة التي سبقت الانتخابات، قدم ما يقرب من 600 شخص أوراق الترشح رسميا لانتخابات الرئاسة. ومع ذلك، فقد تم استبعاد الجميع باستثناء سبعة من قبل "مجلس صيانة الدستور"، هيئة التدقيق الدستوري للجمهورية الإسلامية، لأنهم لا يتوافقون أيديولوجيا بما يكفي مع المبادئ الثورية للنظام.

بالإضافة إلى رئيسي، كان من بين المرشحين المعتمدين، أمين "مجمع تشخيص مصلحة النظام"، محسن رضائي، والمفاوض النووي للنظام السابق، سعيد جليلي، ونائب رئيس مجلس النواب الإيراني، أمير حسين غازي زاده هاشمي، ونائب الرئيس السابق، محسن مهر علي زاده، ومحافظ المصرف المركزي، عبد الناصر همتي. والبرلماني السابق، علي رضا زكاني. لكن بحلول يوم الانتخابات، انسحب ثلاثة منهم، مما جعل انتخاب رئيسي أمرا مؤكدا حتى قبل أن يدلي الإيرانيون بأصواتهم.

كان هذا بالتأكيد نية النظام. تقليديا، بذلت الحكومة الإيرانية جهودا كبيرة لضمان أن تحظى الانتخابات الوطنية بمشاركة واسعة النطاق، والتي تعتبرها مقياسا هاما لشرعيتها. كما أنها سعت تاريخيا إلى إضفاء بعض مظاهر الاختيار على المجال الانتخابي على الأقل، لإعطاء مظهر الاختلافات الحقيقية بين "الإصلاحيين" و "المتشددين"، لكن في هذه الدورة، شدد النظام على التماسك السياسي على حساب ظهور بدائل لمواطنيه.

لم تمر تلك الأولوية دون أن يلاحظها أحد من قبل الإيرانيين العاديين. وجدت دراسة استقصائية لحوالي 80 ألف ناخب محتمل أجراها مركز "GAMAAN"، ومقره هولندا في أواخر مايو وأوائل يونيو، أن ثلاثة أرباع (75 في المئة) من المستطلعة أراؤهم ليست لديهم خطط للمشاركة في الانتخابات، مع ذكر الغالبية العظمى منهم "الطبيعة غير الحرة وغير الفعالة للانتخابات في الجمهورية الإسلامية" سببا وراء عزوفهم عن السباق الانتخابي.

كان استياؤهم واضحا يوم الانتخابات. الإجراءات سارت بطاقة منخفضة، لدرجة أن السلطات اضطرت إلى تمديد الاقتراع إلى ساعات الصباح الباكر من اليوم التالي لتعزيز حصيلة المشاركة الرسمية. في نهاية المطاف، تشير التقديرات إلى أن أقل من 50 في المئة من الناخبين المؤهلين أدلوا بأصواتهم، وهي أقل حصيلة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد لأكثر من أربعة عقود.

في غضون ذلك، مهدت ترقية رئيسي الطريق أمامه لتولّي يوما ما منصبا أرفع: منصب المرشد الأعلى القادم لإيران.

ظلت مسألة خلافة المرشد تلوح في الأفق على الجمهورية الإسلامية لبعض الوقت. يبلغ المرشد الأعلى الحالي لإيران، علي خامنئي، من العمر الآن 82 عاما ويعاني من مجموعة من الأمراض. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه العوامل، فقد تجنب حتى الآن اختيار خليفة رسميا. صمت خامنئي، بدوره، أثار تكهنات محمومة حول من قد يصعد إلى أعلى منصب في إيران عندما يغادر خامنئي الساحة أخيرا.

في السنوات الأخيرة ، احتل اسم رئيسي مكانة بارزة في تلك المحادثات. وبالتالي، فإن فوزه الانتخابي الحالي يمكن أن يمهد الطريق لترقية أخرى. بعد كل شيء، كان رئيسي هو رجل الدين الوحيد من بين المرشحين الذين وافق عليهم مجلس صيانة الدستور الإيراني، وكذلك حاليا هو الشخصية الأعلى مستوى داخل الجمهورية الإسلامية التي تتمتع بمؤهلات دينية لخلافة خامنئي عندما يحين الوقت.

وفي الواقع، يبدو أن النخب الإيرانية قد توصلت إلى النتيجة ذاتها. في رسائل التهنئة التي بعثوا بها إلى رئيسي، قيل إن المتنافسين الآخرين قدموا التهنئة ليس فقط لتأمينه الرئاسة، ولكن لتوليه في نهاية المطاف أعلى منصب ديني في البلاد أيضا.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.